كيف يفكر العدو اليهودي؟

هذه ترجمة لما أدلى به عدد من أبرز المفكرين في "إسرائيل"، من مقترحات تكشف طبيعة ما يعتمل في صدورهم، وما هم عليه من ضعف وإن تظاهروا بالقوة، وما في أعماق صدورهم من جبن وهلع ولهفة على السلام والصلح وإن تصنعوا الجبروت.
فيما يلي نقدم للقراء ما نقلته مجلة "نيوزويك" الأمريكية حيث أجرى أحد محرريها حديثًا مع ستة من كبار رجال الفكر في "إسرائيل".
تقول نيوزويك:
على ضوء الجدل الذي دار حول محاولة الدكتور ناحوم جولدمان الفاشلة للاجتماع بالرئيس عبد الناصر، قام كبير محرري نيوزويك أرنود دي بورش جريف ومراسلها ميشيل الكنز بجمع ستة من أكبر المفكرين المتحررين في "إسرائيل" لبحث السبل التي يمكن عن طريقها فتح حوار معقول بين العرب و"إسرائيل".
وعلى الرغم من أن المشتركين في هذا الاجتماع لا يعتبرون أنفسهم «حمائم» إلا أنهم أعربوا عن اهتمامهم بما يعتبرونه موقف "إسرائيل" «الصلب» من السلام.
وفيما يلي الحديث:
قال كبير محررو نيوزويك المستر دي بورش جريف:
- كيف تستطيع "إسرائيل" أن تكسر الحاجز القائم بينها وبين العرب؟
البروفيسور دون باتين كين أستاذ الاقتصاد بالجامعة العبرية في القدس يقول:
- لا بد أن نردد بجلاء تام استعدادنا للانسحاب من المناطق المحتلة من أجل تسوية دائمة، كما يجب أن نعلن مساندتنا لقيام أمة «دولة» عربية فلسطينية إذا كان ذلك هو ما يقرره الفلسطينيون بكل حرية.
فهذا يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنني لا أظن أننا يجب أن نتغافل عن الحقيقة التي تقرر بأن السبب الأساسي للأزمة في الشرق الأوسط ما زال يتمثل في صلابة موقف العرب، ورفضهم الاعتراف بـ"إسرائيل" ومساندة السوفيت لهذا الموقف ولا داعي لأن أذكر مصلحة السوفيت في استمرار التوتر في المنطقة.
– وقال ميرون بن فنيستي «المتخصص في الشؤون العربية - بالمجلس البلدي في القدس، مجيبًا على السؤال:
إننا نحن المنتصرون، وعلينا أن نبدأ العروض، ولا أظن أننا لم نقل بكل صراحة لا تقبل اللبس منذ الأسابيع الأولى التي تلت الحرب إننا على استعداد للجلاء عن المناطق المحتلة...
وعلينا أن نقول الآن بأننا على استعداد لقبول قرار مجلس الأمن، فهذا يعتبر حركة إيجابية، ولكننا لا نعلم اليوم ما هي السياسة "الإسرائيلية"، فوزير يقول بأننا قبلنا القرار وآخر يقول بأننا لم نقبله.
- وهذا هو رد شيمون شامير رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب:
تقديري هو أنه ما لم يتم التوصل إلى تسوية ما مع الفلسطينيين، فكل ما نتوصل إليه مع مصر والأردن لن يستمر لذلك لا بد أن تتركز السياسة "الإسرائيلية" على الفلسطينيين، إذ إن هذا هو القطاع الوحيد من العالم العربي الذي يمكن لـ"إسرائيل" أن تتفاوض معه بطريقة مباشرة فهناك مليون فلسطيني اليوم على اتصال وثيق بـ"إسرائيل". ولن يكون ذلك سهلاً، إلا أن هذا هو أحد المجالات التي يمكننا أن نسير فيها.
- وقال يورام بن بوراث المؤلف والخبير بقضايا اللاجئين العرب:
لا بد أن نتعامل بالتدريج مع السكان العرب الذين تشملهم سيطرتنا، مع الاعتراف بأننا سنمكث فترة طويلة في المناطق المحتلة، سواء أحببنا ذلك أم كرهناه، مؤكدين للسكان في الوقت ذاته تأكيدًا رسميًا أننا لا نخطط لضمهم إلينا، وأنهم في عهدتنا هذا مع السعي لبلورة أساس للثقة المتبادلة بشتى الطرق.
- وهنا تدخل الكنز، مراسل نيوزويك بقوله: هل لك أن تضرب مثلًا لما تقصد؟
- وهنا رد باتين كن أستاذ الاقتصاد بالجامعة العبرية:
ادفعوا للاجئين أموالًا للتعويض عن الممتلكات التي فقدوها، وأقصد جميع الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها "إسرائيل"، وهذه خطوة بسيطة ولكنها هامة.
- فقال كبير محرري نيوزويك: ولماذا لا يتم ذلك؟
- فتصدى باتين كن بقوله: لأن الخط الرسمي هو أن تسوية قضية اللاجئين جزء من التسوية الشاملة.
البروفيسور ميشيل برونو: إن "إسرائيل" في مأزق من صنع أيديها، إنني أتحدث عن أمور تتحكم بها "إسرائيل".
ويبدو أننا ننزلق في اتجاه ضم واقعي، وغالبية سكاننا ضد الضم، إلا أن السياسة الحالية اليومية يحتمل أن تقودنا إليه. وهناك أمور معينة يمكننا القيام بها لدرء ذلك، ومن المهم جدًا أن نكف عن أعمال تحول دون حدوث اختيارات.
«الكنز» مراسل نيوزويك: هل يمكن أن تكون أكثر تخصيصاً؟
برونو:
- على الصعيد الإيجابي: دفع تعويضات للاجئين واستيعابهم في المناطق المحتلة، وكجزء من برنامج تنمية اقتصادية لا بد أن نخرجهم من المعسكرات والمخيمات وأن ندخلهم في اقتصادنا، والتعويض خطوة بعيدة المدى، ولكننا لا بد أن نفعل ذلك أيضًا بادئين بالقدس.
- وعلى الصعيد السلبي، يمكن أن تغلق الاختيار، وأضرب لذلك مثلًا العلاقات السياسية التي نقيمها بين "إسرائيل" والمناطق المحتلة، لا بد أن نبني كيانات سياسية مستقلة ذاتيًا داخل هذه المناطق، وأن نسمح للعرب بإدارة مزيد من شؤونهم الخاصة.
وأضاف أموس تفيرسكي، أستاذ علم النفس بالجامعة العبرية:
يمكن ويجب أن تعطي الأولوية لتصفية النزاع، وذلك من الناحية السياسية بتناول الفلسطينيين في المناطق المحتلة، ومن الناحية العسكرية بتخفيف حدة التوتر على كافة الجبهات، وهذه الخطوة من المؤمل أن تخفف من ميل العرب للحرب.
الكنز:
- ما هي الفرص التي ضيعتها الحكومة "الإسرائيلية"؟
بن فنستي:
- أعتقد أن أكبر خطأ لنا هو الإصرار على السلام الكامل، كل شيء أو لا شيء، ونتيجة لذلك نحت الحكومة جانبًا قرارات معينة هامة جدًا كان بالإمكان تنفيذها بعد الحرب بثلاثة أو أربعة أشهر.
ومثال ذلك، في أغسطس 1967 كان هناك مشروع بروتوكول من 29 نقطة كان من شأنه أن يؤدي إلى علاقات اقتصادية وثيقة مع الأردن، ويشمل ميناء حر للأردن على البحر الأبيض المتوسط.
والحق أن الحكومة هي التي بدأت هذا المشروع، ولكنها استبعدته لأن «مناوئيه الإسرائيليين» قالوا إن هذه أوراق رابحة لا بد من الاحتفاظ بها لمائدة مفاوضات السلام.
وقد حدث الأمر ذاته فيما يتعلق باللاجئين والقدس، فالفدائيون الآن يسيطرون على اللاجئين، وكان بإمكاننا في القدس أن نقترح منطقة بلدية واحدة تشتمل على رام الله وبيت لحم ولها إدارتان مستقلتان، وكل فئة - من يهود ومسلمين ونصارى، يمكن أن تأخذ على عاتقها مسؤوليات محددة لدى المجلس البلدي.
ونستطيع خلال مرحلة انتقال أن نسلم العرب حكمًا ذاتيًا في الضفة الغربية، ونحيل إليهم مسؤولية كافة الشؤون المدنية. ولا ننسى أن لدينا الآن جسورًا مفتوحة عبر نهر الأردن، وذلك حسن، ويمكننا أن نعمل المزيد.
- ولما سئلت المجموعة عن موقف حكومة الائتلاف، الحالية في "إسرائيل" وسياساتها الراهنة، هاجم أحدهم الائتلاف وقال إن ذلك يسوقنا إلى الضم، ويبعد بنا عن السلام.
- وقال شامير: رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط:
يبدو أن هناك اهتمامًا رسميًا في هذا البلد للتحدث عن العرب كوحدة واحدة، متجاهلًا العناصر التي لا ترغب أبدا في استمرار هذا الصراع العقيم، ومثال ذلك: الفلسطينيون في المناطق المحتلة، والمفكرون المصريون، والنصارى في لبنان... إلخ
سؤال من كبير مراسلي نيوزويك: كيف ينتظر من العرب أن ينتقلوا تدريجيًا إلى تبني عقلية مفاوضة؟
شامير:
- علينا أن نصدر كتابا أبيض باسم الحكومة يحدد لأول مرة في تاريخ الصهيونية الأهداف النهائية للصهيونية في هذه القطعة من الأرض، كما يمكن أن يُعترف للفلسطينيين بحق المواطنة، وأعني بهم القاطنين حول الحدود التي لا بد أن تكون محلًا للتفاوض في الوقت الملائم.
وهذا الإعلان لا يكفي وحده، لأن العرب يرون أننا رؤوس مفكرة، وفي جعبتنا كثير من الحيل، لذلك علينا أن نفعل شيئًا ما حتى نقدم دليلًا ملموسًا على صدق هذا الإعلان.
– ولما سأله دي بورش جريف عما إذا كان بإمكانه أن يكون أكثر تحديدًا قال شامير:
- يمكن أن نوقف المستعمرات الجديدة في الضفة الغربية وسيناء، ويمكن أن نسمح للفلسطينيين الذين كانوا يقطنون الضفة الغربية، ويعيشون الآن في الضفة الشرقية بالعودة إلى ديارهم، ولم لا، ما دمنا لا نريد أن نضم الضفة الغربية، فما الذي يخيفنا؟ وهناك تعويض اللاجئين وتوطينهم.
كل هذه الأشياء بوسعها أن تنقي الجو قليلاً، كما تقدم للفلسطينيين الذين يميلون إلى تصديقنا، برهانًا وحجة.
- برونو:
- أود أن أضيف أن علينا أن نبدأ في بناء أساس لدولة فلسطينية ناشئة بطريقة تدريجية خطوة إثر أخرى، ولا نفعل ما من شأنه أن يحول دون هذا التطور في المستقبل عوضًا عن أن يسهله.
بن فنيستي:
- لن نجد عربيًا واحدًا لديه الاستعداد لأن يؤدي دور كلب صيد ما لم نقرر رسمياً، ونعطيه عهدًا بأننا لن نقوم بضم أي شيء.
باتين كين:
علينا أن نصدر إعلانًا ونخرج «جهنم» من الخليل.
شامير:
-الذي أعتقده شخصيًا هو أنني لا أرى بأننا من معيشة اليهود في الخليل... فقد عاشوا فيها آلاف السنين، وكانت فيها جالية يهودية حتى أواخر الثلاثينات عندما مسحت بكامل أفرادها. وعلى كل حال فلسطين بلاد واحدة، وكل حل يشتمل على التعايش يتضمن كذلك تعاونًا وثيقًا وحرية في الحركة إلى غير ذلك.
ومن هنا، فمن الواجب أن نوضح بما لا يدع مجالا للشك أننا بسماحنا لليهود بالحياة في الخليل لا نقوم بأية حركة سياسية، وإن المنطقة لن تكون تابعة لدولة "إسرائيل"، ولذلك فإن هؤلاء اليهود لن يعيشوا داخل حدودنا.
بل سيعيشون ضمن حدود دولة عربية تمامًا كما يعيش العرب في "إسرائيل".
دي بورش جريف: ما هو تصوركم لدولة عربية فلسطينية في المستقبل؟
شامير:
لا بد أن نحقق الكثير قبل أن نبحث مسألة الحدود، ولكن بصورة تقريبية يمكن أن تشتمل على الضفة الغربية وغزة، وفي نهاية المطاف الضفة الشرقية على أن يكون لها اتصال بميناء حر على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من أن فلسطين و"إسرائيل" ستكونان دولتين مستقلتين ذواتي سيادة، فإنهما ستشتركان في الأرض نفسها، ففلسطين بلاد واحدة، وهذا يقتضي كثيرًا من التعاون في الشؤون الاقتصادية وشؤون الأمن، ومن المؤمل أن تتبلور الدولتان في المدى الطويل إلى نوع من الاتحاد الفيدرالي. فنحن نواجه حركتين وطنيتين حقيقتين ولا بد أن تأويا إلى بلد واحد، على أن يكون لكل منهما دولة ذات سيادة، أما اقتراح الفدائيين بإنشاء دولة «فلسطينية علمانية ديمقراطية حرة» فليس هو الجواب الذي يلبي الحاجة، لأنه يتنكر لحقنا في السيادة.
باتين كين:
والمشكلة الحقيقية التي تكمن هنا هي كيف ننشئ هذه الدولة الجديدة من غير أن نعطيها مظهر الدمية.
شامير:
- أنت لا تنشئها، بل توجد الظروف التي يمكنها أن تتطور في ظلها.
وبعد، فتختم المقابلة بالقول بأن "إسرائيل" لن تسمح في المستقبل القريب على الأقل بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وإنما ستكون سيادتها ناقصة من ناحية القوة العسكرية إلى أن يتحقق التفاهم التام.
ثم يتناول المتحدثون موضوع سياسة الضم، والتناقض بين حرص "إسرائيل" على أن تكون دولة يهودية صرفة وبين حرصها على الديمقراطية، ويتوصل المتكلمون اليهود إلى قرار بأنهم سيجدون من العرب من هم على استعداد للحياة في "إسرائيل"، دون أن يشتركوا في حياتها السياسية.
إذ إن الشخصية اليهودية للدولة "الإسرائيلية" هي الأساس الأول في بنائها كما يقولون، فلا يمكن التخلي عنه من أجل أن تكون "إسرائيل" ديمقراطية.
وتنتهي المقابلة بتفاخر المجتمعين بأن "إسرائيل" تملك تفوقًا ساحقًا لا تخشى معه شيئًا وهناك بذور للتفاهم مع العرب [1].
للمزيد:
- كيف يسيطر اليهود على أمريكا؟
- الكويت تقود معركة الدفاع عن القدس بالمحافل الدولية وتمثل عمقاً للشعب الفلسطيني
- الحركة الصهيونية.. عوامل النهوض والانهيار
- الحركة الصهيونية.. عوامل النهوض والانهيار
- أيها المنهزمون.. اتركوا الساحة لأهل الجهاد في فلسطين!
- القدس ستبقى همنا الأكبر مهما كثرت المشكلات
- محاولة لفهم الجذور الثقافية للتأييد الأمريكي المطلق لـ«إسرائيل»
- خطأ مقولة: «نقبل بما يقبل به الفلسطينيون»!
[1] - نشر بالعدد (7)، 22 صفر 1390هـ/ 28 إبريل 1970م، ص16.