من الأندلس إلى غزة.. سر التعاطف الإسباني مع القضية الفلسطينية!

سيف باكير

18 سبتمبر 2025

640

تتصدر إسبانيا المشهد الأوروبي كواحدة من أبرز الدول التي تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ليس فقط على المستوى الحكومي، بل أيضاً على صعيد الرأي العام والمجتمع المدني.

ويأتي موقف مدريد في سياق مزيج من العوامل التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية، علاوة على الأحداث الراهنة في قطاع غزة، حيث أثارت المجازر الأخيرة التي ارتكبها الاحتلال «الإسرائيلي» صدمة كبيرة للرأي العام الإسباني، ودفعته إلى اتخاذ خطوات جريئة على المستويات السياسية والرياضية والدبلوماسية.

يعكس تعاطف إسبانيا مع فلسطين ليس مجرد موقف مؤقت، بل امتداد لتاريخ طويل من التضامن، متجذر في الوعي الجمعي الإسباني، وفي الروابط الثقافية مع العالم العربي التي تعود إلى حقبة الأندلس.

ويأتي هذا الدعم اليوم في ظل سياسات ملموسة وإجراءات ملموسة، تجعل من إسبانيا لاعباً رئيساً في الضغط على «إسرائيل»، والمطالبة باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.

خطاب سانشيز.. اعتراف ودعم رمزي لفلسطين

خلال كلمة له أمام مدرج رياضي مكتظ في سباق الدراجات الهوائية، في 14 سبتمبر 2025م، أعرب رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز عن تقديره العميق لشعبه الذي يقف مع قضية عادلة مثل القضية الفلسطينية، قائلاً: أود أن أعبر عن مشاعر العرفان والاحترام المطلق للرياضيين، لكن أيضاً عن إعجابي بشعبنا الإسباني الذي يقف مع قضية عادلة مثل القضية الفلسطينية.

وتضمنت الكلمة مشهدًا رمزيًا؛ إذ رُفعت أعلام فلسطين خلفه؛ ما يعكس الدعم الشعبي للحكومة الإسبانية وموقفها التاريخي المؤيد للشعب الفلسطيني.

وقد أشاد ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي بمواقف سانشيز المتكررة، واعتبروا أن الموقف الإسباني تاريخي ويشكل امتداداً للتراث الثقافي والسياسي للبلاد.

تحركات رياضية دولية ضد «إسرائيل»

لم يقتصر دعم إسبانيا على المستوى الحكومي، بل شمل الرياضة والمجتمع المدني، فقد هدد مسؤولون إسبان بالانسحاب من كأس العالم 2026م إذا شارك منتخب الكيان الصهيوني، معتبرين أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية لا يمكن السكوت عنها.

وأكد رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم لويس روبياليس أن غالبية المجتمع الإسباني لا يمكنها تقبل صور الأطفال الجائعين والدمار الذي خلفته الهجمات «الإسرائيلية»، مطالباً «فيفا» باتخاذ موقف واضح وتعليق مشاركة «إسرائيل» حتى وقف الحرب.

كما انطلقت حملة عالمية تحت اسم «#GameOverIsrael»، شارك فيها رياضيون ومشاهير، لدعوة اتحادات كرة القدم الأوروبية إلى مقاطعة «إسرائيل» ومنع لاعبيها من المشاركة في البطولات، على غرار الإجراءات السابقة ضد روسيا، معتبرين الرياضة منصة للضغط الأخلاقي والقانوني على «إسرائيل».

9 إجراءات إسبانية صارمة ضد «إسرائيل»

في 8 سبتمبر الجاري، أعلنت الحكومة الإسبانية سلسلة من التدابير والتدابير العقابية ضد الكيان الصهيوني لدعم الشعب الفلسطيني ووقف الإبادة الجماعية في غزة، أبرزها:

1- حظر دائم لتصدير الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية إلى «إسرائيل».

2- منع الرسو في الموانئ الإسبانية لجميع السفن التي تحمل وقوداً للقوات المسلحة «الإسرائيلية».

3- حظر جميع الطائرات التي تحمل معدات دفاعية لـ«إسرائيل» من استخدام المجال الجوي الإسباني.

4- منع دخول المسؤولين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب إلى إسبانيا.

5- حظر استيراد المنتجات القادمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

6- تعزيز التعاون مع دولة فلسطين وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة لتصل إلى 150 مليون يورو.

7- إلغاء عقود دفاعية مع شركات «إسرائيلية» بقيمة إجمالية تقارب المليار يورو.

8- زيادة مساهمة إسبانيا في «الأونروا» بمقدار 10 ملايين يورو إضافية.

9- تعزيز الخدمات القنصلية والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين عبر معبر رفح.

وفي 16 سبتمبر الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية إلغاء صفقتين بقيمة تقارب مليار يورو كانت مع شركات «إسرائيلية»، تشمل صواريخ «سيلام» عالية الحركة، ونظام «سبايك إل آر» المضاد للدبابات.

وأوضحت الوزارة أنها تعمل على قطع الروابط العسكرية والتكنولوجية مع «إسرائيل» وضمان بدائل مستقلة للقوات المسلحة الإسبانية.

أسباب التعاطف الإسباني مع القضية الفلسطينية

يمتد موقف إسبانيا الداعم للقضية الفلسطينية إلى جذور تاريخية وسياسية وثقافية، وهو موقف يعكس امتزاج التقاليد التاريخية مع الضغوط الأخلاقية الراهنة التي فرضتها المجازر الأخيرة في غزة.

وتستعرض قناة «الجزيرة»، في تقرير مرئي، العوامل التي أسهمت في بلورة هذا التعاطف الإسباني، من الماضي التاريخي وحتى التطورات السياسية والاجتماعية المعاصرة.

يشير التقرير إلى أنه خلال حكم الجنرال فرانشيسكو فرانكو (1936-1975م)، عاشت إسبانيا عزلة دولية، ولم تُقم علاقات رسمية مع «إسرائيل» إلا عام 1986م، ويوضح أن هذه العزلة رسخت لدى الإسبان مساحة واسعة من التعاطف مع الشعب الفلسطيني، باعتباره ضحية للاحتلال «الإسرائيلي».

ومع الانتقال إلى الديمقراطية في سبعينيات القرن الماضي، برزت تيارات يسارية واشتراكية، مثل الحزب الاشتراكي العمالي، وحزب بوديموس الراديكالي، التي تبنّت خطاباً نقدياً للاستعمار والهيمنة، ودافعت عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي مقدمها الشعب الفلسطيني، ولا يزال لهذه التيارات، بما فيها حزب سومار اليوم، دور مؤثر في الضغط على الحكومة لمواجهة ممارسات «إسرائيل».

كما يشير التقرير إلى أن البعد الثقافي والاجتماعي يؤدي دوراً محورياً في تعزيز التعاطف الإسباني، حيث يحمل جزء كبير من المجتمع الإسباني وعياً جمعياً بتاريخ الأندلس وروابطها الممتدة مع العالم العربي، هذه الروابط ساهمت في تكوين حس اجتماعي يميل إلى التضامن مع القضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية؛ لذلك تحرص الحكومات الإسبانية على تقديم مواقف داعمة لفلسطين، باعتبارها انعكاساً لمزاج شعبي واسع.

وأبرزت «الجزيرة» أن التطورات الأخيرة في غزة، لا سيما المجازر التي ارتكبها الاحتلال «الإسرائيلي» وسقوط آلاف الضحايا المدنيين، شكّلت صدمة للرأي العام الإسباني؛ ما فرض ضغوطاً أخلاقية وقانونية على صانعي القرار.

وتسعى إسبانيا، وفق التقرير، إلى مواءمة مواقفها مع القانون الدولي، وتقديم نفسها كمدافع عن الشرعية الدولية وحقوق الإنسان؛ ما يجعل تبني القضية الفلسطينية أداة لتعزيز صورتها الدبلوماسية.

محطات بارزة من التوتر الإسباني «الإسرائيلي»

شهدت العلاقات بين إسبانيا و«إسرائيل» عدة محطات من التوتر، من أبرزها:

  • بعد الحرب العالمية الثانية عارضت «إسرائيل» انضمام إسبانيا للأمم المتحدة بسبب علاقة مدريد بألمانيا النازية.
  • لم تُقم إسبانيا أي علاقات رسمية مع «إسرائيل» منذ قيام الكيان إلا في عام 1986م.
  • عقب اندلاع الحرب بين «إسرائيل» و«حزب الله» في عام 2006م، ارتدى رئيس الوزراء الإسباني آنذاك خوسيه لويس رودريغيز الكوفية الفلسطينية وانتقد الإفراط في استخدام القوة ضد اللبنانيين.
  • في عام 2014م، تبنى البرلمان الإسباني بالإجماع قراراً غير ملزم يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
  • في أكتوبر 2023م، عارضت إسبانيا تعليق الاتحاد الأوروبي المساعدات للفلسطينيين بعد اندلاع الحرب.
  • في حرب غزة، قدمت إسبانيا، التي تتولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي اقتراحاً لعقد مؤتمر سلام خلال 6 أشهر.
  • في 26 أكتوبر 2023م، طالبت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية إيوني بيلارا الدول الأوروبية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل» ومعاقبتها بسبب قتل المدنيين.
  • في 15 نوفمبر 2023م، تعهد رئيس الوزراء الإسباني سانشيز بأن تعمل حكومته للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعا إلى وضع حد للقتل الأعمى للفلسطينيين في غزة.
  • في 25 نوفمبر 2023م، أعلنت بلدية برشلونة قطع العلاقات «الإسرائيلية» بشكل كامل حتى وقف إطلاق النار.
  • قررت الحكومة الإسبانية زيادة المساعدات للفلسطينيين بمقدار 100 مليون يورو إضافية.
  • وزيرة المساواة الإسبانية إيرين مونتيرو اتهمت الولايات المتحدة بالتواطؤ مع جرائم الحرب التي ترتكبها «إسرائيل» في غزة.
  • خلال زيارة رئيس الوزراء الإسباني لمعبر رفح في 24 نوفمبر 2023م، أكد أن تدمير غزة غير مقبول، وأن العنف لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف.
  • في 1 ديسمبر 2023م، أعرب رئيس الوزراء الإسباني عن شكوكه في التزام «إسرائيل» بالقانون الدولي بالنظر إلى عدد الضحايا في غزة.
  • سانشيز يعلن اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية على حدود 1967م، في 28 مايو.
  • وزير الخارجية «الإسرائيلي» كاتس ينتقد نائبة رئيس الوزراء الإسباني لتأييدها تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.

خطوات دبلوماسية ملموسة

في سبتمبر 2024م، استقبل ملك إسبانيا فيليبي السادس أول سفير فلسطيني، حسني عبدالواحد، في مدريد، بعد أن اعترفت مدريد بالدولة في مايو 2024م.

وتواصل الحكومة الإسبانية تعزيز العلاقات الدبلوماسية والثقافية مع فلسطين، مع التأكيد على دعم حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات «الإسرائيلية»، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة في غزة.


اقرأ أيضاً:

لماذا ينتفض الغرب لغزة ويصمت العرب؟ 

3 دول أوروبية تعترف بفلسطين بعد «7 أكتوبر»

التحولات الكبرى لحرب غزة في السياسة الغربية وانعكاساتها

تطور الفعل الاحتجاجي العالمي في ضوء العدوان «الصهيوني أورو-أمريكي» على غزة

  

 

 

 

 

 

 

 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة