حواجز الموت في الضفة.. الاحتلال يُحكم قبضته بالدم

تشهد الضفة
الغربية تصاعدًا خطيرًا في وتيرة العنف «الإسرائيلي» منذُ ما قبل السابع من أكتوبر
بعامين، حيث أصبحت الحواجز العسكرية المنتشرة في أنحاء الضفة بمثابة أفخاخ مميتة
تهدد حياة الفلسطينيين يوميًا، لم تعد هذه الحواجز مجرد نقاط تفتيش أمنية كما
يدّعي الاحتلال، بل تحوّلت إلى مساحات لقتل الفلسطينيين بدم بارد، ووسيلة لترسيخ
الاحتلال وتعميق المعاناة اليومية للسكان، وفي ظل هذا الواقع، يبدو أن الضفة تقف
على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة وسط عجز دولي وفلسطيني عن مواجهة هذه الجرائم
المستمرة.
حواجز
الموت.. أداة للقتل والقمع
منذ أعوام طويلة،
يستخدم الاحتلال «الإسرائيلي» الحواجز العسكرية كوسيلة للسيطرة على الفلسطينيين
بحجة الحفاظ على الأمن، لكن الواقع يؤكد أن هذه الحواجز تحولت إلى مواقع إعدام
ميداني تنفذ فيها عمليات قتل بلا محاسبة قانونية ودون مبرر حقيقي.
الجدير بالذكر
أن تقارير حقوقية فلسطينية ودولية وثقت عشرات الحالات التي أعدم فيها الاحتلال
فلسطينيين على هذه الحواجز من إطلاق الجنود «الإسرائيليين» الرصاص تجاه
الفلسطينيين بذرائع واهية، ثم يُتركون ينزفون حتى الموت دون السماح للإسعاف
بالوصول إليهم.
في الضفة
الغربية لا يكاد يمر يوم دون أن تتحول هذه الحواجز إلى مسرح لجريمة جديدة، حتى
الأطفال يُستهدفون بذرائع أمنية مثل «محاولة تنفيذ هجوم»، رغم أن العديد من
الضحايا لم يكونوا يشكلون أي تهديد حقيقي.
عقاب
جماعي وشلل للحياة اليومية
بالإضافة إلى
عمليات القتل الميداني، باتت الحواجز وسيلة للعقاب الجماعي للفلسطينيين، فهناك
أكثر من 950 حاجزاً وبوابة عسكرية تنتشر في الضفة، هذه الحواجز تقسم المدن والقرى
الفلسطينية، وتعزل السكان عن أماكن عملهم ومدارسهم ومستشفياتهم، ليس بعيداً عن ذلك
حاجز بيت فوريك شرق مدينة نابلس، الذي بات يمثل عائقًا يوميًا لسكان البلدة البالغ
تعدادها مع جارتها بيت دجن 25 ألف مواطن يواجهون إجراءات تفتيش معقدة جداً
وتأخيرات طويلة تعرقل حياتهم اليومية؛ ما يُضطر الأهالي في رمضان الانتظار لساعات
تتجاوز يوماً كاملاً لعبور الحاجز! عدا عن العمال والطلاب والمرضى الذين يحتاجون
إلى رعاية طبية عاجلة.
فالحاجز ليس
مجرد نقطة تفتيش، بل وسيلة لزيادة معاناة الفلسطينيين، ويعمّق الأثر النفسي
والاقتصادي عليهم، فإجراءات التفتيش المذلة تتنوع ما بين التعرض للمضايقات
والتفتيش العاري أحيانًا، هذا إلى جانب إغلاق الحواجز بشكل مفاجئ؛ ما يؤدي أحيانًا
إلى وفاة المرضى على الطريق بسبب التأخير.
الاعتقالات
والإهانات اليومية
لا تقتصر معاناة
الفلسطينيين عند الحواجز على القتل والتأخير، بل تشمل أيضًا الاعتقالات العشوائية،
فالاحتلال يستخدم الحواجز ككمائن لاعتقال من يدّعي أنهم مطلوبون، وحتى من ليس
لديهم أي سجل أمني يتعرضون للتحقيق والإذلال، فالتقارير الحقوقية وثّقت حالات تم
فيها اعتقال فلسطينيين دون تهمة، فقط لأن الجنود اشتبهوا بهم بناءً على مظهرهم أو
اسمهم!
عدا عن الإهانات
اللفظية والجسدية التي أصبحت جزءًا من التجربة اليومية عند هذه الحواجز، حيث يتعمد
الجنود إذلال الفلسطينيين خاصة الشباب من خلال إجبارهم على الوقوف لساعات في الشمس
أو البرد، أو مطالبتهم بالقيام بحركات مهينة قبل السماح لهم بالمرور.
تأجيج
المقاومة وتصاعد الغضب الشعبي
وسط هذا القمع
المتزايد، تتصاعد مشاعر الغضب بين الفلسطينيين وتتصاعد معها أعمال المقاومة، فقد
شهدت الآونة الأخيرة ارتفاعًا في عمليات إطلاق النار والهجمات ضد الحواجز
العسكرية، كرد فعل على سياسات الاحتلال القمعية، فتاريخيًا كانت الحواجز مواقع
أساسية لاندلاع المواجهات انتفاضة الأقصى عام 2000م شهدت مواجهات دامية عند العديد
من الحواجز، واليوم يبدو أن الضفة تسير على خطى مشابهة، خاصة مع تزايد اقتحامات
الاحتلال للمدن الفلسطينية، وارتفاع أعداد الشهداء والمعتقلين.
صمت
دولي وتواطؤ مستمر
رغم كل هذه
الجرائم، لا تزال ردود الفعل الدولية خجولة، حيث تكتفي الدول الكبرى بإصدار بيانات
«قلق» دون أي إجراءات حقيقية لوقف هذه الانتهاكات، في المقابل، تواصل «إسرائيل»
التمتع بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تغض الطرف عن
الجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين.
المنظمات
الحقوقية الدولية، مثل «هيومن رايتس ووتش»، و«العفو الدولية»، وثّقت انتهاكات
الاحتلال عند الحواجز، ووصفتها بأنها جزء من نظام الفصل العنصري «الإسرائيلي» ضد
الفلسطينيين، ورغم ذلك، لا توجد أي محاسبة حقيقية؛ ما يدفع الاحتلال للاستمرار في
هذه السياسات بلا خوف من العقاب.
إلى
أين يتجه الوضع في الضفة؟
مع استمرار
الانتهاكات «الإسرائيلية»، تتصاعد حالة الاحتقان في الشارع الفلسطيني، فالمقاومة
المسلحة كخيار هو المطروح، والعمليات ضد الحواجز العسكرية أصبحت أكثر شيوعًا، في
مؤشر واضح على أن الضفة تسير نحو مرحلة جديدة من المواجهة.
التاريخ
الفلسطيني يُثبت أن الاحتلال عندما يرفع منسوب القمع فإنه يحصد المقاومة في
المقابل، واليوم، مع ارتفاع أعداد الشهداء وتصاعد الاعتقالات وهدم المنازل، يبدو
أن الضفة الغربية تقترب أكثر من أي وقت مضى من انفجار محتوم؛ لأنه وبالرغم من كل
التقارير الحقوقية التي توثق هذه الجرائم وسط صمت دولي، يظل الاحتلال بمنأى عن أي
عقوبات حقيقية، لكن التاريخ أيضًا يخبرنا أن الاحتلال لا يدوم، وأن الشعوب التي
تقاتل من أجل حريتها لا يمكن أن تُهزم.
فإلى متى سيبقى
الفلسطينيون عالقين بين رصاص الاحتلال وجدران الحواجز؟ ومتى يدرك العالم أن هذه
الحواجز ليست مجرد نقاط تفتيش، بل رموز للقهر والظلم الذي لن يستمر إلى الأبد؟
لذا، ما يحصل
الآن من تصاعد لعمليات الإعدام الميداني، وتزايد الحواجز والإجراءات القمعية يبدو
أن الضفة تسير نحو مزيد من التوتر والانفجار، فالمشهد الحالي يذكّرنا بالأوضاع
التي سبقت الانتفاضتين السابقتين، حيث كانت السياسات «الإسرائيلية» القمعية أحد
الأسباب الرئيسة لانفجار الأوضاع.
ومن جانب آخر، فإنه
وفي ظل غياب أي أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية، واستمرار الاحتلال في ترسيخ نظام
الفصل العنصري، فإن احتمالات اندلاع موجة جديدة من المقاومة أو حتى انتفاضة ثالثة
تبدو أقرب من أي وقت مضى، فالضفة على فوهة بركان، وحواجز الموت التي تملأ شوارعها
ليست سوى أحد تجليات الاحتلال الذي يواصل استفزاز الفلسطينيين ودفعهم نحو خيارات
أكثر جذرية في مواجهة الظلم.
إلى
متى يستمر الصمت؟
وفي ظل هذا
الواقع، يبقى السؤال: متى سيدرك العالم أن صمته عن هذه الجرائم ليس إلا ضوءًا أخضر
لمزيد من القتل والاضطهاد؟