يواجه الشباب العربي بشكل عام فراغًا قاتلًا خلال فصل الصيف، لكن الحالة اليمنية لها خصوصية جرّاء الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2015م، حيث أدت إلى إغلاق العديد من النوادي الرياضية والثقافية، وتوقف الأنشطة الترفيهية، وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، وهو ما دفع الكثير من الشباب إلى قضاء أوقات فراغهم في مضغ القات، أو التجول في الشوارع، أو حتى الانضمام إلى جبهات القتال، ممّا يُهدد بتفشي ظواهر الانحراف والجريمة.
وظلت شريحة الشباب في اليمن تواجه تحديات كبيرة بسبب الفراغ، فمع تشكيل الشباب ما نسبته 70% من إجمالي سكان اليمن، تُشير الإحصاءات إلى أن ثلثهم يعانون من البطالة، مما يُفجر أزمةً حقيقيةً تُغذي مشاعر الإحباط واليأس لديهم.
ويُترجم هذا الفراغ غالباً إلى سلوكيات سلبية تُهدد استقرار المجتمع، مثل الانحراف، والجريمة والتطرف والإرهاب، ناهيك عن الأمراض النفسية التي تُثقل كاهل الشباب وتُعيق طموحاتهم، مثل الاكتئاب والقلق.
فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2019م حول حالات الصحة العقلية في اليمن، أن اضطراب ما بعد الصدمة هو أكثر حالات الصحة العقلية انتشارًا بين الشباب اليمنيين بنسبة 45%، يليه الاكتئاب بنسبة 27%، ثم القلق بنسبة 25%، والفصام بنسبة 18%، والرهاب بنسبة 4%.
فخ الفراغ.. ساحة لنمو الانحراف والجريمة والأمراض النفسية
اتفقت الدراسات المجتمعية على أنّ ظاهرة الفراغ التي تُصيب شريحة الشباب في اليمن ليست مجرّد مشكلة عابرة، بل فخ يُسقطهم في شباك الانحراف والجريمة والأمراض النفسية، ليُهدد بذلك مستقبلهم ومستقبل مجتمعهم بأكمله، حيث يُعدّ الفراغ بيئة خصبة لنمو السلوكيات المنحرفة، فالشباب الذين يفتقرون إلى الأنشطة الإيجابية قد يلجؤون إلى السلوكيات المحرمة مثل تعاطي المخدرات والسرقة والاعتداء، والانحراف الأخلاقي الذي يُهدد تماسك المجتمع.
كما أنّ شعور الشباب بالإحباط واليأس بسبب البطالة قد يدفعهم إلى ممارسة الجريمة، باعتبارها مصدرًا للدخل أو وسيلةً للتعبير عن الغضب، إلى جانب ما يشكله الفراغ من أرضًا خصبةً لنمو الأفكار المتطرفة، فالشباب الذين يفتقرون إلى التربية الدينية الصحيحة قد يُصبحون فريسة سهلة للمتطرفين الذين يستغلون مشاعرهم ويُغرّرون بهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انخراطهم في أعمال عنف وإرهاب تُهدد أمن المجتمع واستقراره.
كما اتفقت الدراسات على أن الفراغ يُعدّ من أهمّ العوامل التي تُساهم في الإصابة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق، فالشعور بالملل والوحدة وفقدان الأمل يُؤثّر سلبًا على الصحة النفسية للشباب، ممّا قد يُؤدّي إلى سلوكيات مدمرة مثل الانتحار.
ومن هنا، فإنّ آثار الفراغ السلبية تُلقي بظلالها على جميع جوانب حياة الشباب، من صحتهم النفسية إلى سلوكهم الاجتماعي، ممّا يُعيق مسيرتهم نحو النجاح والتقدم.
الوضع النفسي في اليمن
وفقًا لتقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان الصادرة في العام الماضي، فإن الوضع النفسي في اليمن يعاني من نقص حاد في الخدمات والموارد:
– 7 ملايين يمني بحاجة للرعاية الصحية النفسية خلال العام الحالي (2024م).
– يوجد طبيب نفسي واحد فقط لكل 700 ألف شخص، بينما المعيار العالمي هو 40 طبيبًا لكل 100 ألف شخص.
– 120 ألفًا فقط من بين 7 ملايين يمني يستطيعون الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية النفسية.
– ثلث اليمنيين على الأقل يعاني من اضطرابات نفسية.
حالات الانتحار
أشارت إحصاءات الصندوق أيضًا إلى انتشار حالات الانتحار بشكل مقلق في اليمن:
– أكثر من 50 واقعة انتحار أو محاولة انتحار في عموم المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين عام 2022م.
– حالة انتحار كل يومين.
– أكثر من 5 معلمين انتحروا في محافظة إب عام 2019م.
وتُبرز هذه الإحصاءات والمعلومات مدى خطورة أزمة الحرب الأهلية في اليمن، وما نتج عنها من فراغ وبطالة بين الشباب اليمني، وما يُرافقها من تأثيرات نفسية وسلوكية تُهدد استقرار المجتمع ومستقبله.
الفراغ ومعاناة الشباب
أدت الحرب إلى إغلاق العديد من النوادي الرياضية والثقافية، ممّا حرم الشباب من ممارسة الرياضة والأنشطة الثقافية التي كانت تُساعدهم على شغل أوقات فراغهم بشكل إيجابي.
وتوقفت العديد من الأنشطة الترفيهية، مثل: الفعاليات الثقافية، والرحلات، والنزهات، ممّا زاد من شعور الشباب بالملل والإحباط.
كما أدت الحرب إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير، ممّا جعل من الصعب على الشباب إيجاد فرص عمل تُساعدهم على شغل أوقات فراغهم بشكل منتج.
وفي ظل الحرب، توقفت جميع الأنشطة الرياضية تقريبًا في اليمن، بما في ذلك الدوريات، كرة القدم، والألعاب الأخرى، وحتى الأعوام القلية الماضية لم يشارك في أي نشاط رياضي إقليمي أو دولي منذ اندلاع الحرب.
وقد أثّر هذا التوقف بشكل كبير على الرياضيين والشباب، الذين وجدوا أنفسهم محرومين من فرصة ممارسة الرياضة والمشاركة في المنافسات، مما زاد من شعورهم بالإحباط والفراغ حتى كان موسم 2019 – 2020م الأول الذي يشهد قيام دوري كروي في اليمن بعد توقف النشاط الرياضي منذ عام 2014م، منذ سيطرة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء وبدء الحرب.
ولا شك أن توقف النشاط الرياضي منذ عام 2014م كان له تأثير كبير على الأندية واللاعبين، حيث حرمهم من فرصة التدريب والمشاركة في المباريات، وأدى إلى تدهور مستوى الرياضة في البلاد.
الشّباب.. ووسائل التواصل الاجتماعي
أدى الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي دون ضوابط أخلاقية أو قيمية أو استغلالها في عمل منتج ومفيد إلى إضاعة الوقت الذي يمثل قيمة كبيرة للإنسان، وتحول الشباب إلى مجرد مستهلكين غير نافعين لأنفسهم أو مجتمعهم.
وقد ركن عدد كبير من الشباب إلى الانزواء مع هذه الوسائل بعيدًا عن المجتمع؛ وهو ما تسبب في عزلة هذا القطاع من الشباب عن قضايا مجتمعه، وواقعه الذي يتطلب انخراط هذه الشريحة المهمة في قلب قضاياه للمساهمة في خروج اليمن من أزماته المتعددة.
وكانت إحدى الدراسات المتخصصة في هذا المجال قد أشارت إلى أن نحو 70% من قطاع الشباب يستهلك معظم وقته في التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يعود ذلك بأي منافع على هذا القطاع من الشباب والمجتمع.
كما أشارت دراسة أخرى إلى أن إدمان شريحة كبيرة من الشباب اليمني لوسائل التواصل الاجتماعي غيَّر كثيراً من أنماط سلوكها المجتمعي الذي كان قائمًا على التزاور في المناسبات والتعاون في الأزمات، وأصبح الشباب لا يبالي بما يعاني منه المجتمع من أزمات أو حتى كوارث قد تصيب الأقارب، واكتفى الكثير منهم بإرسال رسائل نصية باعتبارها أقصى مشاركة يمكن أن يقدمها لمجتمعه.
ويبقى أن تزايد أوقات الفراغ عند الشباب اليمن يرتبط بالدرجة الأولى بأزمات المجتمع الاقتصادية بسبب انتشار الحروب القبلية، ولا يمكن الوصول إلى حلول ناجعة دون القضاء على النزاعات الأهلية والقبلية داخل البلاد باعتبارها الأزمة الكبرى التي تنعكس آثارها السلبية على كل مناحي المجتمع من بطالة وجريمة وإدمان وانتشار للمخدرات وأخطر من كل هذا هو تغيير النمط القيمي والديني عند فئات كثيرة من الشباب.