06 فبراير 2025

|

نظرة على الأطفال في مناطق النزاع.. اليمن نموذجاً

علي عبد الجواد

02 فبراير 2025

6562

تؤثر النزاعات المسلحة على المجتمع اليمني بشكل عام، وعلى الأطفال ونموهم ومستقبلهم الدراسي والعلمي بشكل خاص؛ ولأن الأطفال هم الحلقة الأكثر ضعفًا في مناطق النزاعات؛ فإنهم الأشد تأثرًا وعرضة للأخطار، حث يتعرضون للقتل والإعاقة والتشرد وفقدان الأسرة والحرمان من التعليم والرعاية الصحية.

ويواجه الأطفال في اليمن واقعًا مأساويًا تتداخل فيه الأزمات الإنسانية والنفسية والاجتماعية، في ظل نزاع مسلح طال أمده ودمر حياتهم.

وقد شهد اليمن تدهورًا كارثيًا ألقى بظلاله على حياة ملايين الأطفال، منذ اندلاع النزاع المسلح بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي عام 2015م، إذ بلغ إجمالي عدد النازحين بحسب تقرير «الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن 2024»، نحو 4.5 ملايين شخص، يشكل النساء والأطفال 80% منهم، وهو ما أكده أيضًا «التقرير العالمي 2024: اليمن»، الذي أفاد بأن هناك أكثر من 3.1 ملايين طفل نازح داخليًا في اليمن.

واقع مرير

وفي ظل النزاع، كان الأطفال في هذا البلد الممزق أولى ضحاياه، حيث قتل وأصيب أكثر من 11500 طفل، وفقًا لتقرير صادر عن «يونيسف»، في مارس 2024م، ليصبحوا أرقامًا مأساوية في سجل حرب لا ترحم، وتشير تقديرات إلى أنه في كل يوم، يقتل أو يصاب 8 أطفال، وهذه الحصيلة المرعبة ليست سوى لمحة عن حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في زمن الحرب.

وتكشفت مأساة أخرى في ظل هذه الحرب القاتلة، إذ تم الزج بنحو 10 آلاف فتى في صفوف الفصائل المسلحة، ليخوضوا صراعات لا علاقة لهم بها، ليجدوا أنفسهم ضحايا للعنف والاستغلال، ومحاصرين في دوامة الصراع الأهلي.

وفي ظل هذا الخراب، يعاني أكثر من 600 ألف طفل في اليمن من سوء التغذية الحاد، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في أغسطس 2024م، وهو مشهد مأساوي يعكس الواقع المؤلم، ويؤكد أن الأطفال في اليمن لا يعانون فقط من قسوة الحرب، بل أيضًا من غياب أبسط حقوقهم الإنسانية.

انهيار التعليم

وفي مناطق النزاع، لا تقتصر المأساة التي يعيشها أطفال اليمن على فقدان الغذاء والمأوى، بل تمتد إلى أحد أخطر الجوانب وأكثرها تأثيرًا على مستقبلهم؛ التعليم، فمع استمرار الصراعات في اليمن، باتت المؤسسات التعليمية هدفًا للهجمات أو ساحةً لأغراض عسكرية؛ ما أدى إلى انقطاع آلاف الأطفال عن التعليم، وتركهم دون أفق واضح للمستقبل.

وتشير التقارير الأممية إلى أن أكثر من 4.5 ملايين طفل يمني؛ أي ما يعادل طفلين من كل خمسة، متسربون من التعليم؛ بسبب تدمير آلاف المدارس، واستخدام بعضها كثكنات عسكرية أو ملاجئ للنازحين.

وتسهم عدة عوامل في تفاقم ظاهرة التسرب المدرسي في اليمن، أبرزها تأثير النزاع المسلح الذي دمر العديد من المدارس؛ ما جعلها غير صالحة للاستخدام، كما أدى الوضع الاقتصادي الصعب إلى لجوء الأسر إلى إرسال أطفالها للعمل بدلاً من التعليم؛ ما زاد من معدلات التسرب، وقد ساهم غياب أو نقص الأدوات التعليمية وغياب المعلمين في التأثير على جودة التعليم بفي جميع مراحله بكل مناطق النزاع.

أزمات نفسية

أدمت الأزمات النفسية والمعنوية قلوب أطفال اليمن، حيث تجاوز الألم حدود الجسد ليطال أعماق الروح، فالحرب لا تقتصر على تمزيق الأجساد أو تدمير الممتلكات، بل تحفر في ذاكرة الأطفال جروحًا غير مرئية تظل تلاحقهم طوال حياتهم، والبيئة القاسية التي يعيشون فيها مليئة بالصدمة والانفصال عن الواقع؛ ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية عميقة كالاكتئاب والقلق، ناهيك عن اضطراب ما بعد الصدمة، التي تجذبهم نحو الظلام، وتثقل خطواتهم نحو المستقبل.

وتشير التقارير إلى أن هؤلاء الأطفال، في ظل هذا الواقع المرير، يعانون من فقدان الأمان الأسري، حيث تفاقمت حالات التشرد واليتم على نطاق واسع، كما تشظت عوائلهم بين ويلات الحروب ومآسي النزوح، وهو ما أثر بالسلب على هؤلاء الأطفال الذي يتنقلون مع أسرهم كل يوم هربًا من الحروب التي تلاحقهم بحثًا عن أمان لا يجدوه، وهو ما رسخ في دواخلهم شعورًا دائمًا بالخوف والضياع.

التجنيد القسري

وفي اليمن، يجبر العديد من الأطفال على الانخراط في النزاعات المسلحة، إما بالقوة أو نتيجة لاستغلال الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشون فيها، حيث توثق التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة و«هيومن رايتس ووتش» الانتهاكات المستمرة من قبل الفصائل المسلحة التي تجعل من الأطفال أداة للحرب؛ ما يحرمهم من أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة والتعليم والرعاية.

وإلى جانب التجنيد القسري، يعد تهديد الألغام الأرضية أحد أبرز الأخطار التي تهدد حياة الأطفال حتى بعد انتهاء الصراعات، إذ يعتبر اليمن من أكثر البلدان تضرراً من هذه الظاهرة، حيث تظل الألغام كامنة في الأرض، مهددة حياة الأطفال الذين قد يفقدون أطرافهم أو حياتهم بسبب هذه المتفجرات.

ويعد اليمن من أكثر الدول التي سجلت فيها المنظمات الدولية ارتفاعًا ملحوظًا بين المعاقين بسبب النزاعات الداخلية، حيث أكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)، في يناير 2024م، أن نسبة المعاقين تجاوزت 5 ملايين نسمة؛ أي ميا يعادل 15% من الشعب اليمني، مع ارتفاع كبير جداً لنسبة الأطفال المعاقين، وعلى الرغم من عدم الوصول إلى أعداد محددة للأطفال المعاقين بسبب الحرب، فإن تقريراً للمكتب أشار إلى أن إجمالي المعاقين في محافظة تعز قد بلغ 10128 معاقًا مسجلين، تجاوزت نسبة الأطفال بينهم 80%، وهو ما يشير إلى أن الضرر الأكبر من الألغام يصيب الأطفال الذين يعبثون بتلك الألغام تارة، أو تضرب أطرافهم مدفونة تحت الأرض تارة أخرى.

ويبقى أن أطفال اليمن أصبحوا يمثلون نموذجًا صارخًا لمعاناة الطفولة في مناطق النزاعات؛ فالحرب التي يعيشونها ليست مجرد صراع مسلح، بل هي كارثة إنسانية متعددة الأبعاد، تدمّر مستقبلهم وتسرق طفولتهم، ويهدد استمرارها القضاء على جيل كامل إما قتلًا أو إعاقة أو تسربًا من التعليم إلى الأمية.


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة