1- وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها:
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن عبد العزيز بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن غالب بن فهر، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم وينتهي نسبها إلى غالب بن فهر، ولدت سنة 68 قبل الهجرة (556م) في مكة وتربت في بيت مجد ورياسة، ونشأت على الأخلاق الحميدة، وكانت تسمى في الجاهلية بالطاهرة، وقد مات والدها يوم حرب الفجّار، تزوجت مرتين قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدين من سادات قريش، هما: عتيق بن عائذ المخزومي، وأبو هالة بن زرارة التميمي.
مكانتها وفضائلها
لم تكن خديجة رضي الله عنها مجرَّد زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، أو أُمًّا لأولاده؛ إنَّما كانت وزيرَ صِدْقٍ بحقٍّ، وكانت المستشار الأمين، وكانت الرأي الحكيم، “إنها كانت وكانت”، هكذا ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تصف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خديجة رضي الله عنها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ»(1).
السيدة خديجة رضي الله عنها لم تكن مجرَّد امرأة صالحة؛ إنَّما كانت من الصالحات المعدودات في تاريخ الإنسانيَّة كلها، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِينَ: مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»(2).
لقد عاشت هذه المرأة العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرين عامًا متصلة، وهذه أطول مدَّة عاشتها زوجة من زوجاته صلى الله عليه وسلم معه، ولم تنقل كتب السيرة في هذه المدَّة الطويلة أيَّ خلافٍ حدث بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا قبل البعثة ولا بعدها، فلم نسمع عن غضب أو هَجْر؛ بل لم نَرَ طلبًا طلبته خديجة رضي الله عنها لنفسها، لقد عاشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تُؤَازره في أحرج أوقاته، وتُعينه على إبلاغ رسالته، وتهُوِّن عليه الصراع الذي دار مع كفار مكة، وتُواسيه بمالها ونفسها، وتُجاهد معه بحقٍّ كجهاد الرجال أو أشد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعر بمعاناتها، ويرى تضحيَّاتها، ويُقَدِّر صبرها على ابتلاءاتها؛ خاصَّةً في سنواتها العشر الأخيرة، وهي سنوات النبوَّة؛ فقد مرَّت خديجة رضي الله عنها بأصعب ظروفٍ يُمكن أن تمرَّ بها زوجة، كانت تعيش لحظات الخوف والترقُّب والقلق على زوجها صلى الله عليه وسلم، وكان قلبها يعتصر ألـمًا وهي تراه -وهو أكرم الناس- يعود إليها وقد سَخِر منه سفيه، أو تعدَّى عليه كافر، وكانت تسمعهم وهم يَصِفُونه بالجنون والكذب وهو أعقل البشر وأصدق الخلق، وكان يعود إليها وقد نثر أحدهم التراب في وجهه أو شُجَّت رأسه، فلا تملك عندها إلَّا العبرات، وسمعت غير مرَّة عن محاولات قتله، فباتت الليالي وَجِلَة، لا تدري من أين تأتي المصيبة، وشهدت موت ولديها الذكور القاسم وعبد الله، وسمعت الكفار يَشْمَتون في أبيهما صلى الله عليه وسلم ويُلَقِّبونه بالأبتر، ثُمَّ ختمت حياتها بثلاث سنواتٍ كاملةٍ محاصَرةً في الشِّعْب مع زوجها وأهله، ترتفع أصوات أطفالها من الجوع، ولا تملك لهم شيئًا، ونسيت في هذه السنوات أيَّام غناها وثروتها؛ فقد ذهب المال كلُّه خدمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعايةً للإسلام وأهله، ويوم ماتت لم يرث رسول الله صلى الله عليه وسلم منها شيئًا؛ فقد أنفقت مالها كلَّه في سبيل الله.
وفاتها
في يوم 10 رمضان قبل الهجرة بـ3 سنوات، بعد 10 أعوام من البعثة النبوية، وقع حادث أليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وهو وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، وأحدثت وفاتها حزناً كبيراً في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلقد كانت السند العاطفي والقلبي والمالي له؛ ومما زاد من حزن النبي صلى الله عليه وسلم وألمه أن وفاتها أتت في نفس العام الذي توفي فيه عمه أبو طالب الذي كان سنداً للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لهذا ذكرت بعض كتب السيرة أن هذا العام سمي بعام الحزن.
2- هزيمة الصليبيين في معركة المنصورة وأسر الملك لويس التاسع:
في 10 رمضان 648هـ/ 12 ديسمبر 1250م، انتصر المسلمون على الصليبيين في معركة المنصورة حيث أسر الملك لويس التاسع وقتل وأسر عدد كبير من جنوده، وقعت معركة المنصورة، بين القوات الصليبية (الفرنج) بقيادة لويس التاسع القديس ملك فرنسا، والقوات الأيوبية المصرية بقيادة الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ، وكان قائداً للجيش المصري في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، وفارس الدين أقطاي، زعيم المماليك البحرية وقائد معركة المنصورة، وركن الدين الظاهر بيبرس، وأسفرت المعركة عن هزيمة الحملة الصليبية السابعة هزيمة كبرى، ولم ترسل بعدها حملة جديدة لاحتلال مصر وبدأت هزائم الصليبيين تتوالى بعد معركة المنصورة إلى أن تم تحرير بلاد الشام بشكل كامل لاحقاً.
وصية لويس التاسع
وبعد أن قدم لويس التاسع فدية كبيرة للمسلمين، تم إطلاق سراحه، فكان أول عمل قام به بعد تحريره من الأسر شراءه مئات المخطوطات الثمينة والنادرة وحملها إلى سفينته على 14 بغلاً، ويقول المؤرخ جوانفيل الذي رافق لويس: «إن خلوة لويس في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفكر بعمق في السياسة التي كان أجدر بالغرب أن يتبعها إزاء المسلمين»، ومن ثم فبعد وصول لويس التاسع إلى فرنسا توجه إلى أتباعه بالوصية التالية، التي اعتبرت وثيقة مهمة حفظت في دار الوثائق القومية في باريس، يقول فيها الآتي: «إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة باتباع ما يلي:
أولاً: إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.
ثانياً: عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
ثالثاً: إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
رابعاً: الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه.
خامساً: العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
سادساً: العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد حتى تصل إلى الغرب”.
ويقول المستشرق هانوتو، وهو مستشار سياسي لوزارة المستعمرات الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر: “لقد تركزت أهداف الحروب الصليبية قديماً في استرداد بيت المقدس من المسلمين البرابرة، ومما يزعج الغرب بقاء لواء الإسلام منتشراً على مهد الإنسانية، ولذا يجب أن نعمل على نقل المسلمين إلى الحضارة الأوروبية بقصد رفع الخطر الكامن في الوحدة الإسلامية وأفضل طريق لتثبيت ولاية المستعمر الأوروبي على البلاد الإسلامية هو تشويه الدين الإسلامي، وتصويره في نفوس معتقديه بإبراز الخلافات المذهبية والتناقضات الشعوبية والقومية والجغرافية مع شرح مبادئ الإسلام شرحاً يشوهها وينحرف بها عن قيمها الأصلية، وتمجيد القيم الغربية والنظام السياسي والسلوك الفردي للشعوب الأوروبية».
___________________________________
(1) البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (3607).
(2) الترمذي: كتاب المناقب، باب فضل خديجة رضي الله عنها (3878)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.