4 من أخير الناس.. هل أنت منهم؟

ما زال المسلمون يعيشون في ظلال روحانية الأشهر المباركة، التي تمتد حتى شهر ذي الحجة الذي يأتي بفريضة مهمة وركن أساسي من أركان الإسلام، وهو ركن الحج الأكبر.

وتلقي تلك الأيام المباركة بظلالها على شخصية المسلم فيظل باحثاً عن خير الأعمال وأحبها إلى الله تعالى ليدرك رحماته، وينال مرضاته.

وقد أتت السُّنة المطهرة لتيسر على المسلمين حياتهم، وترفع درجاتهم وتعرفهم بأقصر الطرق إلى الله تعالى؛ حرصاً منها على نجاتهم وخيريتهم في الدنيا والآخرة، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم 4 من الأعمال هي خيرها، وتجعل من يطبقها من أخير الناس، هي:

أولاً: من يتعلم القرآن ويعلمه:

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ» (أخرجه البخاري)، وأرفع العلوم وأفضلها على الإطلاق وأشرفها عند الله هو تعلم القرآن وتعليمه، فبه يستقيم حال المؤمن ويكتمل إيمانه وتصلح عبادته وتصح نواياه ويرق فؤاده وتتزكي نفسه وتتبلور خشيته من الله عز وجل.

يقول القرطبي: «تعليم القرآن أفضل الأعمال؛ لأن فيه إعانةً على الدِّين، فهو كتلقين الكافر الشَّهادةَ لِيُسْلِمَ»(1)، وقال ابن خلدون: «تعليم الوِلْدَانِ للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهالي الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لِما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي بُنيَ عليه ما يحصل بعد من الملكات».

ويمتد أجر تعلم القرآن وحفظه إلى الأبوين، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن وتعلَّمه وعمِل به، أُلبِسَ يوم القيامة تاجًا من نورٍ ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويُكسى والديه حُلَّتان لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان: بما كُسينا؟ فيُقال: بأخذ ولدكما القرآن» (رواه الحاكم).

ثانياً: أحسن الناس أخلاقاً:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خياركم أحاسنكم أخلاقاً» (رواه البخاري)، ولحسن الخلق في الإسلام مكانة لا تقاربه فيها عبادة أخرى، ومن أجله كانت بعثة نبي الإسلام فيقول عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ويقول فيه كذلك: «أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم أخلاقاً» (أخرجه الترمذي، وأبو داود)، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر ما يقرب العبد من نبيه مجلساً يوم القيامة، فيقول: «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» (أخرجه الترمذي).

وهو من أقوى الأعمال التي تثقل الميزان وتجزل في الثواب، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن» (أخرجه أبو داود)، وقال: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» (أخرجه أبو داود).

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بحسن الخلق، وقد خص الدعاة منهم بالمزيد منه، ففي وصيته لمعاذ بن جبل حين بعثه ولياً على اليمن قال ضمن وصيته: «وخالق الناس بخلق حسن» (واه الترمذي).

وقد حث القرآن في مواضع كثيرة على حسن الخلق بكافة صوره في المعاملات بين الناس، فقال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199)، وقال تعالى مشيداً بخلق نبيه الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، ويقول سبحانه: (بِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر) (آل عمران: 159).

وكان أمر الله عز وجل لنبيه ومن اهتدى بهديه بقوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 215)، وقال فيه عليه الصلاة والسلام: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: 128)، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).

وقد تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة لمن حسن خلقه، فقال: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خلقه» (أخرجه أبو داود)، وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تَحرُمُ عليه النار، على كُلِّ قريبٍ هيِّنٍ لَـيِّـنٍ» (رواه الترمذي).

ثالثاً: حسن القضاء:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم أحسنكم قضاءً»؛ أي عند رد الدَين أو القرض (رواه البخاري)، ومن أخلاق الإسلام التي حث المسلمين عليها حُسن القضاء، ويعتبره من الأمانة التي يجب على المسلم الالتزام بها، فيقول عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58)، ولأهمية حكم الدين في الإسلام كانت آية الدين هي الآية الأطول في كتاب الله عز وجل لما له من أهمية، فلو لم يكن له كل هذا الاهتمام لضاعت الأمانة بين الناس، ولأعرض الكثيرون عن الإقراض خوفاً من عدم رد الديون، ولما حلت مشكلات كبيرة عن طريقه.

ولذلك فقد اهتم الشرع بوصف أحكامه بدقة كي يستمر الأمر بين الناس تيسيرا لقضاء حوائج من لا يستطيع فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (البقرة: 282)، وفي التجاوز عن المعسر الذي يريد السداد يروي حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول، «مات رجل، فقيل له، قال: كنتُ أبايع الناس، فأتجوز عن الموسِر، وأُخفف عن المعسر، فغُفر له».

رابعاً: إطعام الطعام:

عن صهيب بن سنان الرومي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من أطعم الطعام وردَّ السلام» (أخرجه مسلم)، وإطعام الطعام من أعظم القربات إلى الله تعالى، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» (متفق عليه)، وجعله الله عز وجل من صفات الأبرار فيقول تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {5}‏ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً {6} يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (الإنسان).

وجعله سبحانه من أسباب دخول الجنة، فقال تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ {16} ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) (البلد).

وقد وعد الله تعالى من يتصدق ويطعم المحتاج بأجر مضاعف، فعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمْ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ» (رواه أحمد).





___________________

(1) التذكار في أفضل الأذكار، ص144.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة