7 أسباب تدفعك للدعاء للمجاهدين

أورد ابن كثير
في «البداية والنهاية» أنه لما كانت غزوة «بَدْرٍ»، بَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي إِلَى جِذْمِ شَجَرَةٍ
هُنَاكَ، وَيُكْثِرُ فِي سُجُودِهِ أَنْ يَقُولَ: «يَا حَيَّ يَا قَيُّومَ»
يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَيُلِظُّ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ولما رأى جيش
المشركين قَالَ: «اللَّهم هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا
وَفَخْرِهَا تَحَادُّكَ وتكذِّب رَسُولَكَ اللَّهم فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي
اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ الْغَدَاةَ».
وكان رَسُولُ
اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الِابْتِهَالَ وَالتَّضَرُّعَ
وَالدُّعَاءَ وَيَقُولُ فِيمَا يَدْعُو بِهِ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنَّ تُهْلِكْ
هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ بَعْدَهَا فِي الْأَرْضِ»، وَجَعَلَ يهتف بربه
عز وجل وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزَ لِي مَا وَعَدْتِنِي، اللَّهُمَّ نَصْرَكَ»،
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ،
وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَلْتَزِمُهُ مِنْ وَرَائِهِ
وَيُسَوِّي عَلَيْهِ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ مُشْفِقًا عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ
الِابْتِهَالِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كفاك مُنَاشَدَتكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ
سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قوله: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)
(الأنفال: 9).
وفيما يأتي بيان
أهمية الدعاء للمجاهدين:
1- الإيمان
بأن الله هو الناصر والمعين:
لا يأتي النصر
إلا من الله تعالى، حيث قال عز وجل: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل
عمران: 126)، وقد وعد سبحانه عباده المؤمنين بالنصر، حيث قال عز وجل: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)
(الروم: 47)، فالدعاء هو استعانة بالمالك لكل شيء، القادر على نصر عباده
الذين خرجوا في سبيله، وفي الدعاء توكل على الله تعالى وتسليم بأنه الناصر
والمعين، الذي لا يغلبه أحد، حيث قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ
وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران: 160).
2- الاستجابة
لأمر الله بالدعاء عند الشدائد:
لقد ذمّ الله تعالى
أقواماً نزلت بهم المصائب والشدائد، فأعرضوا عن ربهم، ولم يتضرعوا إليه أو
يستغيثوا به، لكشف ما نزل بهم من ضر أو شدة، حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن
قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
{42} فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام)، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ
وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون: 76)، لذا كان علينا أن نلجأ إلى الله
تعالى بالدعاء عند الشدائد، ومن أعظم الشدائد أن يتعرض المسلمون لعدوهم في ميادين
الجهاد.
3- الدعاء
من أسباب النصر:
يكون الداعي
للمجاهدين في حالة ضعف واستكانة لله تعالى، هذه الحالة من الضعف والمسكنة تأتي
لسببين؛ الأول: أنه ضعيف عن المشاركة بنفسه وبذل روحه مع المجاهدين، حيث لم يستطع
الخروج معهم، والثاني: أنه ضعيف بقلبه بين يدي ربه، فهو يدعو في حالة ضعف ومسكنة
لله تعالى.
وحالة الضعف هذه
تُعد من أعظم أسباب النصر، إذ تُظهر افتقار العبد وتعلّقه بربه، فقد روى النسائي
في سُننه عن سَعْدٍ بْنِ أبي وقاص أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
«إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ،
وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ»، وروى أحمد في مسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قالَ:
سَمِعْتُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا تُرْزَقُونَ
وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ».
4- الدعاء
وقت الجهاد لا يُرَد:
روى أبو داود في
سننه بسند صححه الألباني عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الساعدي قَالَ: قَالَ النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ
عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا».
5- التضامن
مع المجاهدين وتعزيز الوحدة بين المسلمين:
عندما يدعو
المسلم لإخوانه المجاهدين بالثبات والعون والنصر، فإنه يشاركهم الهم والعزم، ويكاد
ينزل معهم في ميدان الجهاد، بل إنه يلتقي بهم في ساحة الروح المتعلقة بالله تعالى،
فالمجاهد والداعي تتجه قلوبهم إلى الله سبحانه، يطلبون منه طلباً واحداً ويرجون
رجاء واحداً؛ وهو النصر والتمكين لدين الله تعالى.
كما يسهم الدعاء
في الشعور بالتضامن وتعزيز الوحدة بين المسلمين من خلال الشعور بالمشاركة فيما
بينهم، والتضامن والتكاتف والمساندة لتحقيق الهدف المشترك، ففي صحيح مسلم عَنِ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ
الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ
الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ
بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
6- رفع
الروح المعنوية للمجاهدين:
حين يدرك
المجاهد أن وراءه أمة من الناس يدعون له بالثبات والتأييد؛ فإن ذلك يعطيه شعوراً
بالقوة الإضافية التي تعينه على مواصلة جهاده وحسن الإقدام عليه، حيث إنه يؤمن أن
الدعاء يكون سبباً في تفريج الكرب ودفع البلاء وجلب النصر، حيث إنه سلاح المؤمن، ففي
مسند أبي يعلى بسند ضعيف عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا
يُنْجِيكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَيَدِرُّ لَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ؟ تَدْعُونَ اللَّهَ
فِي لَيْلِكُمْ وَنَهَارِكُمْ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ».
7- المشاركة
في الأجر والثواب:
يسهم الدعاء
للمجاهدين في مشاركتهم شعورهم وإيمانهم بالحق الذي يدافعون عنه، فإذا كان المجاهد
قد تيسر له أن يكون في ميدان القتال؛ فإن الداعي له لم يتيسر له ذلك، وإنما تيسر
له أن يشاركه الدعاء والاستغاثة وطلب العون والمدد من الله تعالى، وفي هذا تجهيز
وإعداد معنوي للمجاهد، حين يشعر بمن يدعو له.
وفيه كذلك
مشاركة في الأجر والثواب، لمن يقوم بهذا التجهيز المعنوي عبر الدعاء، ففي صحيح
البخاري، ومسلم، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ النبي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ
فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».
ويُضاف إلى ذلك
أن الدعاء في حد ذاته عبادةٌ عظيمة، يتقرب بها العبد إلى ربه، ففي مسند أحمد عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»، وتعظم العبادة بعظم مضمونها
ومقصدها، ومِن أعظم العبادات الجهاد في سبيل الله.