أكد أمير الجماعة الإسلامية بالهند الشيخ سيد جلال الدين عمري (*) أن نظام الحكم في الهند ديمقراطي يقوم على تداول السلطة بين الأحزاب المختلفة، مشيراً إلى أن هذا يتيح للمسلمين حيزاً كبيراً من الحرية، قائلاً: نحن نتمتع بحرية كبيرة في ممارسة عبادتنا وشرائعنا الإسلامية، ونقوم بأداء الصلاة بكل حرية، ونؤدي فريضة الصيام، ونقوم بجمع الزكاة وتوزيعها على المستحقين، والحمد لله نمارس الحرية الدينية في الهند في أعلى مستوياتها.
وأشار، في حواره مع “المجتمع”، إلى أن بعض مواقف الحكومة فيها معاداة للإسلام والمسلمين، لكن استطرد أن الدستور يضمن حرية العبادة وممارستها؛ فليس من السهل على أي حكومة أن تقوم بإجراءات معادية للمسلمين بشكل عام.
بداية، حدّثنا عن أحوال المسلمين في الهند.
– الهند دولة كبيرة، واسعة الأطراف، وعدد سكانها مليار و350 ألف نسمة، نسبة المسلمين -حسب الإحصاء الرسمي- %15 من تعداد السكان، والمسلمون منتشرون في جميع أنحاء البلاد، ونسبتهم تتأرجح بين الزيادة والنقصان في كل ولاية من الولايات الهندية؛ ففي ولاية آسام، على سبيل المثال، نسبة المسلمين فيها %33 وفي بنغال الغربية %27 وولاية كيرلا %25 وتوجد ولاية في شمال وسط الهند نسبة المسلمين فيها %25 وبقية الولايات تتراوح بين 2 – %20.
ما طبيعة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين؟
– العلاقة بين المسلمين وغيرهم طيبة جداً بنسبة كبيرة، والتعايش موجود في المدارس والمكاتب والأعمال التجارية والمطاعم وغيرها، ولا يمكن أن ننفصل عنهم.
هل هناك مشاركة من قِبَل المسلمين في الحياة السياسية؟
– للمسلمين دور كبير في صناعة السياسة الهندية قبل الاستقلال وإلى يومنا هذا، فعلى سبيل المثال؛ هناك من المسلمين من يتم انتخابهم نواباً في البرلمان المركزي، ففي ولاية كيرلا وحدها هناك نائبان مسلمان في البرلمان المركزي، وفي ولاية حيدر آباد يوجد نائب مسلم.
ما نسبة المسلمين في البرلمان؟
– النسبة ضئيلة جداً، لكنهم موجودون، وبعضهم ينتمي لأحزاب سياسية علمانية غير إسلامية.
هل هناك مظلة تضم المسلمين جميعاً؛ مثل الجماعة الإسلامية أو غيرها؟
– يوجد الكثير من المنظمات والأحزاب الإسلامية، وربما يكون بينهم بعض الاختلافات، لكنهم متفقون في القضايا الرئيسة التي تهم الأمة المسلمة داخل الهند.
ومن أكبر المشكلات التي تواجه المسلمين في الهند مسألة الأحوال الشخصية، ومن أجل هذا الموضوع تأسس مجلس أحوال المسلمين؛ لمتابعة أحوال المسلمين الشخصية في الهند، وينضوي تحت لواء هذا المجلس كل الأحزاب والمنظمات المسلمة.
هل يعمل هذا المجلس تحت مظلة الحكومة؟
– هو مجلس عام للمسلمين في الهند لمواجهة أي قضايا أو خلافات أو معارضة من الحكومة أو من المحاكم داخل الهند تناقش قضايا تهم المسلمين، وتتعلق بحياتهم وأحوالهم الشخصية، في هذه الحالة يتوحد المسلمون في هذا المجلس بكافة تنظيماتهم ومؤسساتهم للرد على مثل هذا التدخل في حياتهم الخاصة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بأحوال المسلمين الخاصة كالزواج والطلاق والميراث وكافة القضايا التي تتعلق بأحوالهم الشخصية.
وكمثال على ذلك؛ هناك قضية متداولة عندنا ومثارة كثيراً خاصة بالطلاق، وهي الطلقات الثلاث في جلسة واحدة، هل يقع الطلاق أم لا، وهي محل خلاف فقهي إسلامي، لكن المحكمة -وهي تابعة للحكومة الهندية- قالت: إن الذي يطلق زوجته ثلاثاً في جلسة واحدة لا يقع الطلاق، ومن يفعل ذلك فهو مجرم يُسجن ثلاث سنوات، هذا هو حكم المحكمة، أما نحن المسلمين في هذا المجلس فنرفض هذا لأنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
وكذلك فيما يخص الميراث، نحن نطبقه (للذكر مثل حظ الأنثيين) كما هو وارد في الشريعة الإسلامية، أما المحكمة فترى أن هذا نوع من التمييز بين الرجل والمرأة.
ولمواجهة مثل هذه القضايا التي تمثل حياة المسلمين الخاصة -خصوصاً أحوالهم الشخصية- كان لا بد للمجلس الإسلامي أن يتصدى لهذه القرارات، ويقدم الرأي الشرعي في هذا الموضوع.
هل هناك حرية في بناء المساجد؟
– في الهند آلاف المساجد، ولا توجد قيود على بنائها.
كيف تتعاملون مع حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي يتزعمه رئيس الوزراء «مودي» المعادي للإسلام والمسلمين؟
– بعض مواقف الحكومة الحالية فيها معاداة للإسلام والمسلمين، لكن الدستور يضمن لنا حرية العبادة وممارستها، والمحكمة تؤيد هذا الكلام؛ فليس من السهل على أي حكومة أن تقوم بإجراءات معادية للمسلمين بشكل عام.
نظام الحكم في الهند ديمقراطي يقوم على تداول السلطة بين الأحزاب المختلفة، فالحزب الحاكم ليس حاكماً للأبد، وهذا يتيح لنا حيزاً كبيراً من الحرية، فنحن نتمتع بحرية كبيرة في ممارسة عباداتنا وشرائعنا الإسلامية، ونقوم بأداء الصلاة بكل حرية، ونؤدي فريضة الصيام، ونقوم بجمع الزكاة وتوزيعها على المستحقين، والحمد لله نمارس الحرية الدينية في الهند على أعلى مستوياتها.
ما حقيقة قضية المسجد «البابري»؟
– كانت هناك قطعة أرض مبنيٌّ عليها مسجد يسمى «البابري»، وقام الهندوس المتطرفون بالتعدي عليه قبل عدة سنوات، والقضية الموجودة أمام المحكمة تتمحور حول: من يملك هذه الأرض التي بُني عليها المسجد؟ هل هي ملك المسلمين أم الهندوس؟ موقف المسلمين من هذه القضية أن أي حكم يصدر من المحكمة سيقبلون به، لكن الطرف الثاني -وهم الهندوس- لا يقبلون الحكم، حيث يريدون بناء معبدهم على هذه الأرض.
هل تم بناء معبد على هذه الأرض المغتصبة؟
– يوجد معبد صغير تم بناؤه من قبل الهندوس، وهو بناء غير رسمي، فعندما هدم المتطرفون الهندوس المسجد، على الفور قاموا بنصب «صنم» على هذه الأرض، وشرعوا في عمل الطقوس حول هذا الصنم، ولكنهم يريدون بناء معبد كبير على هذه الأرض، حيث يزعمون امتلاكهم لها، ولا ينتظرون حكم المحكمة ولا يقبلون بحكمها، ونحن نريد إجبارهم على قبول الحكم.
هل الدولة متعاونة في هذا الموضوع؟
– الدولة أعلنت موقفها صراحة، فهي تميل إلى الجانب الهندوسي المتطرف.
هل يتم اعتقال المسلمين بسبب الفكر الديني أو السياسي؟
– يحدث هذا من حين إلى آخر بتهمة الإرهاب، وأكثر من 90 % من هذه الاتهامات ترفضها المحاكم، وتعجز الشرطة عن إثباتها، ومن ثم يتم إطلاق سراح المعتقلين، وأحياناً تأخذ المحكمة مدة طويلة للبت في هذه القضايا؛ مما يعرّض الكثير من الشباب للبقاء في السجون مدة طويلة، ويتعرضون فيها للتعذيب والتنكيل من جانب السلطات، فهذه هي المشكلة التي نعاني منها.
هل يوجد تطرف ديني في البلاد؟ وهل للإرهاب حاضنة بين مسلمي الهند؟
– لا يوجد متطرفون بين المسلمين على الإطلاق، إنما هي مجرد تلفيقات وقصص مفبركة ضد الشباب؛ لأن هناك مؤامرة من قبل الأطراف المعادية للإسلام يلفقون التهم ضد المسلمين وخصوصاً بعض الدعاة، وأكثر القضايا يتم رفضها من قبل المحكمة، ويعجز رجال الشرطة عن إثباتها، ومن ثم يتم إطلاق سراح المعتقلين في نهاية الأمر.
هل هناك مناهج ومحاضن تربوية موجهة للأطفال والشباب تتحدث عن سماحة الإسلام؟
– بالفعل توجد مدارس ومساجد كثيرة تنبذ وتكافح أفكار التطرف والإرهاب، ومسلمو الهند معتدلون ويتصفون بالسماحة، ويحاولون نشر الإسلام بطريقة سلمية بعيداً عن الأسلوب المتشدد والمتطرف، وهناك آلاف المدارس والمساجد تعتبر منابر دعوة وتوجيه للأطفال والشباب، وأغلب الدعاة في الهند ينتهجون المنهج الوسطي المحارب للتطرف والإرهاب.
______________________________
(*) الحوار أجري الشهر الماضي قبل انتخاب سيد سعادة الله الحسيني السبت الماضي أميراً جديداً للجماعة الإسلامية بالهند خلفاً للشيخ عمري.