رغم مكانة شهر رمضان الكبيرة في قلوب جميع المسلمين بأنحاء العالم؛ فإن رمضان يكتسب لوناً خاصاً على الأراضي الأفريقية السمراء، ممتزجاً بالتقدير والحب والشوق، ومُلتفاً بالعادات والطقوس الأفريقية التي تُميز رمضان عن غيره من الشهور.
ومن هنا، تنطلق «المجتمع» في جولة أفريقية؛ للتعرف على أجواء شهر رمضان في أنحاء القارة السمراء.
نبدأ من غرب القارة الأفريقية حيث غينيا كوناكري، التي تطل على المحيط الأطلسي، وتقدّر نسبة المسلمين فيها بـ%90، يقول الباحث الغيني محمد بوي لـ«المجتمع»: إن شعبان هو شهر الاستعداد لرمضان في غينيا، كما أنه شهر تبادل الهدايا بين الأقارب والأهالي، خاصة بين الأصهار، وهناك بعض الجمعيات الخيرية تنظّم نفسها لهذا الشأن طيلة السنة؛ لبذل المعونة لأهل القرى في شهر رمضان المبارك، كما تُغلَق المراقص والملاهي في شعبان تعظيماً لشأن رمضان واستعداداً له.
وأضاف بوي أن العلماء يتأهبون بحرص لبيان أحكام الشهر، والوعظ والإرشاد والفتوى وتوجيه المسلمين بشكل مباشر أو عبر الإذاعة ووسائل التواصل الحديثة، يذكّرونهم بفضائل الشهر، ويبيّنون لهم كيف كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلّم مع رمضان.
التجار في غينيا ينظمون حلقات الدروس أمام محلاتهم يومياً في رمضان
فـالجوّ الرمضاني في غينيا تعاوني تشاركي، ويظهر ذلك جلياً في الإفطار الجماعي بالمساجد، وفي محلات العمل، وفي خيمات الجمعيّات الخيريّة، وفي ساحات البيوت مع الضيوف والزوّار، ويتهادى الأهالي بالإفطار المطبوخ وغيره، وقد ترى أناساً على حافة الطرق أو في السيّارات، حاملين الهدايا إلى معارفهم أو لأهل الصدقات.
وأفاد بوي أن رمضان يُحدِث تغييرات إيجابية في المجتمع الغيني، بتصالح الأزواج، وبإرجاع ذوات العدّة، وبالزيارات وصلة الرحم، ومن الأمور المثيرة انتشار الدروس في الأسواق، حيث ينظم كل التجار الكبار والصغار حلقات الدروس أمام محلاتهم التجارية لمدة ما بين 30 دقيقة إلى ساعة ونصف ساعة يومياً في رمضان.
ومن الأطعمة المفضلة على مائدة الإفطار الغينية، خاصة عند قبيلة الفلاّن، «الطوري»؛ وهو وجبة تشبه العصيدة، و«الفُتّي»؛ وهو عبارة عن أرز وخضراوات مع كثير من التوابل، و«مبويري»؛ وهو عبارة عن حبات متوسطة من الدقيق مخلوطة بالسكر، و«القوسي»؛ وهو الرز بالحليب، وهناك الفواكه، وأغلبها البرتقال والبنان، وكل قبيلة لها أطباق خاصة قد تختلف عن باقي القبائل.
احتفال وإنشاد
من الغرائب في بوركينا فاسو إقبال الشباب على الزواج قُبَيل رمضان تيمُّناً به!
نبقى في غرب القارة، حيث تشهد مدن وقرى بوركينا فاسو نشاطاً كبيراً قُبَيل حلول شهر رمضان؛ استعداداً لاستقبال شهر الرحمة والغفران، ويظهر اهتمام البوركينيين برمضان في أكثر من جانب؛ فيحرصون على جمع نفقات الشهر، وشراء الاحتياجات من المأكولات، والمواد الغذائية الرئيسة، تحسباً لما قد يطرأ من ارتفاع للأسعار.
كما يهتم البوركينيون بتنظيف المساجد، وتجديد محتوياتها من الحصر والسجاد، وإعداد ساحات المساجد الصغيرة وتهيئتها للصلوات؛ لاستيعاب الأعداد الكبيرة المتدفقة لصلاة التراويح.
ومن الغرائب المتعلقة بالاستعداد لرمضان في بوركينا فاسو، إقبال كثير من الشباب على الزواج قُبَيل حلوله؛ تيمُّناً بالزواج فيه! ولأن العرف السائد في المجتمع البوركيني أن عبادة المتزوج أفضل من عبادة العازب؛ فتكثر مراسم عقد الزواج في شهر شعبان بشكل كبير.
ومع غروب شمس آخر يوم من شعبان، يكون الشغل الشاغل للبوركينيين هو رؤية الهلال؛ فإن ثبتت الرؤية يسمع دوي أصوات المدافع أو البندقيات عالية؛ لإشعار الجميع بحلول الشهر، وتنطلق مراسم تبادل التهاني والأدعية والتبريكات بقدوم الشهر الكريم، فإن لم تتمكن الرؤية المحلية، انصرف الجميع إلى متابعة خبر الهلال عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية والوطنية.
ومن العادات التي يمكن اعتبارها مظهراً للاحتفاء برمضان في بوركينا فاسو ما يقوم به الأطفال في ليالي رمضان من التمثيليات الغريبة التي تسمى بـ«يوغورو»، ويجوبون بها الطرقات والأزقة؛ حيث يقفون أمام البيوت ويرقصون وينشدون بشكل غريب، حتى يُعطيهم رب البيت مبلغاً من المال، ثم ينتقلون إلى دار أخرى في فرح وغناء، ويقومون بذلك كل ليلة من ليالي رمضان.
أما مائدة الإفطار البوركينية فتحتوي غالباً على المديدة، والتمور، والأرز، واللحم، والعصيدة، والإدام، مع بعض المشروبات المحلية التي تُصنع من دقيق الحبوب، والدخن المخلوط بالزنجبيل والمحلى بالسكر، ويسمى باللغة المحلية «جولا».
تمرين ديني
أما في دولة غانا، التي تشير الإحصاءات إلى أن نسبة المسلمين %18 من سكان الدولة الغرب أفريقية، وتشير مصادر أخرى أن النسبة أعلى بكثير، فيبقى للمسلمين هناك عاداتهم لاستقبال شهر الخير.
يقول الصحفي الغاني عبدالرحمن شعبان لـ«المجتمع»: إن المسلمين في غانا يستقبلون رمضان بتجديد وتجميل المساجد في جميع أنحاء البلاد، ويشتري الناس إمداداتهم الغذائية في الأسابيع التي تسبق الشهر الكريم، فرمضان بالنسبة للغانيين هو تمرين ديني يمنحنهم الفرصة لتحقيق أحد أركان الإسلام لبناء الانضباط الذاتي وأن يكونوا أشخاصاً أفضل.
وأوضح شعبان أن أبرز ما يقوم به الشعب الغاني في رمضان قراءة القرآن، والاستماع إلى التفسير، وزيادة العبادات الأخرى مثل النوافل والأذكار، أما الشباب فيساعدون في برامج الإفطار الجماعية.
وتحظى العديد من الوجبات بشعبية كبيرة على مائدة الإفطار الغانية، أهمها عصيدة الذرة وتسمى «كوكو»، مع كعكة مكونة من حبوب الفاصوليا تسمى «كوزي»، أيضاً الأطعمة الأخرى المصنوعة من الأرز والذرة والموز شائعة في غانا، وعادة تؤكل مع الدجاج أو اللحم البقري أو السمك، كما أن التمر والفواكه من الأصناف الشائعة جداً، وتكون منتشرة عند التجار خلال الشهر.
ترانيم على الشواطئ
ونتوجّه إلى شرق القارة الأفريقية؛ حيث جزر القمر، التي تقع في المحيط الهندي، وتتكون من مجموعة من الجزر التي تقع بين شمال مدغشقر وشمال شرق موزمبيق.
ويكتسب رمضان طابعاً خاصاً في البلد الذي يشكل المسلمون فيه نحو %90، حيث يتوجه السكان في جزر القمر في الليلة الأولى من رمضان إلى الشواطئ وهم يحملون المشاعل المتلألئة، وينشدون عدداً من الترانيم مع دقات الطبول إيذاناً بقدوم الشهر المبارك، وهناك تتواصل السهرة حتى موعد السحور وبداية النهار الأول للصيام.
وتبدأ استعدادات رمضان في جزر القمر منذ دخول شعبان، ومن العادات القمرية تنظيم الحفلات الفولكلورية على الشواطئ والمزارع والمتنزهات استعداداً لشهر الصيام، وعند تحري هلال رمضان تُقام صلاة التراويح بالمساجد، وتوقد المصابيح والأنوار، ويُصدح بالأناشيد والتلاوات.
وفي هذه الدولة، العضو في جامعة الدول العربية، يركز المسلمون في أعمالهم خلال النهار، ومع اقتراب المغرب تتوقف الكثير من الحركات التجارية، ويتوجه الناس إلى المساجد لحضور الحلقات الدراسية، خاصة حلقات تفسير القرآن الكريم التي يقيمها الدعاة الخريجون من الجامعات الإسلامية، ومبعوثون من الأزهر.
ويحرص القُمريون على طقوس لمائدة الإفطار خلال رمضان، حيث عادة ما تكون وجبة الإفطار خفيفة، ومن الأطعمة الرئيسة «الثريد»؛ الذي يحتل مكانة مهمة على مائدة الفطور، إضافة إلى وجبة الموز الأخضر المطبوخ مع سمك أو لحم، ولا تخلو الموائد من فواكه المانجو والحمضيات ومشروبات الأناناس والفواكه الطازجة، أما وجبة السحور فتتكون من الأرز مع اللبن والخضراوات، إضافة إلى الشاي.
كما أن حفلات الإفطار الجماعية في المساجد من أهم العادات عند مسلمي جزر القمر، حيث يتشارك الجميع الطعام، وبعد صلاة التراويح يجتمع الناس في حلقات السمر والاستماع إلى الدروس والمحاضرات الدينية، بينما تغلق الكازينوهات والملاهي الليلية في جميع أنحاء البلاد بأمر من السلطات الحكومية.
طبول ودفوف
في كينيا يتم إيقاظ الناس للسحور بإيقاعات الطبول وضرب الدفوف
وننطلق إلى القرن الأفريقي شرقاً؛ حيث كينيا، ويُشكل المسلمون نسبة %35 من تعداد سكان البلد المسيحي، وينتشرون في مختلف أنحاء البلاد، ولا سيما في القطاع الساحلي في مُدن باتا ومالندي ومومباسا، كما يعيش مسلمون في مناطق الداخل بالعاصمة نيروبي، والمناطق الحدودية بين الصومال وكينيا.
ويفيدنا الكاتب الكيني مختار معلم محمود أن الكينيين يستقبلون شهر رمضان الفضيل بفرحة لا مثيل لها، ويفعلون ما بوسعهم من الاستعداد والتهيئة له، كما يتحقق التكافل الاجتماعي في رمضان؛ فيتفقد الجار جاره؛ ليعرف حاله وهل يتيسر له الإفطار والسحور، وإذا علم أن جاره غير ميسور يقوم بإعانته.
ومن الأشياء المميزة في كينيا ما يتعلق بالسحور؛ حيث يتم إيقاظ الناس للسحور بإيقاعات الطبول، وضرب الدفوف، والأناشيد الدينية، وتبدأ هذه العادة قبل رمضان بأيام قليلة؛ ويتجول المسحراتية في أحياء المدينة وأسواقها قبل رمضان بيومَين، مهنئين المسلمين بمناسبة حلول الشهر الفضيل.
وأضاف محمود قائلاً: إن من أهم العادات التي نواظب عليها في رمضان في كينيا العبادة والصدقة وقراءة القرآن والذِّكر، وإقامة المحاضرات والدروس الدينية والدورات التدريبية، كما يخرج بعض الدعاة إلى الأرياف والمدن لتنبيه العباد والدعوة إلى الله تعالى، والدعوة إلى العمل بكتاب الله وسُنة رسوله.
وذكر محمود أهم المأكولات على مائدة الإفطار الكينية؛ وهي الفطائر المصنوعة من الدقيق، وتعرف بالسنبوسا والمندازي والعنجيري، التي تتكون جميعها من الدقيق والماء مع اختلاف طريقة التسوية، أيضاً هناك الأرز، والمعكرونة، والتمر، والذرة، أما المشروبات فهناك القهوة، والشاي، وعصير المانجو، والبطيخ، واللبن.
ضرب الدفوف
بأفريقيا الوسطى يتنازل أصحاب العقارات غير المسلمين للمستأجرين المسلمين في رمضان
ونتوجه إلى وسط القارة الأفريقية؛ حيث جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو بلد مسيحي تبلغ نسبة المسلمين به %15، ويبدأ مسلموها بالاستعداد لاستقبال رمضان قبل دخوله بأسابيع، وفي الأسبوع الأخير من شعبان يُقيم المشايخ محاضرات في المساجد؛ للحديث عن فضائل رمضان.
وعندما تثبت رؤية الهلال يُعلن ذلك إمام الجامع الكبير، أو رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عبر الإذاعة الوطنية، ومن ثَم يهنئ الناس بعضهم بعضاً بدخول الشهر المبارك، وهناك عبارة شهيرة يستعملونها في التهنئة، وهي: «الله يقدرنا على صيامه، وينجينا من دَين كفارته».
يقول الباحث الأفرووسطي محمد عبدالباسط لـ«المجتمع»: بحلول الشهر الكريم على أفريقيا الوسطى يتسامح المتخاصمون، ويقوم المؤجِّر بإعفاء المستأجر من أجرة شهر رمضان إكراماً لهذا الشهر، وللسعي إلى بذل الإحسان قدر المستطاع، وهذه قد يشترك فيها غير المسلمين، إذْ يتنازل صاحب العقار غير المسلم للمسلم المستأجِر عن مستحقات شهر رمضان؛ من أجل الإحسان إليه من ناحية، ومشاركته فرحة الشهر من ناحية أخرى رغم أنه ليس مسلماً.
ويضيف عبدالباسط أن هناك عدة أمور واظب عليها مسلمو أفريقيا الوسطى وأصبحت ضمن العادات السائدة، منها: مسؤولية المرأة عن كل ما يتعلق بالإفطار وتجهيزاته في رمضان، بداية من التسوق، وصناعة كمية كبيرة من مختلف الأطعمة؛ لإطعام ما لا يقل عن خمسة عشر شخصاً في البيت الواحد، بالإضافة إلى الوجبات التي تُرسل إلى بعض الجيران والأقارب.
كما يقع على عاتق الرجال كل ما يتعلق بالكسب والعمل خارج البيت طوال اليوم تقريباً، ويخرج الرجال والشباب في الصباح الباكر من رمضان لحضور دروس تفسير القرآن الكريم والفقه التي يلقيها المشايخ بعد صلاة الفجر مباشرة في المساجد.
وذكر عبدالباسط أن من العادات التي توارثتها الأجيال قيام بعض الرجال، وأغلبهم من فئة الشباب، بالطواف في الأحياء وضرب الدف لإيقاظ الناس وقت السحور، وحتى الأحياء التي يوجد بها سكان غير مسلمين لا ينزعجون من هذا الأمر، بل قد يشاركون أصدقاءهم من المسلمين في الطواف بالأحياء لإيقاظ الصائمين للسحور.
وتتمتع المائدة الأفرووسطية بأصناف عديدة من الطعام، لكن هناك أساسيات لا بُدّ أن تكون موجودة في المائدة الرمضانية، وهي المديدة، وشوربة اللحم، وشوربة اللبية، وشوربة القمح، ونوع من البنان يسمى باللغة المحلية «فوندو»، والزلابية، والسَّلَطة.
أما ما يخص المشروبات فأبرزها الشاي الأحمر والأخضر، ونوع من المشروب يصنع من دقيق الدخن والعطرون والسكر يسمى «ألمي عطرون»، والكركديه، أما في العشاء فيتناول الناس العصيدة المصنوعة من دقيق الذرة، أو الكاسافا مع شيء من المرق، والبعض يفضل الأرز أو المعكرونة مع اللحم أو الدجاج.
وختاماً، لا تزال أفريقيا تحمل الكثير من الطقوس والعادات المتميزة، خاصة إذا تعلق الأمر بشهر فضيل مثل رمضان، وما هذا إلا غيض من فيض، لكن الأساس والمشترك أن الأفارقة يستقبلون الشهر بفرحة غامرة وإن اختلفت طرق التعبير.