يصادف اليوم 19 ديسمبر الذكرى الـ911 عاماً لوفاة الإمام أبي حامد الغزالي أحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري.
لُقّب الغزالي بألقاب كثيرة في حياته، أشهرها “حجّة الإسلام”، وله أيضاً ألقاب مثل: زين الدين، ومحجّة الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة.
في هذه السطور نتعرف على لمحات من حياة العالم الجليل أبي حامد الغزالي.
اسمه ونسبه
الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين العابدين أبو حامد ابن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط، وقد نسبه البعض إلى غزالة -بتخفيف الزاي- وهي بلدته التي ولد فيها، وهي نسبة صحيحة من حيث اللغة، والبعض نسبه إلى الغزَّالي – بتشديد الزاي- نسبة إلى الغزَّال حرفة والده التي كانت يكتسب منها، وهي نسبة صحيحة أيضاً من حيث اللغة.
نشأته ومولده
ولد عام 450هـ/ 1058م في مدينة طوس، ويُعرَف بـ”الغزّالي” نسبة إلى صناعة الغزل.
كانت أسرته فقيرة الحال، إذ كان أبوه يعمل في غزل الصوف وبيعه في طوس، ولم يكن له أبناء غير أبي حامد، وأخيه أحمد والذي كان يصغره سنّاً.
كان أبوه مائلاً للصوفية، لا يأكل إلا من كسب يده، وكان يحضر مجالس الفقهاء ويجالسهم، ويقوم على خدمتهم، وينفق بما أمكنه إنفاقه، وكان يدعو الله كثيراً أن يرزقه ابناً ويجعله فقيهاً، فكان ابنه أبو حامد، وكان ابنه أحمد واعظاً مؤثراً في الناس.
ولما قربت وفاة أبيهما، أوصّى بهما إلى صديق له متصوّف، وقال له: “إِن لي لتأسُّفاً عظيماً على تعلم الخط، وأشتهي استدراك ما فاتني في وَلَديّ هذَيْن، فعلّمهما، ولا عليك أن تنفذ في ذلك جميع ما أخلّفه لهما”، فلما مات أقبل الصوفيّ على تعليمهما، حتى نفد ما خلّفهما لهما أبوهما من الأموال، ولم يستطع الصوفيّ الإنفاق عليهما.
عند ذلك قال لهما: “اعلما أنّي قد أنفقت عليكما ما كان لكما، وأنا رجل من الفقر والتجريد، بحيث لا مال لي فأواسيكما به، وأصلح ما أرى لَكمَا أن تلجئا إِلَى مدرسة، كأنكما من طلبة الْعلم، فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما على وقتكما”، ففعلا ذلك، وكان هو السبب في علو درجتهما، وكان الغزاليّ يقُول: “طلبنا الْعلم لغير الله، فأبى أن يكون إِلّا لله”.
ملازمته إمام الحرمين
وفي عام 473هـ رحل الغزّالي إلى نيسابور، وهي عاصمة السَّلجوقيين، ومدينة العلم بعد بغداد، ولازم إِمام الحرمين أبو المعالي الجويني، إمام الشافعية في وقته، ورئيس المدرسة النظامية، فدرس على يديه مختلف العلوم، من فقه الشافعية، وفقه الخلاف، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة، وجدّ واجتهد حتى برع وأحكم كل تلك العلوم، ووصفه شيخه أبو المعالي الجويني بأنه بحر مُغدِق، وكان الجويني يُظهر اعتزازه بالغزالي، حتى جعله مساعداً له في التدريس.
الغزالي في عيون العلماء
كان أبو حامد الغزالي عند جمهور المتقدمين حجّة الإسلام ومجدد القرن الخامس الهجري، ومحيي علوم الدين، وكان من أقوال مَن أثنى عليه ومدحه:
أبو المعالي الجويني: الغزالي بحر مغدق
الذهبي: الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط.
ابن الجوزي: صنف الكتب الحسان في الأصول والفروع، التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها، وتحقيق الكلام فيها.
تاج الدين السبكي: حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، جرت الأئمة قبله بشأن ولم تقع منه بالغاية، ولا وقف عند مطلب وراء مطلب لأصحاب النهاية والبداية.
ابن كثير: كان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه.
من أسباب نبوغ الغزالي وشهرته
تجمعت عدة عوامل كانت سبباً في نبوغ الغزالي وشهرته؛ منها:
– نشأته العلمية: فقد كان شغوفاً بالعلم، باحثاً عن اليقين، وعن حقائق الأمور، ودرس علوم عصره، ونبغ فيها، وفاق أقرانه.
– ما كان يتمتع به من حافظة قوية.
– ما كان يتمتع به من شدة الذكاء، فقد كان شديد الذكاء، سديد النظر، مفرط الإدراك، بعيد الغور، غواصاً على المعاني الدقيقة.
– تدريسه بالمدرسة النظامية التي أنشأها السلاجقة لتعليم مبادئ أهل السُّنة، فقد كان ذلك من أسباب شهرته.
أشهر مؤلفاته كتاب “إحياء علوم الدين”، الذي قد حاز شهرة وانتشاراً ما لم يقاربه أي كتاب من كتبه الأخرى، حتى صارت نسخه المخطوطة مبثوثة في مكتبات العالم.
وفاته
بعد أن عاد الغزّالي إلى طوس، بقي فيها بضع سنين، وما لبث أن تُوفي يوم الإثنين 14 جمادى الآخرة 505هـ، في الطابران في مدينة طوس.
روى أبو الفرج بن الجوزي عن أحمد أخي الغزالي: لما كان يوم الإثنين وقت الصبح توضأ أخي أبو حامد وصلّى، وقال: “عليّ بالكفن”، فأخذه وقبّله، ووضعه على عينيه وقال: “سمعاً وطاعة للدخول على الملك”، ثم مدّ رجليه واستقبل القبلة ومات قبل الإسفار، وقد سأله بعض أصحابه قبيل موته فقالوا له: “أوصِ”! فقال: “عليك بالإخلاص” فلم يزل يكررها حتى مات، رحمه الله تعالى.
______________________________________
المصدر: “الجزيرة.نت” – موقع د. طارق السويدان.