مجاهدون ارتبطت أسماءهم برمضان
طارق بن زياد.. قائد فتح الأندلس

كانت
الثمرة قوية، ورعايتها تحت عناية الله عز وجل وحفظه، وتغذيتها بكتاب الله وسنة
رسوله دون تزييف، أو مفاهيم مغلوطة، أو أهواء، أو وعي غائب، أو اختصار للفكرة عند
فرد دون غيره من مجموع الصحابة رضوان الله عليهم والسلف
الصالح من بعدهم، فقد غرس راية التوحيد خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم،
ورواها الصحابة رضوان الله عليهم بدمائهم وأرواحهم قبل أموالهم وأرواحهم وأوقاتهم،
فكانت النتيجة شجرة مباركة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، فلم تؤت أكلها فقط،
وإنما أنبتت بجوارها أشجارًا لها ثوابت تستعصي على الاقتلاع مهما اشتدت ريح
التغيير، ومهما قوي عدوها، فقد كانت هي في ذاتها قابلة للتجدد والاستنبات من جديد
كلما خبا منها جذع، أو سقط منها فرع، ولم ينقطع الإسلام بانقطاع الصحابة وموت
آخرهم في أقصى بلاد الأرض فاتحين، فتوسعت الفتوحات، وترامت أطراف الدولة، وكثر
الخلق وصار منهم أيضا عظماء، كما كان أسلافهم عظماء، لقد ورث النبي صلى الله عليه
وسلم دينا وسلوكا وقيما وقوة وشجاعة وكرامة وعزة، وهكذا ورث صحابته مجموع تلك
القيم كما هي، غير مبدلين، وغير مقصرين، واجتهدوا وقد رضي الله عز وجل عنهم من قبل
في آيات تتلى في كتابه يتعبد بها المسلمون إلى يوم الدين فقال عز من قائل:
(لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى
النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ
الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ
عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(التوبة:117)، وقال فيهم رضوان الله عليهم
(لَقَدْ رَضِيَ
اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا
فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا
قَرِيبًا)
(الفتح: 18)، فرعاهم الله بالتوبة عليهم، والرضا عنهم، فبوركت
شجرتهم، لتنبت مثل فاتح الأندلس
طارق بن زياد.
نسب طارق بن زياد
وأصله
في
المراجع التاريخية للفاتحين العظام، لا توجد مصادر واضحة لمعرفة أصول ونسب الفاتح
طارق بن زياد قبل أن يتولى حكم مدينة طنجة المغربية، فقد تعددت الأقوال حول أصوله،
فمن قائل بفارسيته، ومن قائل بعربيته وأنه كان مولى للقائد المسلم موسى بن نصير، ومن قائل إنه من البربر، فيقول
المراكشي في نسبه: فالأكثرون على أنه بربري من نفزة،
وأنه مولى لموسى بن نصير من سبي البربر، وقال آخرون: إنه فارسي، وهو طارق بن زياد
بن عبدالله بن رفهو بن ورفجوم بن ينزغاسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو، وأما ابن خلدون فقد أورد تعريفا به في معرض حديثه
عن فتح الأندلس ونسبه إلى بني ليث وهي قبيلة عربية معروفة.
طارق بن زياد وحلم فتح الأندلس
تولى
القائد الفذ موسى بن نصير ولاية المغرب بعد أن كلفه الخليفة الأموي الوليد بن
عبدالملك بتلك المهمة، فقام بدوره بتولية قائده طارق بن زياد على طنجة، ومنذ ذلك
الحين وهو ينظر بعينيه في الأفق بعيدا، حيث أوروبا، وأرض الأندلس، وبلاد أعجمية
تتوق للإسلام والمجد والنور، وكانت سبتة هي الأقرب ويحكمها يوليان الذي اعتدى
الامبراطور لذريق حاكم طليطلة على ابنته، فقرر الانتقام منه والتعاون مع
المسلمين لتقويض ملكه الظالم، وظل حلم الفتح يراود القائد طارق بن زياد حتى استأذن
قائدُه موسى بن نصير الخليفة في توسيع فتوحاته لتشمل بلاد الأندلس،
لكن الخليفة الأموي حذره من التهور والتضحية بجيش المسلمين في بلاد مجهولة وبحر
متلاطم، قائلا له: خضها بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في
بحر شديد الأهوال.
فكتب
إليه موسى مبيِّنًا له أنه ليس ببحر خِضَمّ، وإنما هو خليج يبين للناظر منه ما
خلفه، لكنه لم يكن بحرا من الأهوال، وإنما كان مضيقا،
يرى طارق حلمه من خلفه قريبا.
الفتح العظيم
أرسل
موسى العيون التي ترى ما بعد شاطئ سبتة، وتدرس الواقع وتمد خيوط التواصل مع من
يستعد أن يكون دليلا للفاتحين في الأرض الغريبة ليكون يوليان هو الرجل الأمثل، وفي
رمضان سنة 91 هـ بدأ مسلم ينتمي للبربر اسمه طريف بعبور المضيق إلى الأندلس منفذا مجموعة من الغارات ويغنم
فيها الكثير ويعود سالما ليبشر موسى بن نصير ويشجعه على فتح الأندلس، فيقرر ابن
نصير عملية الفتح، وينتدب طارق بن زياد لتلك المهمة العظيمة على رأس سبعة آلاف من
المسلمين، كان معظمهم من البربر، نزل طارق بجنوده عند الجبل الذي سمي باسمه
ومازال حتى اليوم (جبل طارق)، وكان ذلك في رجب عام 92هـ، ففتح الجزيرة الخضراء،
وحين علم لذريق جهز جيشا ضخما لمواجهة المسلمين، فطلب طارق بن زياد
المدد من قائده، ليرسل له خمسة آلاف من الجنود المسلمين العرب، ليكون قوام جيشه
اثني عشر ألف.
مائة ألف أو يزيدون
ويعود
الفعل المعجز لشهر رمضان مرة أخرى، ففي آخر ليلتين من رمضان عام 92هـ، تحرك جيش
المسلمين نحو نهر لكة ليلتقي الجيشان، ويستمر القتال لثمانية أيام متواصلة،
حتى اضطرب الجيش، وفر الكثير من الجنود، وأخذ طارق بن زياد على لذريق فأصابه إصابة بالغة، فألقى نفسه بالنهر فغرق، ونصر الله عز وجل عباده المؤمنين بقيادة القائد الفذ
طارق بن زياد، ومن هذه المعركة الكبيرة، استمرت فتوحات طارق ليصل إلى العاصمة طليطلة،
وهنا يتوقف حفاظا على ما تبقى معه من جنود، حتى يأتي رمضان آخر بمعجزاته، فيدخل موسى بن نصير في رمضان 93هـ
في ثمانية عشر
ألفا من المجاهدين لفتح بقية المدن التي لم يفتحها طارق بن زياد مثل إشبيلية،
وهكذا فتحت الأندلس ليستمر حكم المسلمين فيها ثمانية قرون في عزة ومنعة،
وليستطيعوا بناء حضارة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، وضعت أساس العلوم التي أقامت
عليها أوروبا حضارتها فيما بعد، ليكون السبق للمسلمين في بناء النهضة الحديثة،
فرحم الله الفاتحين، رحم الله موسى بن نصير، رحم الله طارق بن زياد وجزاهم عن
الإسلام والمسلمين خيرا.