22 فبراير 2025

|

زوجات رؤساء دول ما بعد الاستقلال

ليس هناك من حرج في أن تمارس النساء أدوارًا في مجتمعاتهن ودولهن، ويكون هذا الدور محمودًا لهن إن كن يعملن على نشر الخير وإشاعة الفضائل ومحاربة الفساد والشر، مع عدم الوقوع في الفتن أو إثارتها.

وزوجات السادة والقادة قد يقع على عواتقهن ما لا يقع على عواتق غيرهن من النساء، وقد اضطلعت بعض أمهات المؤمنين بنشر العلم النبوي في الأمة؛ فهذه أمنا عائشة يقول عنها أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا(1).

ولما دخلت غمار السياسة أثناء الفتنة الكبرى في صدر الإسلام محاولة الإصلاح بين المسلمين، فتورطت في معركة «الجمل» ضد أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ندمت على ذلك، وقد ذكر ذلك الذهبي بقوله: لا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورهما يوم «الجمل»، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ، فعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة: إذا قرأت: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (الأحزاب: 33)، بكت حتى تبل خمارها(2).

وفي منطقتنا العربية بعد أن نالت دولنا استقلالها أو قبيله من الاستعمار الأوروبي، تبدَّلت معظم الأنظمة العربية من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، وكانت تلك الطبقة الحاكمة طبقة ثورية، فلم يكن لنساء هؤلاء الثوار دور في المشهد، وتشابهوا في ذلك مع الأنظمة الملكية الوراثية التقليدية.

وبعد أن وطدت تلك الجمهوريات أركانها، واستقرت أمورها بدأت تظهر ما أطلق عليهن «السيدات الأوليات»؛ فرئيس الدولة هو الحاكم لكنه ترك مجالاً لقرينته السيدة الأولى أن تؤدي دورًا في الدولة، والملاحظ أن بعضهن لم يكنَّ خالصات النسب العربي؛ فأمهاتهن كن أجنبيات أوروبيات، وبعضهن وإن كنَّ عربيات النسب فإنهن وُلدن وتعلمن وعملن في أوروبا، والغالب عليهن أنهن كن علمانيات يتشبهن بالغرب في أفكارهن ولبساهن.. إلخ.

وقد اهتممن بقضايا المرأة والأسرة على الطريقة الغربية، وعملن على سن قوانين في الأحوال الشخصية مثيرة للجدل كان لها الأثر الكبير على خلخلة أركان الأسر والمجتمع؛ حتى إن بعض القوانين قد سمي باسم إحداهن، وكن أحطن أنفسهن بمجموعة من العلمانيات الشديدات العلمانية، واللواتي عملن معًا على تخريب الأسر باسم الإصلاح، والعمل على إعطاء المرأة حقوقها من خلال القوانين الصادرة بضغط منهن، ومنها حق المرأة في: الخلع، والولاية، والرؤية.

تلك القوانين أكد علماء شريعة وفقهاء قانون أنها كانت سببًا في تدمير الأسرة بكل المقاييس؛ حيث ألبست الحق ثوب الباطل(3).

وقد عملن على إنشاء مجالس رسمية للمرأة لم تكن متوازنة في رؤيتها للمرأة؛ هذه المجالس زعموا أنها تعمل على «إنقاذ المرأة الشرقية من الاضطهاد، ومنذ ذلك الوقت والشريعة الإسلامية تقع تحت الحصار.. أرادت الجهات النسائية أن تمكِّن المرأة من التخلص من الحياة الزوجية بإرادة منفردة دون رقيب، ودون أدنى اعتبار لحقوق الأسرة والمجتمع»(4).

وهن كن يدعين أنهن نصيرات للنساء، لكنهن لم تهزهن أي قضية كانت صاحبتها ممن يُطلق عليهن إسلاميات؛ فإن تم سجن الإسلاميات أو اعتقالهن أو تعذيبهن أو اغتصابهن ما كان ذلك يهز شعرة فيهن، وبعضهن كن يرعين نوادي الروتاري والليونز ذات الصلة بالماسونية.

والملاحظ أن غالب الحكام الديكتاتوريين هم من أطلقوا أيادي أزواجهن لإفساد المجتمع، ولكنهن كن يؤدين أدوارًا أخرى أكبر من حجمهن عندما يكبر أزواجهن ويتقدمون في السن، وتضعف قبضتهم على الحكم وأزمَّة السلطة، فأدوارهن لم تتوقف عند الأمور الاجتماعية، بل تعدت إلى الأمور الثقافية والاقتصادية والسياسية.

وبعض هذه الأدوار الثقافية كان محمودًا؛ مثل العمل على نشر الكتب بأثمان زهيدة، وهذه الكتب المنشورة كانت من عيون الثقافة العربية والإسلامية والقومية إلى جانب الكتب المترجمة، التي تم نشرها بين يدي القراء بأرخص الأسعار.

وفي الجانب السياسي، وبعد استقرار الشكل الجمهوري لبعض البلدان، دعمن بعض السيدات الأوليات فكرة التوريث لأبنائهن، التي كانت مرفوضة على شكل واسع من جميع الأطياف، وكأن هناك شبه إصرار على ذلك من قِبلهن، وتحويل الدولة إلى جمهورية وراثية؛ فلا هي جمهورية ديمقراطية، ولا ملكية وراثية.

وفي الجانب الاقتصادي، برزت بعض زوجات الرؤساء من خلال الإصرار الدائم على الحصول على عمولات ونسب من المشاريع التي تحتضنها بلدانهن، وقد تمكن بذلك من جمع ثروات هائلة(5)، وكانت تلك السيدات الأوليات يحددن مصائر البعض، ويُنهين مسيرات آخرين(6).

لذلك، كان عند انطلاق الشرارة الأولى لثورات «الربيع العربي»، كانت مجموعة من الشعارات موجهة ضد بعض زوجات الرؤساء؛ لاتهامهن بأن لهن يدًا في الفساد المستشري في البلاد، وبأنهن ذوات نفوذ كبير واسع ومتعاظم دون سند دستوري، أو منصب رسمي.

هذه رؤية عامة ألقت الضوء على أفعال بعض زوجات رؤساء دول ما بعد الاستقلال في القرن الماضي وحتى قيام ثورات «الربيع العربي»، واللاتي تم إطلاق أيديهن في بلدانهن دون منصب رسمي، ومن خلال هذا الزواج الرفيع وتلك الفرصة المتاحة لهن جرى منهن بقصد أو بغير قصد ما يمكن إدراجه تحت باب: إفساد المجتمع والحياة السياسية والاقتصادية.

وهن بطبيعة الحال لا يمكن تحميلهن كل هذا الفساد؛ إذ إن البيئة المحيطة قد تعين على ذلك في ضوء غياب الرقابة، مع ما يظهر من البعض من النفاق لتلك الزوجات الأوليات لنيل الحظوة والقرب، والحصول على المنافع، ولو ظللن في العمل الخيري والإغاثي الاجتماعي، وابتعدن عن الأمور السياسية والاقتصادية، وعدم التوجيه لسن بعض التشريعات المثيرة للجدل لكان خيرًا لهن ولدولهن.

 

 

 

 

 

_________________________

(1) أخرجه الترمذي في المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: فضل عائشة رضي الله عنها، ح(3883)، وقال: وهذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح.

(2) سير أعلام النبلاء، (2/177).

(3) https://www.ikhwanonline.com/article/83338.

(4) https://www.aljarida.com/articles/1462134150415913800.

(5) انظر: https://www.dw.com/ar/%D8%B2%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D9%84-%D8%AF%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A5%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9/a-15741716.

(6) انظر:  https://www.aljazeera.net/news/2009/10/25/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%AF-%D8%B2%D9%88%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A.


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة