اهتم الإسلام أهمية بالغة بالسمعة الحسنة وحرص عليها، لأنها عنوان المؤمن الحقيقي، فلم يخلد التاريخ ذكر إنسان كان سيء السمعة، بل إن السمعة الحسنة هي التي تكسب الإنسان حب الناس والذكر الحسن الجميل، فيظل محفوراً في الذاكرة، تتناقل الألسنة ذكره عبر العصور المختلفة.
وقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صاحب سمعة طيبة وذكر حسن في قومه، ولقد شهد له بذلك المشركون والكفار قبل المسلمون، كما أن السمعة التجارية الطيبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولقبه “الصادق الأمين” هي التي جعلت السيدة خديجة رضي الله عنها تختاره للتجارة ثم للزواج فيما بعد.
وإذا كانت السمعة الحسنة والسيرة الطيبة مطلبين ضروريين ومهمين في حياة الفرد والمجتمع بصفة عامة، وإذا كان المسلم يحرص عليهما ويريد تحقيقهما ليفوز بالذكر الحسن بين الأقران، فالتاجر في ذلك أكثر حرصاً وأشد تأكيداً، لأنهما يمثلان بالنسبة له أساس النجاح والاستمرار والتميز بين الأقران.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة في الحفاظ على السمعة الحسنة، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية والتي أوردها العم عبدالعزيز محمد الحمود الشايع في كتابه “أصداء الذاكرة” (ص 170-171)، والتي توضح حرص التاجر الكويتي على السمعة الطيبة، وتوضح قيمة النصيحة الغالية التي أسداها التاجر خالد الزيد الخالد رحمه الله للتاجر عبدالعزيز محمد الشايع، حيث كان حريصاً على لفت انتباهه لأهمية السمعة الحسنة التي تتمتع بها عائلته، وضرورة المحافظة عليها والتمسك بها كما فعل الآباء والأجداد.
يروي القصة العم عبدالعزيز محمد الشايع قائلاً: “ما زلت أذكر هذه الحادثة التي حدثت لي في مستهل عملي التجاري في الكويت، حين كنت في فترة من الفترات مسؤولاً عن العمل، حيث بعت قماشاً لأحد محلات تجزئة أقمشة النساء، وبعد أيام عدة رفض المشتري استلام البضاعة، مدعياً أنها تختلف عما تم الاتفاق عليه في ورقة سند البيع، وبدوري صممت على سلامة موقفي، عندها اتفقنا أن نذهب إلى محكم، وكان المحكم هو خالد الزيد الخالد رحمه الله، فذهبنا إليه وشرح كل منا موقفه في هذا الاختلاف، وعندها طلب خالد الزيد من المشتري أن يذهب إلى عمله وبقيت معه.
وكان رحمه الله بعيد النظر ويقدر الوالد، فقال لي: لو كان هذا الموضوع يعرف عنه والدك لما قبل أن تأتي إليَّ للتحكيم، فالشايع ليس هذا أسلوبهم في العمل، ووالدك لا يقبل أن يضغط على مشتر إذا كان لا يرغب في إتمام الشراء، وبالتالي أنصحك حتى لو كان لديك حق أن تتنازل عنه ولا تتخاصم مع مشتر أبداً، لقد كان كلامه درساً لي لن أنساه، وهو يعطي صورة كاملة عن أسلوب العمل التجاري والعلاقات التجارية، ومستوى العلاقات بين الناس في ذلك الزمان وتقدير بعضهم لبعض.
وهكذا قدم لنا التاجر خالد الزيد الخالد رحمه الله درساً عملياً موضحاً فيه أهمية السمعة الحسنة، وكيف أنها رأس المال الحقيقي للتاجر الكويتي في كويت الماضي، كما أن تفهم التاجر عبدالعزيز الشايع لتلك النصيحة وهذا التوجيه وأهميته في حياته العملية كان له أكبر الأثر في نجاحه وتقدمه في عالم التجارة فيما بعد، وهكذا كان أهل الكويت من أبناء هذا الجيل الفريد، كانت قلوبهم مليئة بالخير والإخلاص لأبناء جلدتهم، وضربوا أروع الأمثلة في الحفاظ على السمعة الحسنة فأصبحوا قدوات يحتذى بها، ويذكرون بالخير في كل المواقف، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.
WWW.ajkharafi.com