رمضان جامع للفضائل

امتن الله تعالى على أمة الإسلام بأن أمدها بخيرات عديدة وأجور كثيرة، مِن أفضلها شهر رمضان المعظم، الذي حوى فضائل متنوعة، دفعت النفس إلى التوجه نحوها والعمل بها والاستزادة منها، ومن هذه الفضائل ما يأتي:
أولاً:
مغفرة الذنوب:
جعل الله رمضان
باباً عظيماً ليتقرب العباد فيه إلى ربهم، فمن اقترب فيه من ربه غفر الله له ذنبه،
فقد روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي
بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة، والشهر إلى الشهر- يعني رمضان إلى رمضان-
كفارة لما بينهما»، وروى مسام قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا
واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
ثم إن النبي صلى
الله عليه وسلم شدد الوعيد والترهيب على مَن هيأ الله له باب الولوج إليه ثم لم
يطرق باب ربه، حيث توعده بالويل والهلاك، ففي «الترغيب والترهيب» أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: «احضروا الْمِنْبَر»، فحضرنا فَلَمَّا ارْتقى دَرَجَة قَالَ: «آمين»،
فَلَمَّا ارْتقى الدرجَة الثَّانِيَة قَالَ: «آمين»، فَلَمَّا ارْتقى الدرجَة
الثَّالِثَة قَالَ: «آمين»، فَلَمَّا نزل قُلْنَا: يَا رَسُول الله، لقد سمعنَا
مِنْك الْيَوْم شَيْئا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ! قَالَ: «إِن جِبْرِيل عرض لي فَقَالَ
بعد من أدْرك رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ قلت: آمين، فَلَمَّا رقيت الثَّانِيَة
قَالَ بعد من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَقلت: آمين، فَلَمَّا رقيت
الثَّالِثَة قَالَ بعد من أدْرك أَبَوَيْهِ الْكبر عِنْده أَو أَحدهمَا فَلم يدْخلَاهُ
الْجنَّة قلت: آمين».
أهمية شهر رمضان في تعزيز الرُقيّ الروحي
ثانياً:
مضاعفة أجر الطاعات:
مضاعفة أجر
الأعمال الصالحة من الأمور التي تميز بها شهر رمضان عن غيره من الشهور، وقد أشار
النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعـــض الأعمال التي يتضاعف أجرها في رمضان، فمنها:
- العمرة: روى
البخاري عن ابن عباس قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته، قال لأم سنان
الأنصارية: «ما منعك من الحج؟»، قالت: أبو فلان، تعني زوجها، كان له ناضحان حج على
أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا، قال: «فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي».
- الصدقة: روى
الترمذي عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ
الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ».
وأجمل النبي صلى
الله عليه وسلم مضاعفة الثواب لكل فعل من أفعال الخير في رمضان، حيث روى ابن خزيمة
أنه قال: «من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه
فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه».
ثالثاً:
نزول القرآن الكريم:
كان نزول القرآن
الكريم في رمضان، حيث قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185)، وكان نزوله في أفضل ليالي هذا الشهر الكريم وهي ليلة
القدر؛ حيث قال جل شأنه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر)، وقد وصف الله هذه الليلة بقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ
مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) (الدخان: 3).
وروى الطبراني
أن النبي صلى الله عليه وسلم حدد ليلة نزوله بقوله: «أنزلت صحف إبراهيم عليه
السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث
عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان».
وقد نزل به
سيدنا جبريل عليه السلام جملة واحدة في ليلة القدر، من اللوح المحفوظ إلى سماء
الدنيا، إلى بيت العزة، وأملاه سيدنا جبريل على السفرة، ثم كان جبريل ينزله على
النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً -حسب الأحداث والوقائع- وكان بين أوله وآخره ثلاث
وعشرون سنة(1).
ولما كان نزول
القرآن الكريم في رمضان؛ كان الإقبال عليه محل اهتمام من الخلق، فقد كانت مدارسة
القرآن الكريم في كل عام بين النبي صلى الله عليه وسلم وسيدنا جبريل عليه السلام،
فقد روى مسلم «أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين، وإنه عارضه
الآن -عام وفاته-مرتين».
رمضان شهر العدل والمساواة
رابعاً:
ليلة القدر:
قال الله تعالى
في فضلها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ
شَهْرٍ)،
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ثواب من اغتنمها بطاعة الرحمن: «من
قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وروى مالك في «الموطأ»
أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى وقتها بقوله: «تحروا ليلة القدر في العشر
الأواخر من رمضان».
وقد أكرم الله
بها المسلمين جبراً لخواطرهم حين رأوا طول أعمار الأمم السابقة وقِصَرِ أعمارهم
فقد، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله
ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل(2).
فمن لم ينشغل
بطاعة الله فيها ويسعى لاغتنام أجرها وتحقيق الثواب فيها فقد خسر ما أراد أن ينعم
الله به عليه، فقد روى ابن ماجه عن أنس بن مالك، قال: دخل رمضان، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها
فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم».
خامساً:
العتق من النار:
أراد الله تعالى
للمقبلين عليه بالطاعة النعيم بجنته واجتناب عذابه وناره، حيث روى ابن ماجه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولله عتقاء من النار –في رمضان- وذلك في كل ليلة»،
وفي «الترغيب والترهيب» عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَللَّه
عز وجل عِنْد كل فطر من شهر رمضان كل لَيْلَة عتقاء من النَّار، سِتُّونَ ألفا،
فَإِذا كَانَ يَوْم الْفطر أعتق الله مثل مَا أعتق فِي جَمِيع الشَّهْر ثَلَاثِينَ
مرّة سِتِّينَ ألف سِتِّينَ ألف».
___________________
(1) تفسير
القرطبي (20/ 130).
(2) أسباب
النزول، الواحدي، ص461.