صيام الصغيرة التي أتاها الحيص
فتاة أتاها الحيض في السنة الحادية عشر من عمرها، فهل يلزمها الصيام؟ مع ملاحظة أنها لا تتمتع بصحة جيدة، وفي حالة عدم قدرتها على الصيام ما الذي يترتب عليها؟
– إذا كان الواقع کما ذکرتِ لزمها الصيام؛ لأن الحيض من علامات بلوغ النساء، إذا جاءها وهي في التاسعة من عمرها فأكثر، فإذا استطاعت الصيام وجب عليها أداؤه في وقته، وإذا عجزت أو نالها منه مشقة شديدة؛ أفطرت، ووجب عليها قضاء ما أفطرته من الأيام، عند القدرة على ذلك. والله أعلم.
الصائم الذي لا يصلي على خطر عظيم
ما حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان بل ربما صام ولم يصل؟
– كل من حٌكِمَ بكفره بطلت أعماله، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 88)، وقال تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة: 5)، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر كفراً أكبر إذا كان مقراً بالوجوب، ولكنه يكون كافراً کفراً أصغر، ويكون عمله هذا أقبح وأشنع من عمل الزاني والسارق ونحو ذلك، ومع هذا يصح صيامه وحجه عندهم إذا أداها على وجه شرعي، ولكن تكون جريمته عدم المحافظة على الصلاة، وهو على خطر عظيم من وقوعه في الشرك الأكبر عند جمع من أهل العلم، وحكى بعضهم قول الأكثرين أنه لا يكفر الكفر الأكبر إن تركها تكاسلاً وتهاوناً، وإنما يكون بذلك قد أتى كفراً أصغر، وجريمة عظيمة، ومنکراً شنيعاً أعظم من الزنى والسرقة والعقوق وأعظم من شرب الخمر نسأل الله السلامة.
هل نوم الصائم عبادة؟
سمعت أحد الخطباء يقول حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: “نوم الصائم عبادة”، فهل هذا الحديث صحيح؟
– هذا الحديث غير صحيح، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 415) عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف”.
وضعَّف إسناده البيهقي، فقال: معروف بن حسان (أحد رجال الإسناد): ضعيف، وسلیمان بن عمرو النخعي أضعف منه وقال العراقي في تخريج إحياء علوم الدين (1/310): “سلیمان النخعي أحد الكذابين”(1).
والواجب على المسلمين عموماً -ويتأكد ذلك على الخطباء والوعاظ- أن يتثبتوا قبل نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن ينسب إليه ما لم يقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”(2)، والله أعلم
حكم من يموت في رمضان
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” فهل معنى ذلك أن من يموت في رمضان يدخل الجنة بغير حساب؟
– ليس الأمر كذلك، بل معنى هذا: أن أبواب الجنة تفتح؛ تنشيطاً للعاملين؛ ليتسنى لهم الدخول، وتغلق أبواب النار؛ لأجل انكفاف أهل الإيمان عن المعاصي، حتى لا يلجوا هذه الأبواب، وليس معنى ذلك أن من مات في رمضان يدخل الجنة بغير حساب، إنما الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: “هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون؛ وعلى ربهم يتوكلون”، مع قيامهم بما يجب عليهم من الأعمال الصالحة، والله أعلم(3).
من رأى هلال رمضان وحده
رأى شخص هلال رمضان وحده، هل عليه أن يصوم؟ وإذا كان كذلك، هل من دليل؟
– من رأى هلال رمضان وحده، أو رأى هلال شوال وحده، وأخبر به القاضي أو أهل البلد؛ فلم يأخذوا بشهادته، فهل يصوم وحده، أو لا يصوم إلا مع الناس؟
في ذلك ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: أنه يعمل برؤية نفسه في الموضعين، فيصوم في أول الشهر، ويفطر في آخره منفرداً، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، غير أنه يفعل ذلك سراً؛ حتى لا يعلن مخالفة الناس، وحتى لا يؤدي ذلك إلى إساءة الظن به، حيث يراه الناس مفطراً، وهم صائمون.
القول الثاني: أنه يعمل برؤية نفسه في أول الشهر؛ فيصوم منفرداً، أما في آخر الشهر، فلا يعمل برؤية نفسه، وإنما يفطر مع الناس، وهذا مذهب جمهور العلماء، منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله.
وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، قال: وهذا من باب الاحتياط، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر، ففي الصوم قلنا له: صم، وفي الفطر قلنا له: لا تفطر، بل صم”(4).
والقول الثالث: أنه لا يعمل برؤية نفسه في الموضعين، فيصوم ويفطر مع الناس، وإليه ذهب الإمام أحمد رحمه الله في رواية، واختاره ابن تيمية رحمه الله، واستدل له بأدلة كثيرة، قال رحمه الله: “والثالث: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون”(5)، وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا: الصوم والفطر مع الجماعة، وعظم الناس(6).
واستدل أيضاً: بأنه لو رأى هلال ذي الحجة منفرداً، فلم يقل أحد من العلماء أنه يقف في عرفة وحده، وذكر أن أصل المسألة هو: أن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر، فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة: 189)، والهلال: اسم لما يستهل به، أي يعلن به ويجهر به، فإذا طلع في السماء، ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالاً(7).
وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة، فإن لم يشتهر بين الناس؛ لم يكن الشهر قد دخل، وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة؛ لظنهم أنه إذا طلع في السماء كان تلك الليلة أول الشهر، سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا، وليس كذلك، بل ظهوره للناس واستهلالهم به لابد منه؛ ولهذا قال النبي الله عليه وستر: “الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون”، أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم، والفطر، والأضحى، فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم، وهذا القول أفتى به الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله(8)، والله أعلم.
_______________________________
(*) بتصرف من كتاب “الصيام سؤال وجواب”.
(1) الحديث ضعفه المناوي في فيض القدير (6/378) وهو في ضعيف الجامع (5792).
(2) رواه البخاري (1229)، ومسلم (4).
(3) مجموع فتاوى ابن عثيمين (20/70).
(4) الشرح الممتع (6/330).
(5) رواه الترمذي (697)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3869).
(6) مجموع الفتاوى (25/115).
(7) انظر: مجموع الفتاوى (25/115).
(8) مجموع فتاوى ابن باز (15/72).