صراعات الاحتلال الداخلية.. هل تهدد بشبح الحرب الأهلية في الكيان الصهيوني؟

د. خالد سعيد

07 أبريل 2025

54

أثار رئيس المحكمة «الإسرائيلية» العليا السابق أهارون باراك الجدل داخل الكيان الصهيوني وخارجه، خلال الأسابيع القليلة الماضية، حينما تحدث صراحة عن تخوفه العميق من دخول بلاده في حالة من سفك الدماء وانزلاقها نحو حرب أهلية بسبب تفاقم الانقسامات الداخلية.

في 20 مارس الماضي، أجرت «القناة 12» العبرية مقابلة مع باراك، أكد خلالها أن المشكلة الرئيسة للمجتمع «الإسرائيلي» هي الجبهة الثامنة (في إشارة واضحة إلى الجبهات السبع التي تُقاتل عليها «إسرائيل» كما يدعي نتنياهو)؛ وهي الشرخ الحاد بين «الإسرائيليين» أنفسهم، وهذا الخلاف يتفاقم ويزداد بشراسة، معربًا عن تخوفه من أن تكون نهاية هذا الشرخ الحاد مثل قطار خرج عن القضبان وينحدر إلى الهاوية ويؤدي إلى حرب أهلية.

«هناك سفك للدماء و«إسرائيل»، تخطت بعض الخطوط الحمراء»، وهو التصريح نفسه الذي نقلته عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت» في اليوم التالي (21 مارس الماضي)، من أن الكيان الصهيوني على بعد لحظة من حرب أهلية، والشرخ في الأمة «الإسرائيلية» هائل، ولا يتم بذل أي جهد لرأب الصدع، بل يحاول الجميع تحويله إلى شكل متطرف، ضاربًا مثلا بخروج مئات الآلاف من «الإسرائيليين» للتظاهر ضد حكومة نتنياهو، ثم يأتي شخص ويحاول دهس بعض هؤلاء المتظاهرين، محذرًا من أنه بعد ذلك سيكون هناك سفك للدماء، لأن بلاده تخطت بعض الخطوط الحمراء.

الغريب أن حكومة نتنياهو ردت، على الفور، على تصريحات باراك، الخطيرة، حيث نشر، جدعون ساعر، وزير الخارجية، تغريدة مهمة وخطيرة في آن، من جملة واحدة: «لن تكون هناك حرب أهلية»، وذلك في 20 مارس، وكأنه يرد على باراك، بشكل غير مباشر، دون الإشارة إليه.

الكيان الصهيوني على حافة الهاوية على وقع «طوفان الأقصى» |  مجلة المجتمع الكويتية
الكيان الصهيوني على حافة الهاوية على وقع «طوفان الأقصى» | مجلة المجتمع الكويتية
ما زالت «طوفان الأقصى» تعصف بالكيان الصهيوني وتزلز...
mugtama.com
×

هناك من يثير تلك الحرب

بعدها صرح الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق هرتزوغ، لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، برفضه الانزلاق نحو الحرب الأهلية وسفك الدماء، والتناحر الداخلي، منوهًا بأنه يعمل على الحفاظ على دولة «إسرائيل» وعدم تحويل الخلافات الداخلية إلى حرب أهلية، رغم اعترافه بأن هناك من يثير تلك الحرب!

كما نقلت صحيفة «معاريف» عن أحد مسؤولي حزب الليكود الحاكم، تعليقًا على هذا الأمر، أنه لن تكون هناك حرب أهلية، لأن الحرب تحتاج إلى طرفين، ونحن لن نرفع يدنا ضد إخوتنا، ولن نقاتلهم أبداً، بدعوى أن الوقت يستدعي مواجهة العدو الماثل أمامهم، والممثل في «حماس»، وليس أطرافًا داخلية تتناحر فيما بينها.

معارضة مشروع تحصين الحكومة

تصريحات باراك، أو ساعر، أو هرتزوغ جاءت على خلفية قرار نتنياهو إقالة رونين بار، رئيس جهاز «الشاباك»، وعزمه إقالة غالي بيهاريف ميارا، المستشارة القضائية للحكومة، التي اعتبرها البعض الشخص الذي يخشاه رئيس الوزراء الصهيوني، نتيجة لمعارضتها، لأكثر من مرة، لخطوات يمينية ومتطرفة لنتنياهو نفسه، بدأتها في العام 2023م بمعارضتها للإصلاحات القضائية التي قدمها وزير العدل ياريف ليفين، وتجميدها في العام نفسه قرار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إقالة قائد منطقة تل أبيب عامي أشاد، فضلاً عن معارضته لمشروع تحصين الحكومة.

الواضح أنه لا توجد كيمياء بين نتنياهو والمستشارة القضائية بيهاريف ميارا، حتى نشر متظاهرون مؤيدون لرئيس الوزراء الصهيوني لافتة ضد ميارا، في 18 فبراير 2024م، على جسر فوق شارع أيالون بمدينة تل أبيب، كتب عليها «في حالة اغتيال نتنياهو، فستقع المسؤولية عليها»، و«دمه (نتنياهو) على أيديكم» (ميارا).

تعميق الخلافات بين نتنياهو و«الشاباك»

تزايد الخلافات البينية تؤشر بشكل واضح على طبيعة الصراع الأعمق بين اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو، ومؤسسات الدولة الأمنية التي تحاول الحفاظ على استقلاليتها؛ ونتاجًا للخلافات المستمرة بين نتنياهو وغيره من هؤلاء المسؤولين «الإسرائيليين»، خاصة بار، بعث 300 من كبار ضباط الشرطة «الإسرائيلية» السابقين في رسالة لقائدها العام داني ليفي، مطالبته بالعمل وفق القانون دون توجيهات سياسية بشأن البت بإقالة رئيس «الشاباك»، وذلك في الأول من الشهر الجاري، قائلين: إن ليفي يصمت أمام ما يجري من أحداث في «إسرائيل»، وهو ما يقوِّض أسس الشرطة ويضر بالثقة العامة.

تأتي الرسالة في معارضة واضحة لسياسات نتنياهو، ليس تجاه جهة عملهم السابق «الشاباك» فحسب، بل بوجه عام، خاصة وأن هناك أصواتًا سياسية تتزايد رفضًا لما يقوم به رئيس الوزراء الصهيوني من بث الفرقة والتشرذم بين طبقات وفئات المجتمع «الإسرائيلي» ككل.

استطلاع رأي يكشف حالة الارتباك التي تسود الكيان

فور هذه الرسالة، مباشرة، وعلى خلفية التصريحات الخطيرة لباراك، أجرت «القناة السابعة العبرية» استطلاعًا للرأي، في 4 أبريل الجاري، كشف أن 60% من «الإسرائيليين» يخشون وقوع حرب أهلية، منهم 33% يشعرون بوجود خطر حقيقي قائم في بلاده بسبب حالة الارتباك التي تسود الكيان الصهيوني، والصراعات والتناحرات الداخلية والتشرذم التي تستشري في المجتمع.

الثابت أن نتائج هذا الاستطلاع تعكس الواقع الحقيقي داخل الكيان، ولعل ما يؤكد ذلك الخلافات التي تظهر بين الفينة والأخرى داخل سُدة الحكم في «تل أبيب»، أبرزها ما جرى في 23 مارس الماضي، من وقوع تراشق لفظي واشتباك جسدي بين إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، ورونين بار، الرئيس السابق لـ«الشاباك»، خلال اجتماع لـ«الكابينيت الإسرائيلي»، على إثر تناحرات نشبت بينهما بشأن نتائج التحقيق في أحداث 7 أكتوبر 2023م.

بعد قرار التجنيد.. هل يشعل «الحريديم» حرباً داخلية في الكيان الصهيوني؟ |  مجلة المجتمع الكويتية
بعد قرار التجنيد.. هل يشعل «الحريديم» حرباً داخلية في الكيان الصهيوني؟ | مجلة المجتمع الكويتية
نجحت عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، في خ...
mugtama.com
×

رفض الحاخامات للتجنيد بالجيش

وهي العملية التي أججّت الخلافات الداخلية، ففي الأول من أبريل الجاري، خرجت مظاهرات أمام مقر الكنيست بمدينة القدس المحتلة، للمطالبة بـالمساواة في التجنيد بين المواطنين «الإسرائيليين»، وذلك لمعارضة المتظاهرين ورفضهم عدم تجنيد الحريديم في الجيش؛ بالتوازي مع خروج آلاف الشباب والحاخامات الحريديم للتظاهر والاحتجاج ضد ضمهم للجيش، في حالة من التناحر الداخلي الواضع بين فئات المجتمع الصهيوني.

ذاك التناحر الذي دفع نتنياهو، في أكثر من واقعة، إلى القول: إنه لن تكون هناك حرب أهلية، ردًا على مطالبات «إسرائيلية» داخلية بضرورة إقالته، نتيجة لحالة الانقسام وتعميق الشرخ المجتمعي والاستقطاب السياسي الواضح والخلافات بشأن قضايا خلافية جوهرية وأساسية، حيث يقود هذا التيار زعيم المعارضة يائير لابيد، ورئيس حزب معسكر الدولة بيني غانتس، وكذلك يائير غولان، رئيس تكتل الديمقراطيين، ومعهم زعيم حزب يسرائيل بيتنو أفيغدور ليبرمان.

«طوفان الأقصى» سبب رئيس في تعميق الخلافات «الإسرائيلية»

الغريب أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية قد نشرت، في 5 فبراير 2025م، تقريرًا مطولاً أكدت من خلاله أن ملف الأسرى والرهائن «الإسرائيليين» لدى «حماس» في غزة يعد سببًا رئيسًا لتعميق الهوة داخل المجتمع الصهيوني.

وتؤكد العديد من الكتابات «الإسرائيلية» أن الهوة تتسع بين فئات وطبقات المجتمع الصهيوني من جانب، والحريديم والعلمانيين من جانب ثان، وكذا بين المؤيدين لوقف الحرب على غزة واستعادة الرهائن من قبضة «حماس»، والداعمين لنتنياهو في حرب الإبادة المستمرة على القطاع من جانب ثالث؛ غير أن نتنياهو نفسه هو من يؤجج تلك الخلافات نتيجة لسياساته العنصرية واليمينية التي تزداد شراسة، وتعمل على تعميق تلك الخلافات البينية.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة