02 فبراير 2025

|

عوائق في الطريق (18).. التطيُّر وفقدان الأمل

د. أحمد ناجي

02 فبراير 2025

37

الأمل في الله تعالى شعور جميل يمنحنا قوة الاستمرار، في أصعب اللحظات، حيث إنه الضوء الذي يضيء دروبنا عندما تشتد العتمة، وهو الروح التي تبعث فينا الرغبة في المحاولة المرة تلو المرة.

ولنشر الأمل بين المسلمين بشَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الإسلام وظهوره على الدين كله فقال صلى الله عليه وسلم: «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ الله به الكفر» (رواه الإمام أحمد، والطبراني، والبيهقي، وصحَّحه الحاكم والعلامة الألباني).

إلا أن البعض يفقد هذا الأمل، ويقع في التطير والتشاؤم فيقعده هذا عن العمل ويعيقه عن السير في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى! 

تعريف التطير وفقدان الأمل

التطير والتشاؤم وفقدان الأمل في اللغة بمعنى واحد فهو يعني: توقع الشر، يقال: تشاءم من الأمر أو من فلان أي توهم، وتوقع الشر من ناحيته، ومنه قيل لأهل النار: أصحاب المشأمة، للعذاب أو الشر الذي ينزل بهم، بسبب كفرهم، وسوء أعمالهم في الحياة الدنيا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ {19} عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ) (البلد).

وقال العلَّامة ابن عثيمين: التطير: في اللغة: مصدر تطير، وأصله مأخوذ من الطير، لأن العرب يتشاءمون أو يتفاءلون بالطيور على الطريقة المعروفة عندهم بزجر الطير، ثم ينظر: هل يذهب يميناً أو شمالاً أو ما أشبه ذلك، فإن ذهب إلى الجهة التي فيها التيامن، أقدم، أو فيها التشاؤم أحجم(1).

والتطير عند علماء التربية هو: توهم حصول الشر والمكروه بصورة تؤدي إلى القعود عن أداء الواجب، أو على الأقل الكسل والتواني، والتراخي نتيجة إساءة الظن بكل شيء في هذا الوجود، أو في هذه الحياة. 

مظاهر التطير وموقف الإسلام منها  

من مظاهر التطير وفقدان الأمل: 

- نشر روح التثبيط واليأس بين العاملين للإسلام بدعوى الإشفاق والرحمة، وأنه لا داعي أن يتعبوا أنفسهم، وأن يجروا عليها من المحن والشدائد ما لا يعلمه إلا الله، حيث إن زمام الأمور كلها أصبحت بيد أعداء الإسلام. 

- فقدان الأمل في رحمة الله تعالى وعفوه، بسبب كثرة المعاصي، واعتقاد أن الله شديد العقاب فقط، وأنه لن يغفر، ولن يعفو، ولن يتجاوز. 

- تصديق دعايات أعداء الإسلام القائمة على الكذب، وقلب الحقائق، والنيل من الإسلام، والمسلمين والرفع من شأن الكفر، والكافرين، بحيث يؤدي ذلك إلى قطيعة المسلمين، وموالاة الكافرين.

- التطير من بعض الحوادث اليومية العادية، التي هي جزء من قضاء الله وقدره، ككسر بعض الأواني، أو انطفاء المصابيح، أو وقوع مكروه عند دخول بعض الأماكن، ثم القعود عن أداء الواجبات. 

أما عن موقف الإسلام من التطير وفقدان الأمل، فقد أجمع العلماء على أن من توهم أو توقع الشر لحوادث معينة، وامتنع عن أداء دوره، والقيام بواجبه، اعتقاداً منه أن لهذه الحوادث أثراً فيما يصيبه دون أن يرد الأمر كله لله، فإن ذلك شرك محرم، يوجب لصاحبه عدم المغفرة، ومن ثم الخلود في النار، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) (النساء: 116).

وفي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة، والفرس، والدار» (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى، ولا طيرة، ولا صفر، ولا هامة»، فقال أعرابي: ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ قال: «فمن أعدى الأول» (متفق عليه). 

وقال صلى الله عليه وسلم: «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك»، قالوا: يا رسول الله، وما كفارة ذلك؟ قال: «يقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك» (حديث صحيح أخرجه ابن السني). 

عواقب التطير وفقدان الأمل 

للتطير وفقدان الأمل عواقب خطيرة على الفرد، والجماعة المسلمة، فعلى مستوى الفرد يؤدي إلى: 

- التراخي مع النفس وإهمال تربيتها بحجة أنه لا فائدة من وراء هذا العمل؛ ما يؤدي إلى انتهاك حرمات الله، والوقوع في حبائل الشرك.  

- القلق والاضطراب النفسي: وذلك لأن التطير شرك، وقد آلى الله تعالى على نفسه أن ينتزع من قلوب هؤلاء الأمن والطمأنينة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82)، وقوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه: 124).

- التعرض لغضب الله وسخطه: وذلك أن التطير يؤدي إلى القعود عن أداء الواجب والوقوع في المعاصي؛ ما يوجب غضب الله، وسخطه، وهذا هو الضياع بعينه، قال تعالى: (وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) (طه: 81).

أما على مستوى الجماعة المسلمة فإنه يؤدي إلى: 

- التثبيط والتعطيل: وذلك أن قعود المتطير قد يؤدي إلى تثبيط الآخرين وقعودهم مثله، ولا سيما في صفوف الناشئة الذين ليست لديهم الحصانة. 

- طول الطريق مع استمرار حياة الذل والهوان: وذلك أن التطير عندما ينتهي إلى القعود عن أداء الواجب، والحرمان من العون والمدد الرباني، فإن أعداء الإسلام يحكمون قبضتهم، وتستمر حياة الذل والهوان، وهذا ما نعيشه نحن المسلمين اليوم! 

أسباب التطير وفقدان الأمل   

الأسباب أو البواعث التي توقع في التطير وفقدان الأمل كثيرة، من أهمها: 

- عدم معرفة الله حق المعرفة: ذلك أن المرء إذا لم يعرف ربه حق المعرفة، فإنه يسيء ظنه به سبحانه وتعالى، ومن ثم يقع في إثم التطير وفقدان الأمل. 

- الجهل بحقيقة النفس: وذلك أن الله زود هذه النفس بطاقات وإمكانات هائلة تؤهلها لمهمة العبودية، والاستخلاف في الأرض، وعلى المرء أن يجاهد نفسه، وأهواءه، ونزعاته، فإذا جهل المرء هذا، هُزم من داخله، واحتقر نفسه وأصيب باليأس والقنوط. 

- الغفلة عن أسرار المحن والابتلاءات: وذلك أن المسلم عندما يرى كثرة المحن، والابتلاءات، ويغفل عن أسرارها أصيب بالهزيمة النفسية وما يتبعها من التطير والتشاؤم وفقدان الأمل. 

- الإقامة في وسط انتشر فيه التطير وفقدان الأمل: وذلك عندما يعيش المسلم في وسط مريض بالتطير، ولا سيما إذا كانت هذه الإقامة قبل النضج، وكمال التربية، وحينئذ يتأثر بهذا الوسط، ويصاب هو الآخر بالتطير وفقدان الأمل. 

- الغفلة عن طبيعة الصراع بين الحق والباطل: قد يغيب عن بال المسلم طبيعة الصراع بين الحق والباطل، ويرى اليوم نشوة الباطل، وانتفاخه، وقوة صولجانه، وضعف الحق، وقلة أنصاره، وانزواءه، فيظنها سُنَّة عامة مضت بها كل العصور، وستبقى كذلك إلى آخر الزمان، وحينئذ يصاب بالتطير وفقدان الأمل. 

- الغفلة عن عواقب التطير وفقدان الأمل: وذلك أن الغفلة عن هذه العواقب الدنيوية والأخروية، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة يوقع بلا شك في هذا العائق. 

علاج التطير وفقدان الأمل

على كل من أراد أن ينقذ نفسه من الوقوع في عائق التطير وفقدان الأمل اتباع الخطوات التالية: 

1- معرفة الله تعالى حق المعرفة، معرفة تورث الثقة واليقين، وأن كل شيء بيده سبحانه وتعالى، وأن ما يحدث في هذه الدنيا إنما هو بقدره وحكمته، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد: 22).  

2 – معرفة النفس معرفة حقيقية تدفعها إلى مقاومة التشاؤم، والانهزام النفسي، والثقة بأنها قادرة بعون الله ومدده على الكثير، شريطة أن تتجرد من حظوظها، وأن تتواضع لربها، وأن تستسلم له وتخضع، وتنقاد.  

3- معرفة فقه المحن والابتلاءات، وأنها ليست أبدًا دليل عدم الرضا من الله، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم، فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة» (صحيح الترغيب: 3402). 

4- الانسلاخ من صحبة المتشائمين، والارتماء في أحضان المتفائلين الواثقين بربهم، وبمنهجهم، وبأنفسهم، وبأمتهم الآخذين من ماضيهم العبرة لحاضرهم، فإن مثل هذا الانسلاخ له دور كبير في علاج التطير، وتحلية النفس بالتفاؤل.

5- التذكير الدائم بعواقب التطير الدنيوية، والأخروية، الفردية والجماعية، فإن ذلك له دور كبير في علاج التطير، واستبدال التفاؤل به(2).

 

 

 

 

 

__________________ 

(1) شرح كتاب التوحيد، ابن عثيمين (1/ 26).

(2) آفات على الطريق، أ.د. السيد محمد نوح (3/ 123)، بتصرف.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة