1- وفاة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها:
هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهي أصغر بنات النبيِّ صلى الله عليه وسلم(1)، وأم فاطمة هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وولدت فاطمة قبل بعثة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بخمس سنين(2).
وتزوَّج علي بن أبي طالب بفاطمة سنة اثنتين من الهجرة، بعد غزوة بدر، روى النَّسائيُّ عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب قال: تزوَّجت فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله، ابنِ بي (أريد أن أدخل بفاطمة)، قال: “أعطها شيئًا”، قلت: ما عندي من شيء، قال: “فأين درعك الحطمية؟”، قلت: هي عندي، قال: “فأعطها إياه”(3).
وولدت فاطمة رضي الله عنها خمسة، وهم: الحسن، والحسين، ومحسن، وأم كلثوم، وزينب؛ فأمَّا أمُّ كلثوم، فتزوَّجها الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فولدت له زيدًا، وأمَّا زينب، فتزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فتوفِّيت عنده، وولدت له عونًا وعليًّا(4).
التشابه بينها وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم
روى الترمذي عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: “ما رأيت أحدًا أشبه سمتًا ودلًّا وهديًا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم”، قالت: “وكانت إذا دخلت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ عليها قامت من مجلسها فقبَّلته وأجلسته في مجلسها”(5).
تحفظ سرَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
روى الشيخان عن عائشة أمِّ المؤمنين، قالت: إنَّا كنا أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم عنده جميعًا، لم تغادر منا واحدة، فأقبَلَت فاطمة عليها السلام تمشي، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رآها رحَّب قال: “مرحبًا بابنتي”، ثم أجلَسَها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارَّها (أي: أخبرها بسرٍّ)، فبكت بكاءً شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصَّكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عمَّا سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه، فلمَّا توفي، قلت لها: عزمتُ عليك بما لي عليك من الحقِّ لما أخبرتني، قالت: أمَّا الآن فنعم، فأخبرَتْني، قالت: أمَّا حين سارَّني في الأمر الأول، فإنه أخبرني: “أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرَّةً، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي اللهَ واصبري؛ فإني نعم السلف أنا لكِ”، قالت: فبَكَيْت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني الثانية، قال: “يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأُمَّة”(6).
وفاتها
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: فاطمة أول مَن جُعِل لها النعش، عملَتْه لها أسماء بنت عميس، وكانت قد رأته يُصنَع بأرض الحبشة، وعن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: صلَّى العباس بن عبد المطلب على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونَزَلَ في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس، ودُفِنَت بالبقيع؛ وقد توفِّيَت فاطمة رضي الله عنها ليلة الثلاثاء، لثلاثٍ خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة هجرية، الموافق الرابع والعشرون من نوفمبر سنة 632م، وهي ابنة تسع وعشرين سنةً أو نحوها(7).
2- حادثة التحكيم ( 3 رمضان 37هـ/ 14 فبراير 658م):
انتهت معركة صفين في صفر سنة 37هـ إلى كارثة مروعة للإسلام والمسلمين، حيث سفكت دماء قرابة الخمسين ألفاً من جند العراق والشام، ثم لم ينتصر طرف على الآخر، إذ انفصل الجيشان بعد أن كاد جند العراق أن ينتصروا على جند الشام، وقد اتفق الجانبان على إرسال محكمين من كل جانب للنظر في كيفية إنهاء هذه الفتنة العمياء وذلك بعد 6 شهور.
اجتمع الحكمان في 3 رمضان 37هـ، فأرسل علي بن أبي طالب أربعمائة رجل وحكمه أبا موسى، وأرسل معاوية أقل منه وحكمه عمرو بن العاص، ودار بين الحكمين حوار طويل، ومداولات عديدة انتهت إلى بقاء الأمر على ما هو عليه، «علي بن أبي طالب» أميراً للمؤمنين يحكم على ما تحت يديه من الحجاز والعراق، واليمن ومصر، «ومعاوية» يحكم على ما تحت يديه من الشام، مع تفويض أعيان الصحابة السابقين في الإسلام للنظر في من يلي أمور المسلمين والاجتماع على رجل يكون خليفة للمسلمين، وذلك بعد أن اعتزل العديد من كبار الصحابة هذه الفتنة.
أما ما يروى في كتب التاريخ من الروايات الموضوعة والمكذوبة على هذه الحادثة، والتي تصور الصحابة بمظهر طلاب الدنيا والمناصب والسلطة المتصارعين عليها فتصف أحدهم بأنه مغفل، والآخر أنه غادر وماكر، والآخر بأنه شاتم وقادح، وهكذا وخاصة رواية الخاتم، فكلها روايات مكذوبة موضوعة باطلة سنداً ومتناً، لفظاً ومعنى، شرعاً وعقلاً، وقد تصدى أساطين العلم لها ففندوها وكشفوا بطلانها وكذبها، ويعتبر العلامة الأندلسي أبو بكر بن العربي أفضل من رد هذه الأباطيل في سِفره القيم والحافل العواصم من القواصم، وهو من الكتب المهمة لطلاب العلم وعموم الناس، خاصة من الذين ينخدعون بالروايات المكذوبة بدعوى ورودها في كل كتب التاريخ الإسلامي القديمة، ويقول الشيخ عبد المحسن العباد “قضية المكيدة أو الذي قيل إنه حصل بين أبي موسى الأشعري وهو من جانب علي رضي الله عنه، وبين عمرو بن العاص وهو من جانب معاوية رضي الله تعالى عنه، وأنهما اتفقا على أن كلاً منهما يخلع صاحبه، وأن عمرو بن العاص طلب من أبي موسى أن يبدأ، فبدأ فخلع علياً، ثم إن عمرو بن العاص لم يخلع معاوية، هذا كلام غير صحيح، وقد ذكر ابن العربي بطلانه في العواصم من القواصم، وهو لا يليق بالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، إذ كيف يتفقان على شيء فيتقدم أحدهما لتنفيذ ما اتفقا عليه ويغدر الآخر فلا يفعل ذلك(8)؟!
_________________________________
(1) سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ119.
(2) الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ16.
(3) حديث صحيح، صحيح النسائي؛ للألباني جـ6 صـ129.
(4) سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2صـ119، 125.
(5) صحيح الترمذي للألباني حديث: 3039.
(6) البخاري حديث: 6285، مسلم حديث: 2450.
(7) الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ26:23.
(8) شرح سنن أبي داود المؤلف: عبدالمحسن بن حمد بن عبدالمحسن بن عبدالله بن حمد العباد البدر (9/543).