نستطيع أن نعرف الثقة في أبسط معانيها على أنها: “علاقة قائمة على عدم الشك بنوايا وأخلاق الآخرين”، فيقال: استوثقت من فلان، وتوثقت من الأمر إذا أخذت فيه الوثاقة؛ وأخذ الأمر بالأوثق؛ أي: الأشد الأحكم (ابن منظور، لسان العرب، مادة “وثق”، ج10، ص 371)، وتعد الثقة نموذجاً لتوقع النوايا الحسنة بناءً على معرفة وتعامل مسبق بين الأشخاص بعضهم بعضاً أو بين المؤسسات والأشخاص أو بين المؤسسات بعضها بعضاً، وهي نتيجة لمجموعة من الصفات والخصال الحميدة من أهمها الأمانة والصدق والوفاء والسمعة الحسنة.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام ولاسيما من عمل منهم بمهنة التجارة أمثلة رائعة في اكتساب ثقة من يتعاملون معهم والحفاظ على السمعة الحسنة في مجتمعهم التجاري الصغير والكبير، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه المواقف الواقعية إصدار بيت الزكاة “محسنون من بلدي” (مستشار التحرير د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي، ج11، ص 113-127) ، والتي توضح حرص التاجر الكويتي على أن يكون موضع ثقة بين أقرانه، وأن يحكم بينهم بالعدل.
وخلاصة تلك المواقف أن التاجر عبدالعزيز زاحم العثمان الزاحم بدأ حياته العملية تاجراً صغيراً كغالبية أبناء جيله من التجار، وكانت حياته التجارية في بداياتها في السنوات التي قضاها بين الهند وسواحل أفريقيا مليئة بالقصص والحكايات، بعضها محزن كسنة “الطبعة” التي خسر فيها معظم التجار جزءاً كبيراً من تجارتهم، وكان هو من بينهم، ولكنه بالمثابرة والإصرار عوض ما خسره في السنة التالية بفضل الله تعالى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التاجر عبدالعزيز الزاحم اشترك مع أخيه محمد في إدارة أعمال العائلة بعد وفاة والدهم رحمه الله، حيث كان محمد يديرها داخل الكويت، وعبدالعزيز يسافر خارج البلاد ما بين الهند والبصرة وسواحل أفريقيا (زنجبار)؛ حيث كان يستورد المواد الغذائية الأساسية كالأرز والسكر والشاي والهيل والبن، وكانت لسمعة التاجر عبدالعزيز الزاحم الطيبة وثقة التجار به أكبر الأثر في حياته العملية؛ حيث كانت هذه المواد تباع وهي في عرض البحر قبل أن تصل شواطئ الكويت نظراً لصدقه وأمانته وضبطه للعمل وحسن إدارته.
ومما يروى عنه أيضاً في هذا المجال أنه لجأ إليه هو وأخيه محمد مجموعة من التجار في منطقة القبلة لاقتسام أنصبتهم من الذهب الذي استوردوه من الهند بطرق خاصة آنذاك، فكل منهم له وجهة نظر في استحقاقه أكثر من الآخر، فحينها لجؤوا إليه ليحكم بينهم، وذلك نظراً لخبرته ومعرفته لأدوار جميع التجار في كل مرحلة من مراحل التجارة، وقد امتثل الجميع للقسمة التي أقرها هو وأخوه محمد لثقتهم في عدلهما وحكمتهما وخبرتهما.
ونظراً لثقة الجهات الرسمية والدولة به أيضاً، فقد تم اختياره عضواً في أول لجنة تثمين ببلدية الكويت للاستفادة من خبرته الواسعة في تقييم العقار – وكان ذلك تطوعاً منه – لمدة عشر سنوات (ما بين عامي 1956 و1966)، حيث كانت الدولة في تلك الفترة تستملك البيوت والأسواق داخل السور الثالث لتشجيع المواطنين على السكن خارج السور في مناطق السكن النموذجية.
وقد شاركه في هذه اللجنة السادة عبدالله السدحان، وعلي المواش، وأحمد الفهد، وأحمد محمد البحر، رحم الله الجميع وجزاهم خير الجزاء.
وهكذا ضرب لنا التاجر عبدالعزيز الزاحم رحمه الله نموذجاً رائعاً من الأمانة والحكمة، وقد أدت هذه الأمانة وتلك الحكمة إلى اكتساب ثقة الجميع أفراداً ومؤسسات.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.