في المرتبة الخامسة والأربعين بين دول العالم من حيث الكثافة السكانية تقع ماليزيا بتعداد يبلغ 32 مليون نسمة تقريباً، يعيشون على مساحة 330 ألف كم مربع، وتتميز ماليزيا ببيئة صحية من حيث المناخ، فالثبات النسبي لدرجات الحرارة يحمي السكان من تقلبات الجو التي تتسبب في أماكن أخرى من العالم في كثير من الوعكات الصحية؛ حيث تتراوح درجات الحرارة طوال العام حول معدلات متقاربة بين 28 و38 درجة، لكن ارتفاع مستوى الرطوبة يشكل شعوراً بحرارة الجو بصورة أعلى من الدرجة الفعلية.
يبلغ معدل النمو السكاني في ماليزيا 1.7%، وهو ما يجعلها في المرتبة 74 عالمياً، ونتيجة لزيادة تعداد السكان وأعمارهم؛ فإن الحكومة تسعى دائماً لتطوير المشافي الحالية القائمة من خلال إعادة تجهيزها، وبناء وتجهيز مستشفيات جديدة، والتوسع في أعداد المستوصفات، وتحسين مجال التدريب والتوسع في الرعاية الصحية عن بُعد.
على مدى العقد الأخير، زادت وزارة الصحة الماليزية من جهودها لإصلاح النظم وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وتبذل الحكومة الماليزية جهوداً كبيرة لتوسيع وتطوير خدمات الرعاية الصحية، فحسب الموازنة الأخيرة تنفق ماليزيا 5% من الموازنة العامة على تطوير الرعاية الصحية، وذلك بزيادة 47% عن ذي قبل؛ وهو ما يعني زيادة إجمالية قدرها أكثر من ملياري رينجيت ماليزي (نصف مليار دولار).
الأمهات والرضع
حسب تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2018م، سجلت ماليزيا في مؤشر وفيات الأمهات 40 حالة من بين كل 100 ألف حالة ولادة، آخذين في الاعتبار عدد مرات الولادة المرتفع جداً بماليزيا مقارنة بأوروبا وأمريكا.
وطبقاً لآخر البيانات المتوافرة في الفترة من عام 2007 إلى 2017م، حققت ماليزيا رقماً متميزاً في عدد الولادات التي تتم على أيدي متخصصين مهرة؛ حيث إن 99% من الولادات في ماليزيا تتم على أيدي أطباء متخصصين، ويرجع هذا إلى برنامج الحكومة في رعاية الأمهات الحوامل والمرضعات.
وفي تصريحات لـ”المجتمع”، يقول د. أكمل، وهو طبيب الاستقبال بمستشفى سيبرانجايا: من اليوم الأول لمعرفة الأم أنها حامل يفتح لها سجل في المستشفى المركزي والعيادة الأقرب لها، وعليها أن تتابع شهرياً مع طبيبة الولادة لعمل التحاليل الدورية وأخذ الأدوية اللازمة حسب نتائج التحاليل حتى تاريخ الولادة، ثم إجراء عملية الولادة الطبيعية أو القيصرية حسب الحاجة، كل هذا بتكلفة لا تزيد على 25 دولاراً للماليزيات، وهو دعم هائل إذا ما قورن بثمن الخدمة التي تقدم للأجانب التي تتراوح بين 2500 و3000 دولار.
بعد الولادة يتم الفحص الطبي الشامل للأم والرضيع ومتابعة الحالة الصحية لهما، وتصرف من المستشفى بعد يومين إن لم تكن هناك حاجة للبقاء فترة أطول، ويحول ملف الأم والمولود إلى عيادة متخصصة لرعاية الصغار لمتابعتهما (الأم والمولود)، تبدأ هذه المتابعة بزيارة من المرشدة الأسرية للمنزل مرة في كل أسبوع للإشراف على نظافة المنزل، وتوعية الأمهات الجديدات، وإرشاد الأمهات القدامى، ثم متابعة التطعيمات الدورية للمولود، أسفرت هذه الرعاية عن معدل منخفض لوفيات الرضع -وهو معيار تحديد الكفاءة العامة للرعاية الصحية– حيث بلغ 8.3 حالة لكل ألف طفل ولد حياً ليحتل المركز السابع آسيوياً، ومقارباً للمعدلات العالمية، ومتفوقاً على بعض الدول في أوروبا والأمريكتين.
مؤشرات الرعاية الصحية
نظرة سريعة على مؤشر “العمر المتوقع عند الولادة”، وهو أحد المؤشرات التي تستدل بها منظمات الصحة حول العالم لقياس تطور الخدمات الصحية، توضح لنا التطور الذي شهده القطاع الطبي، فقد ارتفع المؤشر من 69 عام 2006م إلى 73.4 عام 2018م.
وقد أسهمت التوعية الصحية والدينية في تراجع معدلات الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز إلى مستوى قياسي، حيث سجلت ماليزيا (تقرير عام 2017م) 0.19 حالة لكل 1000 من السكان غير المصابين، وقد مثلت المعدلات المرتفعة للإصابة قبل 10 سنوات من الآن معضلة حين وصلت حالات الإصابة إلى 20 حالة لكل 1000 من السكان غير المصابين، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2008م.
وفي مرض الربو، على الرغم من انتشار عادة التدخين السيئة بين الماليزيين، فإن حالات الربو المسجلة وفقاً لتقرير عام 2017م بلغت 92 حالة لكل 100 ألف من السكان، مقارنة بأعداد وصلت إلى 300 و500 و700 في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وتولي وزارة الصحة الماليزية عناية فائقة لمتابعة المدارس والإشراف عليها؛ حيث يقوم فريق طبي متخصص بزيارة ميدانية مرتين سنوياً لكل مؤسسة تعليمية لإبداء الملاحظات، وتقييم المخاطر المحتملة، ويقدم تقريراً مفصلاً ترسل نسخة منه إلى وزارة الصحة، وأخرى إلى الإدارة التعليمية التابعة لها المؤسسة، وعلى المؤسسة أن تقوم بالتعديلات اللازمة حتى لا تتعرض للإغلاق والمساءلة.
أيضاً تقوم المستشفيات المتواجدة في محيط المؤسسات التعليمية برصد حالات الأمراض المعدية وعزل حالات العدوى ما دامت حالات فردية، فإن وصلت حالات العدوى إلى ظاهرة فإنها تقوم بإغلاق المؤسسة فترة من الزمن مع استمرار المتابعة والتقييم إلى أن تطمئن إلى الاستقرار الكامل.
ويتمتع الطلاب الماليزيون بنظام تأمين صحي شامل في كل مراحل التعليم، وهو مجاني تماماً بالنسبة للتعليم ما قبل الجامعي؛ حيث يكتفي الطالب بخطاب من المدرسة التابع لها ليتوجه إلى العيادة المتخصصة التي توجهه إلى الطبيب حسب الحالة في أربع درجات للخطورة (A,B,C,D)، حيث يتم التشخيص اللازم، ويصرف له العلاج، أو يتم تحويله إلى المستشفى المركزي في حالات العناية الفائقة والعمليات الجراحية.
لم أجد بين طلاب المدارس شكوى من جودة الخدمة؛ حيث يتلقون الخدمة في المستشفيات العامة بكافة أنواعها، وهي على درجة عالية من الكفاءة.
أما طلاب الجامعات، فتتوقف جودة الخدمة المقدمة على مستوى الجامعة؛ حيث قابلت بعض الطلاب كانوا راضين تماماً عن الخدمة الصحية التي يقدمها المستشفى الجامعي؛ لأن جامعاتهم خصصت جزءاً جيداً من مواردها لدعم المستشفى وتشغيله، مثل طلاب الجامعة الإسلامية العالمية، وجامعة ماليزيا للعلوم والتكنولوجيا، وغيرهما، وقابلت أيضاً بعض الطلاب في جامعات أخرى لا يتعاملون مطلقاً مع المستشفى الجامعي ويفضلون العيادات الخارجية الخاصة المدفوعة نظراً لتردي مستوى الخدمة من حيث كفاءة الفريق الطبي والأدوية المتاحة.
عقبات وحلول
يقوم القطاع الطبي عموماً على نظام فعال وعلى نطاق واسع من الرعاية الصحية، كما يوجد أيضاً قطاع صحي خاص، ويتطلب نظام الرعاية الصحية في ماليزيا من الأطباء أداء خدمة إلزامية لمدة خمس سنوات في المشافي الحكومية قبل السماح لهم بممارسة الطب في العيادات الخاصة؛ وذلك لضمان القوة العاملة في هذه المستشفيات والحفاظ عليها.
كما تم تشجيع الأطباء الأجانب في الآونة الأخيرة على العمل في ماليزيا، ولا يزال هناك مع ذلك نقص في القوى العاملة في المجال الطبي، لا سيما أن الاختصاصيين غالباً ما يتوافرون فقط في المدن الكبيرة، وقد تعطلت الجهود التي بذلت مؤخراً لتقديم الخدمات في مناطق أخرى بسبب قلة الخبرة في تشغيل المعدات المتاحة من الاستثمارات المقدمة.
توجد غالبية المستشفيات الخاصة في المناطق الحضرية وبوفرة، على عكس العديد من المستشفيات العامة، وهي مجهزة بأحدث مرافق التشخيص والتصوير، وكانت المستشفيات الخاصة عموماً لا ينظر لها على أنها مثالية للاستثمار، فقد تمر أحياناً عشر سنوات قبل أن تشهد أي أرباح، مع ذلك فقد تغير الوضع الآن وبدأت الشركات البحث في هذا المجال من جديد، لا سيما في ضوء الاهتمام المتزايد من قبل الأجانب في القدوم إلى ماليزيا لتلقي الرعاية الطبية؛ حيث تركز الحكومة مؤخراً على تطوير صناعة السياحة الطبية.