التربية الأخلاقية في القصص القرآني.. قصة آدم عليه السلام نموذجاً

رقية محمد

24 مارس 2025

114

برزت القضايا الأخلاقية بشكل جلى في القصص القرآني، حتى أصبحت ملهمة لعقل كل مستمع لها، ونوراً يسترشد به المريدون في رحلتهم إلى الله، وفيما يلي بيان للقضايا الأخلاقية في قصة آدم عليه السلام، والقيم الأخلاقية التي احتوت عليها، وبيان شيء من مكامن عظمتها حتى يمكن استلهامها في تقويم الأجيال المعاصرة.

أولًا: اشتمال قصة آدم على القضايا الأخلاقية:

1- مناقشة القصة قضية الأخلاق حتى قبل خلق البشر، وتحذيرها من آثار الفساد الأخلاقي قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30).

2- الحث على جماع الأخلاق باتباع الأوامر الربانية واجتناب النواهي، وبيان عاقبة العصيان، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة: 35).

3- بيان أسباب الانحراف الأخلاقي، وأنها قد تكون خارجية مثل وساوس الشياطين وأصدقاء السوء وغيره، أو داخلية مثل حب الحياة وتمكن الهوى من النفس وضعفها أمام الإغراءات، قال الله تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) (الأعراف: 20).

4- الحث على تقوى الله، وبيان عاقبة ظلم النفس بالمعاصي والذنوب، وذلك في صورة حسية تنفر منها النفوس؛ ما يدفع إلى اجتنابها، قال الله تعالى: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (الأعراف: 22)، وهذه حالة تستقبحها النفوس السوية، ثم حببهم الله في لباس التقوى وأنه خير من اللباس الظاهر، قال الله تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف: 26).

5- بيان آثار الفساد الأخلاقي للفرد على المجتمع، وعدم استصغار آثار الأخلاق السيئة مثل البغي والحسد والظلم والبخل، وقد ظهر ذلك في قصة ابني آدم عليه السلام، قال الله تعالى: (واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (الأعراف: 27).

6- أهمية التوبة الفورية من الذنب، بأن يتبعه المذنب بالإقلاع عنه والندم عليه وطلب الغفران، قال الله تعالى: (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 37)، وأما أن يكون الرجوع في وقت لا ينفع فلا يُقبل، ومثاله حال فرعون وقت غرقه، (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس: 90).

 

كيف نطبق منظومة الأخلاقية القرآنية؟ |  مجلة المجتمع الكويتية
كيف نطبق منظومة الأخلاقية القرآنية؟ | مجلة المجتمع الكويتية
في عصر تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتشابك فيه القيم و...
mugtama.com
×


ثانيًا: أهم القيم الأخلاقية في قصة آدم:

1- قيمة العلم وأهمية التعلم: فأول ما قدمه القرآن عن قصة آدم عليه السلام هو تعليم الله له الأسماء كلها، قال الله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 31)؛ ما يبين أهمية العلم ويحث على طلبه، كما يُشير كذلك إلى أهمية احترام العلماء وأهل الفضل.

2- قيمة التواضع: وتظهر في طاعة الملائكة أمر الله بالسجود لآدم؛ (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (ص: 73)، وهذا مما يربي النفس على أن التواضع سبيل القرب من الله والخلق.

3- قيمة التقرب إلى الله: فإن أعظم علاقة للعبد على الإطلاق هي علاقته بالله، ومع ذلك يُخطئ فيها ويتوب، ويعفو الله عنه ويهديه، قال الله تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {121} ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) (طه)، ويظهر من ذلك أيضاً أهمية العفو والصفح، فأولى للإنسان أن يتخلق بذلك الخلق.

4- قيمة الترفع عن الرذائل: فقد كرم الله الإنسان باختياره للاستخلاف، وخلقه في أحسن تقويم، وبين له سبل الرشاد والضلال، وبين أن من اتبع غير سبيل الأنبياء فقد أهان نفسه، يقول الله تعالى مخاطباً آدم عليه السلام وذريته: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {38} وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة).

5- قيمة المسؤولية الأخلاقية: فقد عاتب الله عز وجل آدم عليه السلام وزوجه على عدم التزامهم بالأمر الرباني، واعترفوا بذنبهم، مما يبين قيمة المسؤولية الأخلاقية للفرد، وأن عليه تحمل تبعات أفعاله، فرغم ندمهما وتوبة الله عليهما فإنهما خرجا من الجنة.


الأخلاق في زمن العولمة.. تحديات وفرص |  مجلة المجتمع الكويتية
الأخلاق في زمن العولمة.. تحديات وفرص | مجلة المجتمع الكويتية
الحديث عن العولمة ذو شجون، فتأثيراتها فاقت الحدود...
mugtama.com
×


6- قيمة الصبر على تحمل التكاليف: فالعبد في هذه الدنيا في ابتلاء مستمر، فيحتاج للاستعانة بالصبر على اتباع أوامر الله والصبر عن نواهيه والصبر على ما يلاقيه في سبيله، وكلما ضعفت عزيمة العبد على الصبر عليه أن يتذكر خروج آدم عليه السلام من الجنة حتى يصبر ليعود إليها مرةً أخرى.

8- قيمة الرضا برزق الله: فإبليس لم يرض بما قسمه الله له من رزق، ونظر إلى مكانة آدم عليه السلام التي وهبها الله له فحسده عليها، فكان سبب شقائه الأبدي، وفي ذلك فائدة تربية النفس على قطع الأسباب المؤدية للحسد.

9- قيمة الطاعة المطلقة لله عز وجل: فإن آدم عليه السلام لما خالف أمر الله ندم وخرج من النعيم؛ وهذا مما يُبين أن التقرب إلى الله يكون بالاستسلام الكامل لفعل أوامره واجتناب نواهيه، وإلا استحق العاصي العقاب.

10- قيمة تقويم الدوافع: فالقصة تُبين أهمية إدراك الدوافع لحركة الإنسان في حياته، وأن اتباع الهوى وخطوات الشيطان طريق الهلاك، وفي هذا دعوة للتربية على ضبط النفس وعدم اتباع الأهواء والرغبات وإهمال الضوابط الشرعية.

11- قيمة الشكر لله عز وجل: فإن آدم عليه السلام كان في نعمة، ولكنه حُرم منها، وهذا مما يُبين أن التهاون في شكر النعمة بفعل الطاعات واجتناب المعاصي يؤدي إلى فقدها.

إن قصة آدم عليه السلام لمليئة بالقيم التربوية العظيمة التي يحتاج إليها كل الناس لتهذيب سلوكهم، إنها قصة الخلق الأول، فهي في حقيقتها قصة كل إنسان منا في سعيه وابتلائه وتوبته ومآله.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة