جبر عمار.. مسيرة نضالية ممتدة من «بيت دراس» إلى غزة

ياسمين عنبر

07 أبريل 2025

93

امتداداً من قرية بيت دراس التي هجر أهلها عام النكبة 1948م إلى غزة التي تقاوم محتلًا غاشمًا منذ أكثر من 76 عامًا وتعيش حرب إبادة ضد البشر والحجر، عاش القيادي الشهيد جبر عمار مسيرة نضالية عظيمة امتدت لعقود، سطرت في طريق تحرير القدس.

ولد عمار قبل النكبة بـ4 أعوام في أزقة قرية بيت دراس، تربى يتيمًا؛ حيث قتل المحتل الغاشم والده؛ فكبر الثأر في قلبه عامًا تلو آخر، بعد أن قتل المحتل والده علي عمار، أحد قادة جيش التحرير الشعبي الفلسطيني، المقاتل الذي ارتقى عام النكبة ذائدًا عن بلدته بيت دراس.

زاد التحرير.. العلم والجهاد

كان عمار يدرك أن زاد الطريق إلى القدس العلم والجهاد، فأنهى دراسته الجامعية في كلية التجارة بجمهورية مصر العربية، ولشدة حرصه على العلم عاد إلى مقاعد الدراسة في السبعين من عمره، وحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص الشريعة بجامعة أفريقيا العالمية، ثم الماجستير، وكان عازمًا على الدكتوراة.

كما أنه كان من مقاتلي جيش التحرير وقوات التحرير الفلسطينية التي أسسها الراحل أحمد الشقيري، حيث خاض معارك كثيرة وله باع طويل في ميدان المعارك أمام قوات الجيش الصهيوني، حتى اعتقلته قوات الاحتلال عام 1969م وأصدرت بحقه حكمًا بالإعدام ثم المؤبد مدى الحياة.

لم يثنه حكم المحتل العنجهي بحقه عن طريق الجهاد، فقد قاوم السجان بعزيمة قوية داخل غياهب السجون، ونفس قوية لا تلين بعذابات السجن والسجان، فأسس خلال أسره أول تنظيم للحركة الإسلامية داخل السجون «الإسرائيلية».

أمضى عمار 14 عامًا في سجون الاحتلال، وفي عام 1983م تحرر من السجن ضمن صفقة تبادل الأسرى، وأبعد إلى لبنان، ثم تنقل بين تونس والجزائر، واستقرت رحاله في دولة السودان التي بقي بها لمدة 30 عامًا.

صفات كثيرة تميز بها داخل سجنه التصقت باسمه، فقد كان يثبت الأسرى ويقوي من عزيمتهم، وقائدًا حكيمًا للأسرى، وفي داخله عنفوان ثوري في وجه السجن والسجان.



عائد إلى الوطن

وبعد حياة حافة بالعلم والجهاد والصبر على الأسْر واليتم والإبعاد والفداء والرباط، عاد القيادي جبر عمار بعد 40 عامًا من الإبعاد إلى أرض الوطن غزة، حيث تم إجلاؤه إلى قطاع غزة عقب الأحداث الدامية في السودان.

بعد مكوثه في غزة بضعة شهور نشبت حرب الإبادة على غزة، فكان مثال القائد الصبور الذي يثبت الناس من حوله ويعظهم ويقوي عزائمهم، متحملًا لكل مشقات الحياة القاسية هناك، وكان له من نصيب الفاقدين في فلسطين نصيب، حيث ارتقت ابنته عائشة وأصيب بها مصابًا جللًا، لكنه سطر أجمل صور الصبر والتضحية لأجل القدس والمقدسات.

عاش الشيخ الجليل عمار وزوجته خلال أيام الحرب العصيبة في خيمة نزوح تحت ظروف قاسية جدًا في ظل القصف المتواصل والجوع والبرد، حتى أصيب يوم 18 رمضان في قصف صهيوني طال خيمته، ليرتقي بعدها بأيام شهيدًا متأثرًا بجراحه، لتصعد روحه على أرض وطنه الذي حرم منه في شبابه وكبره، إلا أنه كتب له الموت على أرضه وفوق ترابه، لتتوج مسيرة النضال الذي امتد لأكثر من 50 عامًا بشهادة في معركة «طوفان الأقصى».

صفات القائد الجليل

وفي رثائه وصفاته قال المفكر الفلسطيني د. أسامة الأشقر: هو رجلٌ جَهير الصوت، تسمعه من بعيد، سريع الخطو، آسِر الملامح، مفتول الأعصاب، مشدود القامة، كأنه الرمح الناصب، يطلّ عليك بجلبابه النظيف، وطاقيّته البيضاء، ولحيته المنسدلة التي اشتعل فيها الشيب، يشدّك من كتفك، ويضغط على قبضتك، ويصوّب ناظريه إليك ببريقٍ ساحر، ويصرخ بكل قوّة: سنعود، سنعود، وسنقاتلهم، ونهزمهم، واللهِ لن نتركهم، وسنصلّي هناك رغم أنوفهم!

ويكمل في رسالة له بعد استشهاده: ثلاثون عامًا وأنا أستمع إليك، كنتَ تحمل تاريخًا لا ينكسر، كتبتُ الكثير مما قلتَه، ونسيتُ الكثير، لو كنتُ أملك حينذاك أن أستضيفك في «بودكاست» طويل لفعلتُ، وكنّا سنسمع منك عجائب المقاتلين، وحكايات السجون الأولى، وبواكير الصحوة.


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة