أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تجاوز أسعار النفط مستوى 130 دولاراً للبرميل الواحد، قبل أن يتراجع نسبياً ليستقر عند مستوى ما فوق 115 دولاراً للبرميل، فضلاً عن زيادة أسعار السلع الغذائية بشكل كبير نتيجة اتجاه بعض الدول إلى وقف التصدير وتوجيهه للداخل خوفاً من تداعيات الحرب على الأمن الغذائي.
«فاو»: قد يعاني نحو 13 مليون شخص من نقص التغذية خلال العام الحالي والقادم إذا استمرت الحرب
ارتفعت أسعار القمح عالمياً بأكثر من 50% في بورصة شيكاغو (المعيار الدولي) منذ بدء الحرب؛ حيث بلغ 13.4 دولاراً للبوشل (27 كيلوجراماً)، خاصة أن صادرات كييف وموسكو تمثل حوالي 30% من تجارة القمح في العالم، بينما نمت عقود الذرة الآجلة مسجلة زيادة بنسبة 22% هذا العام، وهو أعلى مستوى منذ مايو 2021م، لتبلغ 7.3225 دولارات للبوشل.
وأشارت توقعات منظمة الأغذية (فاو) التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد الذين يعانون من نقص التغذية قد يرتفع ما بين 8 ملايين و13 مليوناً خلال العامين الحالي والمقبل إذا استمرت الحرب.
وحذر كل من صندوق النقد، والبنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية من أن الاقتصاد العالمي برمته سيشعر بالتبعات من خلال نمو أبطأ وبلبلة في المبادلات التجارية، وسيكون الأكثر فقراً وهشاشة هم الأكثر تضرراً.
وفي ظل هذا المناخ الاقتصادي المضطرب، تأتي الدول الإسلامية بين دول العالم لتنال منها تلك الأزمة، إلا أن تداعيات الأزمة على دولنا الإسلامية تختلف من دولة إلى أخرى بناء على مكونها الاقتصادي ومدى احتياجها إلى الخارج.
الدول العربية
وتعتبر الدول العربية من المتضررين من تلك الأزمة كونها تعتمد على استيراد أغلب احتياجاتها من الغذاء، خاصة البلدان العربية غير المصدرة للنفط؛ حيث ستعاني من معدلات تضخم مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار النفط والغذاء.
البلدان العربية غير المصدرة للنفط ستعاني من معدلات تضخم مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار النفط والغذاء
وتعاني الدول العربية من ارتفاع فاتورة استيراد الأغذية من الخارج بالعملة الصعبة من سنة إلى أخرى، إذ وصلت قيمة فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية نحو 100 مليار دولار سنوياً، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية في مايو 2020م.
وتستورد الدول العربية نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح، بينما الذرة الذي يعد المكون الأكبر للأعلاف اللازمة لإنتاج اللحوم الحمراء والدواجن، تستورد منه نحو 75% من الاحتياجات.
كذلك تستورد من الأرز نحو 55% من حاجتها، و65% من السكر، و55% من الزيوت النباتية، ونحو 30% من لحوم الدواجن، وذلك بحسب تقرير أوضاع الأمن الغذائي العربي، الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية.
ومن أكثر الدول العربية التي تعتمد على استيراد أغلب احتياجاتها من الغذاء مصر والسعودية والإمارات والجزائر والعراق والأردن ولبنان واليمن والكويت وقطر وفلسطين والبحرين وسلطنة عُمان.
إلا أن الدول المصدرة للنفط ستحل إيراداتها المرتفعة بسبب زيادة أسعار النفط محل فاتورة نفقاتها على السلع الغذائية المستوردة التي ستتزايد؛ ما يعني أن الأزمة الحقيقية ستكون لدى الدول العربية غير المصدرة للنفط.
ومصر من أبرز الدول غير المصدرة للنفط، التي تعد أكبر مستورد للقمح بواقع 12.1 مليون طن سنوياً، بالإضافة إلى أنها تستورد نحو 32 إلى 35% من احتياجاتها من الوقود شهرياً بواقع 2.1 مليون طن؛ علماً بأنها اعتمدت في ميزانيتها سعر النفط عند 62 دولاراً، ومع وصوله إلى 115 دولاراً للبرميل، فإن الموازنة ستتكبد عجزاً كبيراً مقابل هذا الفارق.
فضلاً على أن الحكومة المصرية تستورد حوالي 60% من احتياجاتها الغذائية، التي تقدر قيمتها بحوالي 15 مليار دولار، وذلك وفق البيانات الرسمية لعام 2020م.
كذلك يعد الأردن أحد أبرز الدول المتضررة، فهو يستورد نحو 95% من احتياجاته من الغذاء، حيث تصل قيمة وارداته من المنتجات الغذائية والحاصلات الزراعية نحو 4.5 مليارات دولار.
ووفقاً لبيانات التقرير السنوي لوزارة الطاقة، فقد بلغت واردات الأردن نحو 12 مليوناً و282 ألف برميل عام 2020م.
أيضاً المغرب وتونس يستوردان نحو 50% من احتياجاتهما من الغذاء، بينما تستورد الرباط أكثر من 90% من الاحتياجات الطاقية من الخارج، فيما تستورد تونس نحو 60% من احتياجاتها النفطية.
ويعد لبنان كذلك البلد الأكثر تأثراً بالأزمة التي تضاف إلى أزمته الاقتصادية العميقة، فهو يستورد ما يزيد على 85% من احتياجاته الغذائية سنوياً.
تركيا
تعد تركيا إحدى أبرز الدول الإسلامية تضرراً، خاصة أنها تقع على حدود الدول المتنازعة، بالإضافة إلى وجود علاقات اقتصادية وتبادلات تجارية تربطها بها؛ فتركيا التي يمثل سياح كل من روسيا وأوكرانيا نحو 27% من إجمالي السياحة الوافدة إليها، سوف تتأثر بشكل كبير نظراً لاعتماد أنقرة على الإيرادات السياحية من العملات الصعبة لدعم عملتها التي تعاني حالياً من تراجع مستمر؛ حيث يتوقع أن يتسبب الغزو الروسي في خسارة قطاع السياحة التركي نحو 30%، وفق تصريحات لنائب رئيس الاتحاد الفندقي التركي «بولنت بول أغلو».
كما تعد تركيا من ضمن المستهلكين الرئيسين للمنتجات الزراعية الأوكرانية بقيمة 1.07 مليار دولار سنوياً، أما فيما يتعلق بصادرات الحبوب تحديداً، فإن تركيا تستورد من أوكرانيا ما قيمته 473 مليون دولار، وسيتسبب اعتماد تركيا على روسيا وأوكرانيا في استيراد المنتجات الزراعية خاصة القمح والشعير، في ضغوط تضخُّمية إضافية على الاقتصاد التركي الذي يواجه حالياً أكبر معدل للتضخم منذ 20 عاماً عند 54.4% على مدى عام في فبراير الماضي، فضلاً عن اعتماد أنقرة على استيراد حاجتها من الطاقة بنحو يصل إلى 100%، حيث تجاوزت فاتورة واردات الطاقة في العام الماضي 55 مليار دولار؛ ما يعني أنه مع تزايد أسعار الطاقة بشكل كبير فإن فاتورة الطاقة سترتفع وستنعكس على معدلات التضخم.
كذلك قد يؤدي صعود أسعار النفط إلى تزايد الشرخ في الحساب التجاري التركي بين الواردات والصادرات، وبالتالي زيادة الطلب على العملة الأجنبية وارتفاع أسعار الصرف مجدداً.
دول مسلمي آسيا لن تتأثر على المدى القريب بالحرب
مسلمو آسيا
وتعد دول مسلمي آسيا أقلهم تأثراً بالغزو الروسي لأوكرانيا؛ فدولة مثل ماليزيا التي تعد مصدراً صافياً للنفط لن تتأثر بهذه الحرب على المدى القريب؛ بل إن ارتفاع أسعار النفط يصب في صالحها؛ لأن مع كل دولار زيادة في سعر الخام ستؤدي إلى إيرادات إضافية بنحو 71.1 مليون دولار، ويتوقع حصول زيادة بنحو 1.9 إلى 2.1 مليار دولار خلال العام الجاري بخزينة الدولة.
ويرى المحللون أنه بالنسبة للمواطن الماليزي لن تتأثر سلعه الغذائية في الوقت الحالي؛ نظراً لقدرة الدولة على الاستمرار في دعم أسعار الوقود محلياً، إلا أن استمرار الحرب لأكثر من 6 أشهر قادمة قد يؤثر على الاقتصاد الماليزي، لأن كوالالمبور تستورد ما يقرب من 60% من احتياجاتها الغذائية.
كما تعد بنجلاديش أكثر دول آسيا المسلمة تأثراً حيث تستورد نحو 6.6 ملايين طن من الحبوب الغذائية سنوياً، كما أنها شهدت معدلات تضخمية مرتفعة فضلاً عن تزايد أسعار الوقود محلياً بسبب الحرب القائمة، وكذلك ارتباطها بعلاقات تجارية مباشرة مع روسيا.
وبلغت التجارة الثنائية بين روسيا وبنجلاديش نحو 1.14 مليار دولار خلال السنة المالية 2021م، مقابل 104.35 مليارات دولار من إجمالي التجارة العالمية لداكا مع العالم.