"إسرائيل" في مرآة صحافتها..
استئناف الحرب على غزة وأوهام التصفية النهائية للقطاع

منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؛ انقشع غبار المعارك ليعلو بدلاً منه غبار معارك من نوع آخر؛ معارك، أو بالأحرى مؤامرات سياسية من جانب الصهاينة وداعميهم؛ تهدف إلى تصفية غزة برمتها عبر طرُق كل منها أمرّ وأنكى من الآخر، وهي جميعا لا تعدو كونها محاولات إجرامية ليحققوا بالمؤامرات ما أعجزتهم البطولات الأسطورية للمجاهدين عن تحقيقه بفوّهات الميركافاه؛ التي حطمها المجاهدون وأسقطوا هيبتها ومرّغوا اسمها في أوحال الهزيمة.
ثم، وعلى حين غِرة، وعلى الرغم من التزام مجاهدينا باتفاق إيقاف الأعمال العسكرية -عن التزام أخلاقي بالعهود وليس عن ضعف؛ استأنف العدو الصهيوني حربه على غزة قبل بضعة أيام، وهو ما دعانا إلى استعراض صحافته للتعرف على أهدافهم من استئناف الحرب.
نبدأ بالموقع الإخباري الشهير "واللا"؛ الذي نشر تقريراً عن استئناف حكومته للحرب؛ جاء فيه: "قررت الحكومة تجديد الحرب عشية تجدد الاحتجاجات الشعبية ضدها بسبب خطواتها الرامية إلى تعزيز الانقلاب القانوني وإلحاق الضرر بالمؤسسات الديمقراطية.. ولم تكن الحكومة "الإسرائيلية" تنوي قط تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في الأسبوع الأخير من ولاية إدارة بايدن بشكل كامل، لكنها انتهكته بشكل أكبر مما كان متوقعاً".
من جانبه، كتب عودد عيلام، الباحث في "مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية"؛ قائلاً: "جاء قرار استئناف القتال بالإجماع على المستويين السياسي والأمني؛ ما يشير إلى أهميته الإستراتيجية، والآن أصبح الجمهور "الإسرائيلي" مطالباً بإظهار الوحدة والتضامن؛ مع تجنب الخطاب السياسي الانقسامي الذي من شأنه أن يضعف تأثير هذه الخطوة ويعزز مطالبات "حماس" على الساحة الدولية.
"إسرائيل" لا تُجرّ إلى فخّ "حماس" الزمني، ولا تسمح لها بتحديد قواعد اللعبة، بل تكسر السلوك النمطي، وتتصرف وفق توقيتها، وتُملي شروطها من جديد، هناك ما يدعو للاعتقاد بأن هذه الخطوة ستجلب "حماس" إلى طاولة المفاوضات، مع إدراكها أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وكما قال نابليون بونابرت: "ضربة مفاجئة ومؤلمة أفضل من مائة محادثة عديمة الفائدة".
كما كتب شاي ليفي في السياق ذاته ما نصه: "يقول الجيش: إن الهدف هو الضغط على "حماس" بعد أن رفضت كل العروض لإطلاق سراح الرهائن، موضحاً أن الهجوم سيستمر طالما كان ذلك ضرورياً وسيتوسع إلى ما هو أبعد من العمليات الجوية.. ونقلت مصادر أمنية رسالة هذا الصباح مفادها أن "إسرائيل" عائدة إلى المفاوضات تحت وطأة إطلاق النار، وإذا أرادت "حماس" العودة إلى وقف إطلاق النار، فعليها إطلاق سراح الرهائن".
يستطرد ليفي قائلاً: "إن العملية المركّبة التي نفذها سلاح الجو والمخابرات العسكرية وجهاز الأمن العام (الشاباك) هدفت إلى المباغتة بالتوازي مع زيادة فرص القضاء على أكبر عدد ممكن من الإرهابيين، لا سيما القادة الميدانيين للسرايا والكتائب التي أعيد تشكيلها، وكذلك الشخصيات البارزة في المنظمة الإرهابية، وخاصة في الجناح السياسي والوحدات المسؤولة عن آليات الحكم في حماس".
ثم يضيف: "في جميع الإحاطات التي يقدمها الجيش والمنظومة الأمنية، يؤكدون أن الهدف هو ممارسة ضغوط شديدة على "حماس"، حتى تعود إلى الاتفاق، لكن على المستوى الرسمي يعلن رئيس الوزراء ووزير الدفاع أنهما أصدرا تعليمات للجيش بالعمل على إيقاع الهزيمة التامة بحماس"، كما حدده المستوى السياسي في أهداف الحرب الأصلية".
أما موقع "كلكاليست" فقد أورد تقريراً حول الأمر ذاته، ومما جاء فيه: "أعلن مكتب رئيس الوزراء "الإسرائيلي" مساء اليوم (الاثنين إلى الثلاثاء) أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أوعزا لجيش الدفاع بالتحرك بقوة ضد منظمة "حماس" الإرهابية في قطاع غزة، بعد أن رفضت مراراً وتكراراً إطلاق سراح رهائننا ورفضت جميع المقترحات التي تلقتها من مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف ومن الوسطاء.. في هذه الأثناء، قدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بموافقة مكتب النائب العام، طلباً لإلغاء شهادته اليوم في آلاف القضايا المتهم فيها، بسبب شن الغارة الجوية المفاجئة ضد "حماس" في قطاع غزة. ووافق القضاة على طلب نتنياهو، وتم إلغاء الجلسة".
واختُتم التقرير بهذا الخبر المعبّر: "في الوقت نفسه، صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، لقناة "فوكس نيوز بأن إدارة ترمب والبيت الأبيض قد تلقيا إحاطة من "إسرائيل" بشأن تجدد القتال في قطاع غزة. وقالت ليفيت: أوضح ترمب أن "حماس" و"الحوثيين" وإيران، وكل من يسعى إلى ممارسة الإرهاب ليس فقط ضد "إسرائيل"، بل ضد الولايات المتحدة أيضاً، سيدفع الثمن"، وأضافت: "باب الجحيم سيُفتح على مصراعيه"، ينبغي على جميع الإرهابيين في الشرق الأوسط أن يأخذوا ترمب على محمل الجد، إنه لا يخشى من الوقوف إلى جانب حليفتنا إسرائيل".
والقول بأن نتنياهو استأنف الحرب ليؤجل مثوله أمام القضاء؛ فمع أن هذا الأسلوب غير مستبعد عن شخص مثله؛ لكنه لا يصلح وحده تفسيراً لاستئناف حرب خسر جولتها الأولى؛ ممّا يرجّح خسارتها حتى النهاية، ويكفي رداً على كل هذه التحايلات ما أورده موقع "واللا" من أن الحكومة "الإسرائيلية" لم تكن تنوي قط تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه! إذن ثمة دوافع أخرى لا يريد العدو الصهيوني الإفصاح عنها؛ وفيما يلي استكناه حقيقتها.
مما نعلمه تاريخياً عن ذهنية العدو الصهيوني أولاً، ومن خلال التحليل المتأني لمسار الأحداث وطبيعة التحركات؛ لا سيما مخططاتهم التي أفصحوا عنها بكل وضوح لتصفية القطاع بأكمله؛ عبر تفريغه من سكانه، أو بطرُق أخرى مشابهة، نستطيع القول: إن استئناف العدو حربه على غزة في سياق الأحداث الذي نعرفه جميعاً؛ لا يخرج عن سببين:
فإما أن الصهاينة وبعد أن أدركوا عجزهم عن كسر إرادة المجاهدين وبتر أذرعهم العسكرية، وبعد أن اعتقدوا أنهم قد مهّدوا الرأي العام عربياً ودولياً، حسب اعتقادهم، لتصفية قضية غزة برمتها عبر تهجيرهم إلى الخارج، أو عبر حلول أخرى، نقول: إما أنهم بسبب هذا وذاك أقدموا على حرب شعواء لفرض الحل الذي اختاروه على أهل القطاع فرضاً؛ تحت لهيب النيران وآلة التدمير التي لا تفرق بين الحجر والبشر.
وإما أنهم أيقنوا أنه ليس في مقدورهم ولا في مقدور داعميهم تحقيق مآربهم في تصفية القطاع في المرحلة الحالية، وأنه لا سبيل إلا التهدئة المؤقتة المراوِغة؛ حتى يحين الظرف الملائم لتحقيقها أو للبحث عن طرق أخرى لوضعها موضع التنفيذ؛ غير أن المعتدي بكبريائه الزائف الآثم وغطرسته يأبى إلا أن تكون مدافعه هي آخر من يصمت، بل وسيأتي صمتها في الغالب نتيجة توسلات وجهود قد تُبذل في الأيام القادمة.