اليوم التالي لـ«قمة الدوحة».. عبث وانقسام أم توحيد وانسجام؟

محمد القيق

17 سبتمبر 2025

372

اتجهت الأنظار للخليج العربي على مدار أسبوع بين قصف واعتداء «إسرائيلي» على عضو مجلس التعاون الخليجي دولة الوساطة قطر؛ وبين بيانات شجب واستنكار أعقبتها اجتماعات ومؤتمرات.

وكانت العين ترقب نتيجة يُريد كل طرف ترجمتها ليضعها مقاساً لتقييمه أو مصلحته، فالأمريكي و«الإسرائيلي» قررا أن يكونا جنباً إلى جنب سواء بروايات متناقضة عن تفاصيل الضربة أو حتى بزيارة الدعم من وزير خارجية أمريكا ماركو روبيو لـ«تل أبيب» تزامناً مع انعقاد القمة العربية الإسلامية في الدوحة، بينما انهالت بيانات الدعم الكلامي والمجاملة لقطر، في حين عقد أهل الحل والربط والمعنيين اجتماعهم ليشكلوا الردع الذي أظهرت ضربة قطر عدم وجوده، لتكشف القمة أبعاد وخفايا المواقف والفِعال وترسم مستقبلاً سيحدد كل طرف رده على وقع هذه القمة.

الضربة «الإسرائيلية» كشفت هشاشة العرب وتحالفهم مع أمريكا التي أصبحت التهديد الرئيس لسيادتهم وأمنهم

ما كان مأمولاً من قمة الدوحة

أكثر من 23 شهراً من الإبادة الجماعية والقتل والتشريد والجوع في غزة وامتداد الاعتداء إلى لبنان وسورية واليمن وصولاً لإيران مروراً بتونس وانتهاء حتى اللحظة في قطر، جعلت حالة غليان شعبية ترسم قرارات تراها الشعوب أقل القليل، خاصة بعد أن سبقت لها دول أوروبية وكيانات ومؤسسات من محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة ومؤسساتها ونقابات وهيئات ودول، حتى بات هناك أسطول بحري مدني انتصاراً للإنسانية، فكان حجم الاعتداء المتواصل وآخره قطر يستلزم رداً جماعياً، وتحقيق فرصة ذهبية لردع الاحتلال وإرساء الاستقرار.

وقف العلاقات فوراً مع الاحتلال بما يشمل طرد سفراء وإغلاق سفارات ومنع اتصال سياسي وأمني وإعادة ملف القضية الفلسطينية للساحة الدولية والأمم المتحدة لتطبيق القرارات الصادرة ووقف تقزيم الملف في إطار الوساطة العربية، كلها قرارات كانت مأمولة.

ومن القرارات التي لا تحتاج قدرات وتجهيزات إزالة كلمة «إسرائيل» من إعلامهم ومراسلاتهم السياسية ووزارات خارجيتهم، وكتابة فلسطين المحتلة مكانها، ومنع الأجواء والبحار وأي تفصيل تجاري مع «إسرائيل» لحين حل القضية الفلسطينية.

رسائل زيارة روبيو للاحتلال:

- لا دولة للفلسطينيين ونعم لتسريع الضم والإبادة بغزة وفرض السيادة قبل نهاية العام الجاري

حتى إن إعطاء مهلة 72 ساعة للأمريكي بإجبار «إسرائيل» على وقف الإبادة والتجويع في غزة قرار إنساني يظهر حقيقة الأمريكي ونواياه تجاه الخليج إذا رفضه، وإذا لم يجبره يصبح شريكه في مهاجمة العرب وآخرهم قطر، وعليه تتخذ إجراءات جديدة بحق قواعدهم وعلاقاتهم وخاصة الاتفاقيات الأخيرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حينما زار الخليج وهدد شعوب العرب من قاعدة العديد القطرية، فمن المعيب أن يعطي مبعوث أمريكي مهلة لدولة كي تنزع سلاحاً في المنطقة حتى لو بحرب أهلية ولا تعطي أمريكا مهلة لوقف توجيهها للإبادة!

ويعتبر تشكيل درع دفاعي مشترك أمراً بديهياً بعد الاعتداء، وإطلاق عاصفة الحزم لحماية العواصم العربية من الإهانة «الإسرائيلية»، على غرار ما يحدث الآن مع بولندا وروسيا، «ناتو عربي» بمضمون عربي وليس كما يخطط له ترمب ليكون درع «إسرائيل».

وعلى صعيد القضية السياسية للفلسطينيين أن تكون دعوة قادة فصائل فلسطين للاجتماع وإعلان حكومة وحدة وطنية فورية وتفعيل اتفاق القاهرة والدوحة الرامي إلى ترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد القرار في مواجهة خطة التوسع والضم، وتفعيل مبادرة السلام العربية الصادرة سعودياً في قمة بيروت عام 2002م، ومعاقبة أي دولة عربية تخترقها.

- ترتيبات إقليمية لحرب متجددة ومتصاعدة وهناك ضربات مفاجئة استباقية قريبة ويتم التمويه عليها

ومن القرارات التي كانت متوقعة وبديهية توطيد العلاقات مع تركيا وإيران وروسيا والصين في إطار توازن القوى وإشعار الأمريكي بفقدانه لموقعه تدريجياً في المنطقة، وتشكيل لجنة قانونية مدعومة دولياً لفتح ملفات انتهاكات الاحتلال لعقود خلت؛ ما يفتح الباب بقرار إلزامي إلى انضمام جماعي فوري لقضية جنوب أفريقيا، وتجهيز حملات إعلامية وقانونية دولية تشرف عليها لجنة إعلامية إقليمية بعدة لغات لكشف مخطط التوسع والتنبيه من خطر خطوات نتنياهو على المنطقة والعالم.

صدمة ورخصة

بعد صدور البيان الختامي للقمة، ظهر الانقسام العربي واضحاً في رسم معالم الرد، بل وباتت القمة صدمة للشعوب التي ترقب وحدة حقيقية تعزز الهيبة وتمنع الاعتداء، وفي نفس الوقت وجدها نتنياهو رخصة جديدة تضاف إلى مكتسبات إقليمية للسيطرة وتكثيف التوسع والاعتداء.

أضاع القادة العرب والمسلمون فرصة ذهبية لوقف حرب الإبادة والتجويع في غزة، بتسويفهم الرد السياسي والقانوني في مجلس الأمن على العدوان «الإسرائيلي» على قطر.

الفرصة كانت متاحة لتجنيب المنطقة المزيد من المواجهة وعدم الاستقرار بوقف الممارسات «الإسرائيلية»، وردعها عن تجديد عدوانها على دول الجوار، لكن ضعف القمة أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لتوسيع عدائه.

الآن وبعد التحولات التي تشهدها المنطقة، أعتقد أن الحكومة «الإسرائيلية» والولايات المتحدة ستمضيان في خطة التوسع لترسيخ الهيمنة وتعزيز النظام الأحادي القطبي في مواجهة النظام متعدد الأقطاب.

- «سايكس بيكو» خريطة عفى عليها الزمن وجاري العمل على تعديلها لصالح «الشرق الأوسط الجديد»

الخلاصة أن الضربة «الإسرائيلية» كشفت هشاشة العرب وتحالفهم مع الولايات المتحدة التي أصبحت التهديد الرئيس لسيادتهم وأمنهم، فالوقت ليس في صالح العرب، والوضع يتدهور ما دامت المحاسبة والترهيب غائبين.

أين المسار؟

يُقرأ المسار واليوم التالي من خلال ضعف القمة ومخرجاتها، وزيارة وزير خارجية أمريكا لـ«تل أبيب» ومضمونها، وهذا يعطينا إشارة إلى أن التصعيد سيد الموقف، وأن الدوحة ستتكرر قصتها بالقصف نفسه بوسائل مختلفة وجغرافيا أخرى.

كانت هناك 4 رسائل لزيارة وزير الخارجية الأمريكي روبيو للاحتلال، مفادها:

1- «إسرائيل» لا تتصرف في المنطقة دون مظلة أمريكا، وفي الوقت نفسه لن نسمح لأحد بالاعتداء عليها أو حتى تمرير ما يكشف الجريمة في الأمم المتحدة، وسلاحنا وقواعدنا تحت تصرفها في رد مباشر على قمة الدوحة، ولها صلاحية اختيار الموقع الجديد لحفلة التصعيد بإشراف ترمب.

2- لا دولة للفلسطينيين، ونعم لتسريع الضم والإبادة في غزة وفرض السيادة قبل نهاية العام الجاري.

3- ترتيبات إقليمية لحرب متجددة ومتصاعدة، وهناك ضربات مفاجئة استباقية قريبة ويتم التمويه عليها، وهذه رغبة ترمب، ونتنياهو في سورية ولبنان وإيران، رغم أحاديث الأمريكي عن مساعي الهدوء التي أثبتت التجربة أنها تمويه فقط.

4- «سايكس بيكو» خريطة عفى عليها الزمن، وجاري العمل على تعديلها لصالح «الشرق الأوسط الجديد».

ما لم يُعِد العرب التوازن وأولويات الدفاع والتحالف وحل القضية الفلسطينية، فإن أياماً عصيبة قادمة على المنطقة بإشراف أمريكي عنوانها «لا خطوط حمراء ولا حدود لجغرافيا المخطط»، خطتّها الطائرات تنفيذاً لـ«صفقة القرن» التي أنتجها ترمب في دورته الأولى، وينفذها الآن على حساب كل المنطقة تزامناً مع سعيه ليفوز بجائزة «نوبل» للسلام على جثث وأشلاء شعوب المنطقة -حتى الدول الحليفة- ودمار عواصمها.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة