الأكاديمي السوري عرابي عبد الحي يرصد أجواء أول رمضان بدون الأسد

أجواء رمضان هذا العام علامة فارقة ومميزة في تاريخ
ووجدان الشعب السوري الذي احتفل بغرة الشهر المعظم بدون قمع أو اعتقال أو قصف
بالبراميل المتفجرة التي لاحقتهم قتلا وتشريدا طيلة 14 عاما.
«المجتمع»
حاولت أن تقف على صور أشكال احتفال واستقبال السوريين لأول رمضان بدون بشار الأسد،
ومعرفة التحديات التي تواجه الشعب السوري، حيث حاورت أحد أبناء سوريا عرابي عبد
الحي، الحاصل على دكتوراه في الفلسفة الإسلامية، والباحث في الشأن السياسي السوري.
نبدأ
من النهاية.. ماذا يعني رمضان 2025 للسوريين؟
- يأتي رمضان 2025 في سوريا مع تحولات بارزة، أهمها
سقوط النظام السوري الذي أهلك البلاد ودمرها وقادها لمرحلة من العزلة والتفكك
الاقتصادي والاجتماعي، فسوريا تشهد جوًّا من الأمل والحرية السياسية من جهة،
وحراكًا اقتصاديًّا متتاليًا، لكنه مازال في مهده.
الحراك بدأ بتراجع أسعار بعض المواد الغذائية مقارنة
بالسنوات السابقة، إلا أن هذه الأسعار -بسبب تذبذب سعر صرف الدولار مقابل الليرة
السورية- عادت للارتفاع، علمًا أن هذه الحالة سببها المضاربات التي يقوم بها
الصرّافون خارج نطاق العمل الرسمي والتوجيهات الحكومية.
وبالرغم من ذلك فإن قدرة الأسر تبدو هذا العام أكبر
مما كانت عليه في الأعوام السابقة، من حيث إمكان تأمين احتياجاتها الرمضانية بشكل
أفضل، ومع ذلك لا تزال القدرة الشرائية للمواطنين محدودة، بسبب ضعف السيولة
المالية، مما يجعل حركة الشراء أقل من المتوقع.
المشاهد
في الجامع الأموي مبهجة.. ما الذي تغير في صور العبادة هذا العام؟
- دعني أشر لأمر في غاية الأهمية، وهو أن صلاة التراويح
والأجواء الإيمانية والبهجة برمضان وغيره من المواسم لم تتغير في سورية على مدار
السنوات الماضية، بل كانت المبالغة فيها سمة لها خلال تلك السنوات، ولعل ذلك كان
من باب التعويض والتمسك بهوية محددة في وجه الضغوط الحياتية والهجمة الطائفية التي
كانت تعاني منها البلاد أمام وفود قوافل الحجاج الشيعة الذين كانوا يقيمون طقوسًا
غريبة عن النسيج الديني السوري في ساحة المسجد الأموي والأسواق الدمشقية القديمة...
إلخ، مما دفع الناس للتمسّك أكثر بهويتهم الدينية؛ التي توارثوها عبر الأجيال.
فحالة الفرح التي نراها في صورة العبادة في الجامع
الأموي خلال رمضان 2025، هي نابعة من التغير السياسي المصحوب بالآمال العريضة، بأن
تنهض سورية اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، ويُلاحظ عمومًا أن الأجواء الدينية في
سوريا، تشهد حيوية متزايدة مع تحسن الأوضاع الاقتصادية، مما ينعكس إيجابًا على
إقبال المصلين على المساجد.
فرحة عارمة بالجامع
الأموي.. هبوط للأسعار واستقرار في المحروقات
ما طبيعة الأنشطة الرمضانية في الجامع
الأموي؟
- من المعتاد أن تقوم المساجد الكبرى في دمشق، بما في
ذلك الجامع الأموي، بتنظيم موائد إفطار جماعية وتوفير خدمات خاصة للمصلين خلال
الشهر الفضيل، ومن جهة أخرى فهذا باب للتنافس المحمود بين المتبرعين والمتطوعين،
فمن أراد أن يقيم إفطارًا جماعيًّا في الجامع الأموي أو غيره من المواقع، فما عليه
إلا التنسيق مع إدارة الأوقاف في المنطقة، وسيكون ذلك في صحائف أعماله بإذن الله.
نريد أن نعرف وسائل الدعم المجتمعي في
المناطق التي طالها الدمار من النظام السابق؟
- الحديث عن التعافي مازال مبكرًا، فنحن نتحدث عن أكثر
من 3 ملايين مبنى تعرض للدمار شبه الكلي في البلاد، وبالتالي فلدينا أكثر من 5
ملايين نسمة، يعيشون في العراء في مخيمات الشمال السوري، أو ممن هجّر إلى الدول
المجاورة أو دول أوروبا.
فالمناطق التي تعرضت للدمار سابقًا يجب أن تشهد جهودًا مجتمعية مكثفة لإعادة الإعمار وتقديم الدعم للسكان، هذه الجهود يجب أن تتضمن توفير المساعدات الغذائية، وترميم المنازل، وإعادة تأهيل البنية التحتية، ولابد من دعم من منظمات المجتمع المدني والمبادرات المحلية في هذا الإطار، ولكن مازالت الجهود تتمركز حول البدء والتحضير لذلك، ونتمنى أن نرى انطلاقة قريبة لها.
كيف يقضي السوريون الشهر الفضيل في هذه
المناطق؟
- يسعى السوريون في المناطق المتضررة إلى إحياء شعائر
رمضان من خلال إقامة صلوات التراويح بحسب ما اعتادوا عليه، إضافة إلى جانب تنظيم
موائد الإفطار المشتركة، والمشاركة في الأنشطة الدينية والاجتماعية التي تعزز روح
التضامن والتكاتف بينهم.
تنظيم موائد الإفطار المشتركة يعزز روح
التضامن والتكاتف بين السوريين
هل عادت الأطباق السورية المشهورة إلى
المائدة الرمضانية هذا العام؟
- الحال الاقتصادي تحسن بشكل ملحوظ مما يسمح بعودة
الأطباق الرمضانية المكلِفة، ولكن مع انخفاض بعض أسعار المواد الغذائية، عادت
العديد من الأطباق السورية التقليدية إلى المائدة الرمضانية غير المكلِفة في 2025،
مما أعاد للأسر السورية جزءًا من عاداتها وتقاليدها في هذا الشهر المبارك.
هل هناك تغير ملحوظ في الأماكن التي بها
تكتلات كانت محسوبة على النظام السابق؟
- لا أعتقد أن هناك معلومات محددة حول التغيرات في
المناطق التي كانت محسوبة على النظام السابق خلال رمضان 2025، ومع ذلك يُلاحظ أن
التحسن الاقتصادي العام يساهم في تحسين الأوضاع المعيشية في مختلف المناطق.
الأسعار خلال عهد الأسد كانت فلكية.. كيف
وصلت هذا العام؟
- شهدت أسعار المواد الغذائية في دمشق انخفاضًا ملحوظًا
في رمضان 2025 مقارنة بالسنوات السابقة، فقد انخفضت بعض المواد الأساسية مثل الأرز
والبرغل والسكر وزيت الزيتون وزيت دوار الشمس، وبعض المواد الأخرى مثل المحروقات،
ورغم ذلك، لا تزال تكلفة بعض السلع مرتفعة بالنسبة لدخل العديد من الأسر.
اقرأ أيضاً: سورية الجديدة.. كيف نزيل الآثار النفسية والاجتماعية لحقبة الأسد؟
نريد أن ترسم لنا صورة واقعية عن أسواق
دمشق الآن؟
- تتميز أسواق دمشق خلال رمضان 2025 بحركة نشطة وتوفر
متنوع للسلع الغذائية، ورغم انخفاض أسعار بعض السلع، إلا أن القدرة الشرائية
للمواطنين لا تزال تمثل تحديًا، مما يجعلهم يركزون على شراء الضروريات.
الوقود من الأزمات الطاحنة في المحافظات
السورية.. إلى أي مدى وصلت تلك الأزمة؟
- هناك توافر ملحوظ للمحروقات، لكن المشكلة أن هذه
المواد غير منضبطة السعر، وترتفع في بعض الأيام وتنخفض في أيام أخرى، وسبب توافرها
مركّب بين الاستيراد الفردي من الخارج أو التعاون مع بعض تجار النفط في محافظات
شرق سوريا، عمومًا يلاحظ أن توافر هذه المواد يسهم في التحسن الاقتصادي العام خاصة
حدة أزمات توافر الوقود مقارنة بالسنوات السابقة.
سورية الآن محط أنظار أشقائها العرب.. ما
هي صور الدعم العربي للسوريين خلال رمضان؟
- ما وقفت عليه من حملات للمساعدة خلال شهر رمضان 2025،
هو السعي في تقديم بعض المساعدات الإغاثية وبرامج إفطار الصائم، حيث تطلق بعض
الجمعيات حملات رمضانية بهدف تقديم المساعدة لآلاف العائلات خلال الشهر الفضيل
تشمل توزيع سلال غذائية، وجبات إفطار، قسائم شرائية، وإفطارات جماعية، وذلك مع
التركيز على النازحين في مخيمات شمال سورية، والعائلات التي لا معيل لها.
رغم ذلك فإن الأكثر ضرورة برأيي هو البدء في المساهمة
بجهود إعادة الإعمار، تعزيزًا للعلاقات الأخوية والتضامن مع الشعب السوري، ونقل
البلاد من حالة العون إلى الإنتاج الذاتي وتسريع عجلة الاقتصاد.
اقرأ أيضاً: الأكاديمي السوري خالد الضعيف لـ«المجتمع»: المرأة السورية بحاجة إلى برامج علاجية مستدامة