الثورة السورية و«طوفان الأقصى».. أي علاقة وارتباط؟

هشام توفيق

27 يناير 2025

3258

برزت معركة «طوفان الأقصى» ولأول مرة في الزمن الراهن كقوة فكرية وسياسية فعسكرية إستراتجية قوضت خبرة عقول إستراتيجية عالمية أمريكية وغربية وصهيونية وعربية مطبعة، الكل اشترك في غرف عالمية وذكاء اصطناعي وصناعات ومراكز وبحوث وقراءات لسبر هذا العقل الطوفاني الذي هزم العقول العسكرية والسياسية، وهزم قمة المراكز البحثية والعلمية الاستخباراتية للاستكبار العالمي!

أمام هذا الظهور القوي لهذا المشروع الطوفاني، نشهد اليوم بروز الثورة السورية كتحرك ثان في المنطقة يرغب في الاستقرار والتحرر من نظام مجرم، لطالما ادعى مواجهة الكيان وهو أول من تنازل عن الجولان للكيان الصهيوني وانقلب على شعب رغب الكيان سحقه، فوجد موظفاً سورياً يقوم بالمهمة حتى لا يتحرر ويصبح مهدداً مستقبلياً للكيان.

لكن هناك أسئلة مهمة تطرح في الطاولة مع تزامن معركة «طوفان الأقصى» مع الثورة السورية ووقف إطلاق النار في لبنان والأزمة السياسية في الكيان الصهيوني والجيش:

- أولاً: إذا كانت «طوفان الأقصى» فترة زمنية أظهرت مكامن الخلل في الأمة وفي بعض التنظيمات السياسية والعسكرية في المنطقة، وأظهرت مدى نتيجة «الطوفان» لجمع الأمة وجبهاتها السياسية والعسكرية في جبهة موحدة لمواجهة العدو الحقيقي وهو الكيان، فإن الأولى من القوى التي تذود عن غزة وفلسطين بعد الثورة السورية مراجعة فكرها وتصورها نحو المنطقة وشعوبها إلى أحسن وأفضل، لتوجيه القوة والرؤية نحو العدو الحقيقي.

إذا كانت «طوفان الأقصى» جمعت بطبيعة الحال قوى الإسناد في المنطقة لنصرة غزة؛ ونتج عن ذلك اكتشاف شرط حقيقي لتقوية الأمة وغزة؛ وهو شرط الوحدة، فالأولى من الثورة السورية أن تدفع قوى في المنطقة إلى التصالح مع التاريخ ومع سورية والعراق وكل أبناء الأمة، فالعدو واحد وهو الكيان الصهيوني والاستكبار العالمي.

وإذا كانت هذه القوى ساندت غزة ضد الظلم الصهيوني، فهو نفس الظلم الذي تواجهه الشعوب بشكل آخر، علماً أن الكيان هو نفسه الذي دعم أو صنع هذه الأنظمة العربية لصناعة نفس الظلم على الشعوب، فالأولى لهذه القوى أن تقبل بثورات الشعوب؛ لأنها ترفض الظلم والظالمين الحكام الذين صنعهم الكيان الصهيوني.

بل إن تحرر الشعوب والقبول بتحررها سيدفع إلى وحدة كبيرة في المنطقة، ويفضي إلى توحيد الجهود لدعم غزة، ودعم جبهات الإسناد لغزة وفلسطين ونصرة أي محب لفلسطين والأمة إذا ظلم من الكيان الصهيوني أو أمريكا.  

لو كانت سورية محررة ونجحت ثورتها لكانت سنداً لغزة ولبنان دون عنصرية أو طائفية، بل وحدة وأمة واحدة.  

- ثانياً: هل تظن أن وقف إطلاق النار في لبنان وقبوله من الكيان الصهيوني سببه فحسب الهزيمة «الإسرائيلية» العسكرية في الميدان؟ هل يكون من أسباب هذا الوقف رصد الكيان وجود تهديد أكبر وهو ظهور معالم سقوط نظام بشار الأسد؛ وبالتالي عودة الثورة السورية كتحرك فبناء دولة قوية، فتهديد مستقبلي للصهاينة، لا بد من التفرغ له والتعجيل من أجله تخطيطاً وتنظيراً صهيونياً وغربياً دون تشتيت الجهود في لبنان والعراق والحرب مع الجبهات وحرب استنزاف، علماً أنه تاريخياً (تحرر الشام ودمشق وحلب) هو تحرر دولة شكلت أخطر تهديد للدولة الصليبية المحتلة لفلسطين، ولنا في الدولة الصلاحية والزنكية خير دليل على قوة دمشق وحلب والشام إن تحررت، فشكلت قوة لتحرر باقي الأقاليم فهدم للمملكة الصليبية فتحرير فلسطين في معركة «حطين» عام 1187م.

إذن، هل كانت ثورة سورية والتحرك لإسقاط النظام السبب لإيقاف الكيان الحرب في لبنان ليتفرغ لمشروع تقويض الثورة السورية وصناعة الفوضى، فلربما في خلدهم أن ثورة سورية تتحول لدولة قوية أقوى من أي دولة في المنطقة ستشكل تهديداً حقيقياً ومناصراً لغزة؟

لو افترضنا أن الثورة السورية شغلت الكيان وجعلته يعيد حساباته في المنطقة وترتيب الأولويات، فهل تكون الثورة السورية قدمت خدمة كبيرة لجبهات الإسناد، فشكلت العقبة لدفع الكيان لوقف الحرب دون إعلان؟

- ثالثاً: إذا كانت قوى الاستكبار العالمي غفلت عن سورية فصدمت، فإنها غفلت كذلك عن شعوب في فترة «طوفان الأقصى» تحقق فيها الوعي نحو التحرر وبذلت الجهد للسعي للتحرر من هذه الأنظمة، وكله استلهام من «طوفان الأقصى» وشهداء وتضحيات غزة، فهل ما بنته هذه الأنظمة العربية المطبعة رفقة التطبيع والكيان لإضعاف الشعوب تم تخريبه بسبب «طوفان الأقصى» التي أعادت الروح للشعوب وأعطت الدروس للخروج من الغثائية إلى النصرة والدعم، وإسقاط التطبيع وفضح الصهيونية في شعوبنا، وفضح حكامها؟

إذن، وكأن «طوفان الأقصى» بفقه السنوار لم تكن حدثاً عادياً، بل أظهرت المرحلة أن «طوفان الأقصى» وقعت لإحداث ثقب تاريخي في الكيان الصهيوني لإضعافه فتقوية شعب فلسطيني لإعداد قادم وتحرر دولة فلسطينية، فانتقال عدوى الثقوب إلى الكيانات الصغرى وهي الأنظمة العربية لتَضْعف حين تقوى الشعوب؛ وعياً وحراكاً.

هي ما تسمى «دورة الانكسار التاريخي» حين تحققت في عام 1916م بتقسيم القصعة والدولة العثمانية بـ«سايكس بيكو»، فإحداث ثقب في جسم الأمة بـ«وعد بلفور» عام 1917م، وزرع الوطن القومي اليهودي، وبعد الثقب الكبير الصهيوني دخلت الأمراض والثقوب في جسم الأمة وتعددت إلى أن جاءت «طوفان الأقصى» وأوقفت دورة الانكسار التاريخي بدورة الرحى ودورة القرآن والكتاب، كما يسميها رجال التحرير استلهاماً من الحديث النبوي حين قدم الحل للبناء؛ «دوروا حيث دار الكتاب»، فصار الثقب في الكيان والإفساد الثاني، وصارت «دورة الانكسار التاريخي» في هذا الجهاز الصهيوني.

عادت الدورة بعد قرون من زوال الإفساد الأول في عهد النبوة ومعركة «الأحزاب»، وبطبيعة الحال تكتمل الآن الدورة التاريخية الانكسارية ونظرية «الثقوب» إلى أن تنتشر الثقوب في الأنظمة العربية المطبعة فتضعف، فتسقط بصدمات ومفاجآت.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة