هذه رسالة حب كتبتها الحاجة زينب الغزالي، يرحمها الله، بعد أن تحررت الكويت من ذلك الغزو العراقي الغاشم، وقد نشرتها مجلة “المجتمع” بتاريخ 15/ 12/ 1991 في العدد (980)، ونعيد نشرها اليوم بمناسبة احتفال الكويت بالأعياد الوطنية.
يسعدني أن اكتب لمجلة “المجتمع” ويسعد كل مسلم أن يعود إلى المجلة، فيقرأ بعد ذلك الشوق الطويل الذي مارسناه بمثابرة وإصرار على أنها عائدة إلينا إن شاء الله.
وقد كانت الهجمة الجاهلية على الكويت المسلمة الحبيبة أمراً أليماً فاجأت المسلمين، فبعثت فيهم صحوة جديدة لتجمع كلمتهم وتوحد صفوفهم، وتنادي بزوال غربة الكثرة منهم إلى كتاب الله تقرأه من جديد، وتستوعب منه أن الإسلام يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم، فكان صمود الكويت أمام الغاشم الذي ورط العراق المسلم فيما ورطه فيه بما جنى عليه بجاهلية حمقاء لا تدري ما حق المسلم على المسلم، وأن المؤمنين إخوة، من قام منهم بسلاح فيهم فقد خرج على الجماعة ويجب أن يُقاتل حتى يفنى، والحمد الله فقد عادت الكويت وإن شاء الله ستعيش أقوى مما كانت علماً وعطاء ومعرفة يحتويها الإسلام فتؤدي واجبها فيه ونحوه، وقد زرت الكويت 3 مرات، وكانت زيارات عمل للدعوة، فوجدت الاستجابة للحق طبيعة فطرية في شعبها، وحضرت ندوة كانت الداعية إليها أميرة من البيت الحاكم، فلم أشعر بفروق تميز الحاكمين من المحكومين، فالتواضع فطرة في أهل هذا البلد المسلم الحبيب.
ولقد عاشت الكويت بقوافلها الطيبة تنير الطريق للمسلمين أهل الحاجة في أفريقيا، وفي كثرة من أرض الإسلام التي اختبرها الله بالحاجة إلى التعاون والعون من إخوانهم المسلمين القادرين.
فلتعد الكويت بعزة ومقدرة بإيمان وصدق يقين بقوافل الخير إلى العالم الإسلامي الذي اشتدت به الحاجة إلى عون إخوانهم القادرين.
لقد شاهدت في أهل الكويت حسن الخلق والتواضع والكرم في غير استعلاء، فليس هناك فرق بين حكام ومحكومين، إنه الإسلام يربي أهله على التعاون والأمانة والحب، وقد ورد في حديث معاذ رضي الله عنه: «وجبت محبتي للمتحابين فيّ، وللمتزاورين فيّ، وللمتباذلين فيّ”(1)، وكل هذه الخصال الجميلة تتوفر في كثرة من أهالي الكويت، تغلب على من جرفتهم جاهلية القرن عن شريعة الله وكتابه.
فكان اجتياح العراق للكويت حدثاً جللاً، أفزع كل المسلمين في العالم، حتى أخذتهم الدهشة كيف يجير أخ على أخ، كيف يغير مسلم على مسلم، كيف يغير مؤمن على مؤمن، فهل من أغار واعتدى من المسلمين؟!
إنه كان أمراً جللاً، ولكن الله بعدله ورحمته اقتص من الظالم للمظلوم، وأعاد الحق إلى نصابه، وعادت الكويت في شباب وقوة، وآمال الشباب عريضة وآمال الشيوخ عاقلة متدبرة، وبكلا الحقيقتين سيعيش المسلمون في الكويت، نموذجاً حياً ينادي المسلمين من كل مكان، وفي كل مكان ليتدبروا معارف الإسلام، وحججه البالغة، ومعطياته، عندما يقول المسلمون ربنا الله، ثم يستقيموا على أمره، ويعيشوا أمناء على كتابه، مبلغين له حاكمين به، لا يحيدون عن صراطه المستقيم، ولكن به يقيمون الحكم عدلاً، بمداد من كتاب الله وببيان من سُنة رسول الله، فتعود لبلاد الإسلام عزتها وخلافتها.
فلتكن الكويت هي الخطوة الأولى إلى صراط الله المستقيم، فتصبح شامة في جبين المسلمين، وأخاطب كل من في الكويت من رجال ونساء، وشباب وشيبة، فأقول لهم: اذكروا نعمة الله عليكم، واعلموا أن الأسباب به ومنه، وأن الفاعلية له سبحانه، فهو الذي سبب أسباب نصركم، فاحذروا غضبه واعملوا على مرضاته وأقيموا كتابه فيكم، معلماً ومرشداً، فالمرء يخرج يوماً حتماً عن ماله وعن ولده وعن زوجه وعشيرته، ويقبل على الله، ليس معه إلا عمله، فاحذروا أن تعتقدوا أن غير الله هو الفاعل، ويسخر خلقه لنفاذ أمره، فأناديكم بقلب أم حانية عليكم، يا أبناء الكويت الحبيبة، أن تقرؤوا كتاب الله من جديد، وتراجعوا سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أنتم عليه منهما، فهو الحق التزموه، وما هو طارئ عليكم ودخيل فاجتنبوه، فيصلح الله لكم الأمة، وتنتصروا بالله الغني المغني، القادر ذي البطش والرحمن الرحيم، الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير له العزة والقدرة والفاعلية في الأولى والآخرة، والسائل بحق، والمحاسب بحق، والعاطي بغير مسألة أو استحقاق، والعفو الرؤوف الرحيم، وسلام طيب وتحية خالصة لأهل الكويت العزيزة علينا، والحبيبة لدينا، والله المستعان.
__________________________________
(1) أخرجه أحمد (22030) واللفظ له، ومالك (2/953)، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (3890).