تحديات التربية في مخيمات النزوح.. السودان نموذجاً
خلفت الحرب الأهلية المستعرة في السودان آثارًا مدمرة على الأسرة، والمجتمع السوداني في كافة مناحي الحياة، وفي القلب منها التربية كنظام أساسي يعنى بالنشء والأطفال والشباب من خلال أطر أخلاقية وعلمية يختارها المجتمع في أوقات الاستقرار والبحث عن التنمية.
والتربية في مجتمعات العالم الثالث تكتسب أهمية قصوى في توجيه بوصلة المجتمع نحو تحقيق أهدافه؛ لأن النظام الأسري، والتعليمي، والدعوي له دور رئيس ومؤثر في التربية.
ومع حالات الشتات والنزوح التي ضربت المجتمع السوداني، وفرقت بين رب الأسرة وأفراد أسرته، والمعلم وطلابه، والداعية ومريديه، فقَدَ المجتمع السوداني القدرة على تنفيذ أهدافه التربوية مع الصبية والشباب؛ لأنهم غالبًا ما يتسربون من مخيمات النزوح بحثًا عن مواد الإغاثة من ناحية أو بقايا طعام في محيط المخيم من ناحية أخرى، أو البحث عن فرص عمل متدنية، أو حتى اللحاق بفرق المليشيا للحصول على مقابل يكفيهم وأسرهم شر الجوع، ويضمن لهم البقاء على قيد الحياة.
واقع المخيمات
وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية، فإن عدد النازحين بالسودان حتى نهاية عام 2024م، بلغ 14 مليون نازح، تم توزيع العدد الأصغر منهم على مخيمات للنزوح في مختلف الولايات السودانية، بينما استقبلت العائلات، والقبائل، والطرق الصوفية، العدد الأكبر من النازحين في دورهم، ومقارهم، وهو ما يمتاز به الشعب السوداني القائم على التكافل والتعاون في أوقات الأزمات، حيث شهدت هذه الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023م، وحتى الآن، استنفاراً شعبياً في المناطق الآمنة لاستقبال النازحين في بيوتهم؛ ليتقاسموا سويًا ما أبقت عليه ظروف الحرب من نِعَم، ولأمر غير معروف حتى الآن لم تنجح المنظمات الدولية في إقامة معسكرات للنزوح تكفي لاستقبال هذا العدد الضخم الذي يقترب من ثلث سكان السودان.
ولكن هناك مخيمات كبرى اكتسبت شهرة خاصة بمشكلاتها، وتحديات التربية فيها في مختلف أنحاء السودان، مثل مخيمات النازحين في منطقة الدمازين التي تضم أكثر من 100 ألف نازح سوداني من مناطق النزاع بإقليم النيل الأزرق، وما حولها، ومخيم أبوشوك في دارفور، الذي يشهد اتهامات متبادلة بين الجيش و«الدعم السريع» بمحاولة الهيمنة عليه، كما اكتظ مخيم زمزم بولاية شمال دارفور بالنازحين ليصل عددهم إلى أكثر من نصف مليون نازح بعد اندلاع الحرب بين الطرفين.
ويعد معسكر «كلمة» بجنوب دارفور الخاضع لـ«الدعم السريع» أحد أسوء الأماكن التي يتعرض فيها النازحون إلى أزمات مختلفة من انعدام للمواد الغذائية وتدهور كامل للعملية التعليمية، ونقص في الأدوية المنقذة للحياة وغياب شبه تام للرعاية الصحية، وهو ما أدى إلى وفات العشرات من المرضى النازحين بسبب عدم حصولهم على الأدوية، وتكاد تتطابق تلك الآثار المدمرة جراء الحرب في مخيم كلمة مع كل مخيمات ومناطق النزوح في السودان.
تحديات تربوية
تحول الواقع المرير داخل مخيمات النزوح في السودان إلى مشكلة كبرى تواجه التربية على كافة مستوياتها التعليمية والأخلاقية والثقافية، حيث يعاني النازحون من مشكلات في كافة احتياجاتهم الصحية والتعليمية والغذائية، وعلى مستوى التواصل مع الدعاة ورواد المجتمع دينيًا وعلميًا ورياضيًا ونفسيًا، وكل هذه المشكلات المعقدة تقف حائلًا أمام الدولة والأسرة السودانية في القيام بدروها في مجال التربية.
وإذا كان التعليم هو العنصر الأساسي في التربية، فإن غياب المدارس والمعلمين وكل الأدوات العملية التعليمية من مخيمات النزوح، وعدم كفايتها في مناطق النزوح يشكل عائقًا لإتمام العملية الدراسية في كافة مراحلها من ناحية، بل وشهدت مخيمات النزوح في تشاد، وتلك التي تقع تحت سيطرت «الدعم السريع» عدم قدرة الطلاب على إتمام الامتحانات لعام 2024م، وقد نقلت وسائل الإعلام تلك الاتهامات العلنية والمتبادلة بين الجيش و«الدعم السريع» حول تحميل كل طرف الطرف الآخر المسؤولية عن عدم إتمام الامتحانات.
وكشفت شهادات المسؤولين عن العملية التعليمية، والنازحين، عن نقص حاد في الموارد والبنية التحتية، حيث تُقام الفصول الدراسية في خيام متهالكة أو تحت ظلال الأشجار، ونقلت وسائل التواصل الاجتماعي اتخاذ التلاميذ الأحجار مقاعد للجلوس، مع وجود كتاب واحد بيد المعلم دون أن يحوذ الطلاب كتباً دراسية؛ وهو ما جعل هناك صعوبة كبيرة في إتمام العام الدراسي الماضي.
ووفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن معدلات التسرب المدرسي مرتفعة للغاية بسبب غياب المناهج المنظمة ونقص المعلمين المؤهلين، كما أن انعدام الكهرباء والمواد التعليمية يحرم الأطفال من التعليم الجيد؛ ما يهدد مستقبلهم ويجعلهم عرضة للانضمام إلى سوق العمل في سن مبكرة أو الانخراط في أنشطة خطرة.
أما على صعيد التعليم الرسمي، فيجد الأطفال صعوبة في أداء الامتحانات نتيجة انعدام المرافق المناسبة وظروفهم النفسية والاجتماعية المتدهورة، إضافة إلى ذلك، فإن التنقل إلى مراكز الامتحانات في المدن أو المناطق الأخرى يشكل تحديًا بسبب بُعد المسافات بين مخيمات النزوح والمناطق الآمنة، وعدم توافر الأمن والأمان ووسائل النقل والمواصلات، وهو ما انعكس سلبًا على نتائجهم الدراسية طوال العام.
مشكلات أخرى
وتتعدد المشكلات التي تواجه التربية في مخيمات النزوح، إذ يفتقد الأطفال والصبية بيئة اجتماعية صالحة، حيث يختفي تقريبًا رواد العمل الاجتماعي والآباء والمعلمون، المنوط بهم إسداء النصح والإرشاد لجيل النزوح، وهو ما أدى إلى انتشار السلوكيات العدوانية وتفكك الروابط الأسرية، كما فاقم غياب المرافق الصحية وانتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا من معاناتهم، حيث أكدت تقارير صحية أن سوء التغذية والأوضاع البيئية المتردية تزيد من أخطار الأمراض والوفيات.
وعلى المستوى النفسي، يتعرض الأطفال لصدمات متكررة نتيجة الحرب؛ ما أدى إلى مشكلات نفسية عميقة، مثل الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب ذلك، يشكل انتشار الجرائم داخل المخيمات، كالسرقة والعنف، تهديدًا دائمًا لأمن الأطفال وأسرهم، ويدفعهم إلى الشعور الدائم بالخوف وفقدان الأمان الاجتماعي، وكل ذلك يقف عائقًا أمام العملية التربوية في مخيمات النزوح.
ورغم كل تلك التحديات، فإن الأمل ما زال قائمًا لإنقاذ التعليم في المخيمات، حيث أطلقت الحكومة السودانية بالتعاون مع منظمات دولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، مبادرات تهدف إلى إعادة تأهيل المدارس المتضررة وتوفير الفصول المؤقتة داخل المخيمات لضمان استمرار العملية التعليمية رغم الظروف القاسية.
وفي اتجاه آخر، يقود معلمون متطوعون مبادرات طوعية بتقديم الحصص الدراسية المجانية للأطفال؛ ما يسهم في الاستمرار الجزئي للعملية التعليمة، كما برزت مبادرات دولية مثل «التعليم لا ينتظر» التي أطلقتها الأمم المتحدة، حيث تهدف إلى دعم الأطفال المتأثرين بالأزمات الإنسانية من خلال بناء مدارس متنقلة وتوفير المناهج الدراسية والمواد التعليمية.