13 فبراير 2025

|

شهر شعبان استقبال لشهر رمضان

شهر شعبان من الأشهر التي نالت اهتمام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقد لفت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنظار أصحابه ببعض أعمال كان يعملها في هذا الشهر الفضيل، يظهر منها حسن الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك، من هذه الأعمال ما يلي:

 

أولا: الصيام

 

كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يكثر من الصيام في شهر شعبان، ليغرس في نفوس المسلمين حسن الاستعداد وكمال النهوض وتجديد النوايا لنفحات الله تعالى الممنوحة للمؤمنين في رمضان، قال أسامَةَ بن زيد، لَمْ يكُنْ رسول الله يَصُومُ مِن الشهور ما يَصومُ من شعبانَ. فقلتُ: يا رسولَ الله، ولم أركَ تصومُ مِن الشهور ما تَصومُ مِن شعبانَ؟ قال: "ذاك شهر يَغْفُلُ الناسُ عنه بينَ رجَبٍ ورمضانَ، وهو شهر تُرفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين عز وجل، فأحبُّ أَن يُرفَعَ عَملِي وأنا صائم" (1).

 

فصيام رسول الله وإن كان تطوعا إلا، أن أفْضَلَ التَّطوُّع ما كان قَريبًا من رمضانَ؛ قبلَه وبعدَه، وذلك يلتحقُ بصيام رمضانَ؛ لِقُرْبِه منه، وتكونُ منزلتُهُ من الصيام بمنزلةِ السُّنن الرواتِب مع الفرائِض قبلَها وبعدَها، فيلتحِقُ بالفرائضِ في الفضلِ، وهي تَكمِلهٌّ لنقَصِ الفرائضِ. وكذلك صيامُ ما قبلَ رمضانَ وبعدَه. فكما أنَّ السننَ الرواتِبَ أفضلُ مِن التَّطوُّعِ المُطْلَقِ بالصَّلاةِ، فكذلك يكون صيامُ ما قبلَ رمضانَ وبعدَه أفضلَ من صيامِ ما بعُدَ منه (2).

 

ولهذا لما ذُكِرَ لرسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، ناسٌ يَصُومونَ رجَبًا، فقال: "فأينَ هم عن شعبانَ" (3).

 

فكان صيام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في شعبان استعدادا لاستقبال شهر رمضان، وتهيئة للنفوس التي لم تصم طول العام على ممارسة عبادة الصيام.

 

ثانيا: العناية بقبول الأعمال

 

كان من اهتمام رسول الله بشهر شعبان أنه بيّن للناس أن هذا الشهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، حتى يعود الناس إلى الله تائبين ويُخلصوا إلى الله في أعمالهم، بقوله: "وهو شهر تُرفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين عز وجل"

 

ورفع الأعمال هذا يسبقه عرض للأعمال على الله يوميا وأسبوعيا، فالعرض اليومي، قال فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "يتعاقَبُونَ فيكم ملائكة بالليلِ، وملائِكَة بالنهارِ، فيجتمِعونَ في صلاةِ الصُّبحِ، وصَلاةِ العَصْرِ، فيسألُ الذين باتوا فيكم، وهو أعلمُ: كيفَ تركْتُم عِبادِي؟ فيقولون: أتيناهُم وهم يُصَلُّون، وتركْنَاهُم وهُم يُصَلُّون" (4).

 

والعرض الأسبوعي للأعمال، قال فيه رسول الله، صلى الله عليه، وسلم: "إن الأعمال تُعْرَضُ كُل اثنين وخميسٍ، فيغفر لِكلِّ مسلمٍ، أو لكُل مؤمنٍ، إلا المتهاجِرَيْن، فيقول: أخِّرْهُما" (5).

 

بهذا يكون لقبول العمل عند الله تعالى مراحل، ليتبين صحيح العمل من سقيمه، والكامل منه والناقص، والمقبول منه والمردود (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر:10).

 

ثالثا: الحث على سلامة الصدر

 

كانت عناية رسول الله بشهر شعبان كأنه نهاية عام، وبداية عام آخر بشهر رمضان، كأن رسول الله يريد من المسلمين في شهر شعبان تنقية النفوس وتصفية الصدور وتطهير القلوب من العداوة والبغضاء والشحناء التي تمنع العبادة من القبول عند الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله ليطَّلِعُ ليلَةَ النِّصفِ مِن شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خَلْقِهِ، إلَّا لِمُشْرِكٍ أو مُشاحِنٍ" (6).

 

وقد بيّن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن الجنة ثواب الله لمن سلِم صدره تجاه الناس، فقد جالس أصحابه ثلاثة أيام متتاليات، كل يوم يخبرهم أن رجلا من أهل الجنة يدخل عليهم، فكان الداخل في الثلاثة أيام شخص من الأنصار، فأراد عبدالله ابن عمرو بن العاص أن يعرف ماذا يفعل هذا الرجل حتى استحق دخول الجنة؛ فاتخذ حيلة لذلك، فتَبِع الرجل بعد خروجه، وقال له: إني لاحيت -أغضبت وهجرت-أبي، فأقسمت ألَّا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك؛ حتى تمضي فعلت؟ قال نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعارّ وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا.. فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول لك ثلاث مرار: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك؛ لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقال ما هو إلا ما رأيت، قال فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق. (7).

 

فيدخل المسلم شهر رمضان مغفور الذنوب مستور العيوب مقبلا على علام الغيوب، لا يفعل خيرا إلا أثيب عليه ولا يتقرب إلى الله بطاعة إلا قبلت منه.

 

رابعا: تنبيه أهل الغفلة إلى الوعي واليقظة

 

مواسم الخيرات تحتاج إلى تنبيه الغافلين وتشمير سواعد المتقاعسين والأخذ بأيدي المتكاسلين وإحياء أفئدة المنشغلين عن الله رب العالمين، ولهذا قال النبي عن هذا الشهر: "شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان" فكان النبي يكشف ثواب العمل الصالح في وقت غفلة الناس.

 

ففي وقت الهرج لا ينشغل أحد بطاعة الله، إلا من كان يقظا للحصول على الثواب الأعظم الذي قال فيه النبي، صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهرج كالهجرة إلي" (8).

 

والهجرة ثوابها مغفرة ما سبق من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها.

 

كما أن وقت الليل يغفل الناس عنه بالنوم، رغم عظم أجر ثواب فعل الخير فيه، والنبي قال عن فضل هذا الوقت: "إن أقرب ما يكون العبد من الرب جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك ‌الساعة ‌فكن؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة" (9).

 

وهي ساعة استجابة للدعاء، لا يدعو أحد ربه إلا استجيب له ولا يطلب أحد من ربه حاجة إلا أعطاه الله إياها، ولا يستعيذ أحد بربه إلا أعيذ مما يضره.

 

وما عظم أجر العامل في وقت الغفلة إلا لثباته وتحمله وصبره وإصراره على إعلاء اسم الله، ولو كان الشخص منفردا بطاعة الله، وغيره لاهٍ عن الله عز وجل، ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ‌"ذاكِرُ ‌اللهِ ‌في ‌الغافِلينَ كالذي يُقاتِلُ عَن الفارّينَ، وذاكِرُ الله في الغافلينَ كالشَّجرةِ الخضراء في وسَطِ الشَّجرِ الذي تحاتَّ وَرَقُهُ مِنَ الصَّريدِ -البرْدُ الشديدُ- وذاكرُ اللهِ في الغافلين يغفرُ الله له بعددِ كُلِّ رطبٍ ويابسٍ، وذاكِرُ اللهِ في الغافلين يعرِفُ مقعدَهُ في الجنَّة" (10).

 

والناظر إلى أهل الأسواق يجدهم منشغلين بأمر البيع والشراء، دون الانتباه لأمر الآخرة، إلا إن المنفرد بذكر الله تعالى في وسط هذا الضجيج والصخب الذي يزدحم به السوق، كثير الثواب عظيم الأجر؛ لأنه مشغول بالله عز وجل في وسط غفلة الخلق، ولهذا قال النبي: ‌"من ‌دخل ‌السُّوق فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت، بِيَدِهِ الْخَيْر، وَهُوَ على كل شَيْء قدير. كتب الله لَهُ ألف ألف حَسَنَة ومحا عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ ألف ألف دَرَجَة" (11).

 

مما سبق يتبين أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اهتم اهتماما بالغا بشهر شعبان للاستعداد والتهيئة لشهر رمضان، كتب الله لنا ولكم أجره وثوابه.

 

 

 

 

 

 

 

 

(1) رواه أحمد (5/201)

 

(2) لطائف المعارف، ابن رجب الحنبلي، ص228.

 

(3) مسند عبدالرازق (7858)

 

(4) رواه البخاري (6992)

 

(5) رواه أحمد (2/329)

 

(6) رواه ابن ماجه (1390)

 

(7) رواه أحمد (19/238)

 

(8) رواه مسلم (2948)

 

 (9) رواه النسائي (1556)

 

 (10) حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني (6/181)

 

 (11) الترغيب والترهيب (2/337)


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة