تحويل قبلة حياتنا قبل رمضان

عندما فرضت الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كانت القبلة نحو بيت المقدس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه إلى الكعبة المشرفة، ولهذا كان في مكة يجمع بين الأمرين، حيث كان يصلي متجهاً نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، لكنه عندما هاجر من مكة إلى المدينة، كان مضطراً أن يجعل وجهته نحو بيت المقدس والكعبة وراءه، فازداد شوقه في أن يتحول إليها، لكنه لا يستطيع أمام أمر الله إلا أن يسمع ويطيع، فكان يقلب وجهه في السماء، راجياً أن يحول الله قبلته نحو الكعبة المشرفة،
وبعد مرور ستة عشر أو سبعة عشر شهراً من الإقامة في المدينة المنورة؛ أمره الله تعالى أن يتحول في قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، حيث قال الله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة: 144).
لماذا أَحَبّ النبي أن يحول القبلة؟
1- العودة إلى قبلة سيدنا إبراهيم عليه السلام:
إن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس، (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96)، فهي أول قبلة، وهي قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يعود إلى القبلة الأولى.
2- التميز عن أهل الكتاب:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يتميز عن أهل الكتاب، فكان يخالفهم، ويحث أصحابه على ذلك، وكان يأمر أمته من بعده بمخالفتهم، وكان بعض أهل الكتاب يقولون: إن محمداً اليوم على قبلتنا وغداً يكون على ملتنا؛ لذا كان صلى الله عليه وسلم يحب أن تتحول القبلة نحو الكعبة المشرفة.
لماذا يجب أن تتحول قبلة حياتنا؟
نحتاج أن تتحول قبلة حياتنا للأسباب السابقة نفسها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يعود إلى الأصل الأول؛ فنحن الآن في أمسّ الحاجة أن نعود إلى أصلنا الأول، إلى فطرتنا التي فطرنا الله عليها؛ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (الروم: 30).
كما أننا في حاجة إلى تحويل قبلة حياتنا حتى تتميز أمتنا عن غيرها من الأمم، فكثير من أبناء الأمة الإسلامية راح يقلد الغرب في كثير من جوانب الحياة، حتى المسلم غير متميز عن غيره إلا في القليل النادر، بل لا تكاد في بعض المجتمعات أن تحدد المسلم من غيره، سواء كان ذلك في الرجال أم النساء.
تحويل قبلة حياتنا بإرادتنا
إن قرار تحويل القبلة في حياة كل إنسان منا لا بد أن يكون نابعاً من داخله، فالله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، فإذا تغير المسلم من داخله، وحوّل قبلته؛ فإن الله يعينه ويمده، سواء كان تحويل قبلته نحو الدنيا أم الآخرة، حيث قال عز وجل: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً {18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً {19} كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً) (الإسراء).
جوانب تحويل القبلة في حياتنا
إننا في حاجة إلى تحويل قبلة قلوبنا وحياتنا في جميع الجوانب، سواء كان ذلك في علاقتنا بالله تعالى أو بالنفس أو بالناس.
أ- تحويل قبلتنا مع الله:
تظهر في تحويل قلوبنا وأعمالنا من المعصية إلى الطاعة، ومن الإعراض إلى الإقبال، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن التوكل على الناس إلى التوكل على الله، ومن سؤال الناس إلى سؤال الله، ومن الرياء إلى الإخلاص.
ب- تحويل قبلتنا مع أنفسنا:
تظهر في تحويل السخط إلى الرضا، والكسل إلى العمل، والتبعية إلى الاستقلال، إلى غير ذلك من جوانب النظر إلى أنفسنا والتعامل معها.
جـ- تحويل قبلتنا مع الناس:
تظهر في التحول من الخصام إلى السلام، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الظلم إلى العدل، وغيرها من جوانب التعامل مع الناس في حياتنا اليومية.
كلام الناس عن تحويل قبلة حياتنا
حين يحول المسلم قبلة حياته نحو ربه فإنه يمشي على الصراط المستقيم؛ لذا فإنه لا يسلم من كلام الناس حوله، وعليه في ذلك أن يثبت على طريق الله ولا يتأثر بما يقوله غيره، فهو يسعى إلى إرضاء ربه، مهما قال الناس من حوله.
وفي قصة تحويل القبلة في الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة ما يبين ذلك ويوضحه، حيث لم يسلم النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال السفهاء، بل من أسئلة بعض المؤمنين، وقد أجاب القرآن عن أسئلة المؤمنين الذين تساءلوا عن عبادات السابقين، فقال عز وجل: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، وأوضح تعالى ما يقوله السفهاء، وما ينبغي من الإجابة عنهم في قوله عز وجل: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (البقرة: 142).