الزلزال أو الهزَّة الأرضيَّة ظاهرة طبيعية، وهو اهتزاز أو سلسلة من الاهتزازات الارتجاجية المتتالية لسطح الأرض تحدث في وقت لا يتعدى ثواني معدودة، التي تنتج عن حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية، ويسمى مركز الزلزال «البؤرة»، يتبع ذلك بارتدادات تدعى أمواجاً زلزالية، وهذا يعود إلى تكسر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم إجهادات داخلية للأرض نتيجة لمؤثرات جيولوجية ينجم عنها تحرك الصفائح الأرضية، وتوجد الأنشطة الزلزالية على مستوى حدود الصفائح الصخرية.
وأقوى الزلازل التي حدثت وأودت بحياة الكثير من الناس وهدمت الكثير من المباني: زلزال توهوكو عام 2011 في اليابان بقوة 9.1 درجات، وستشوان عام 2008 في الصين بقوة 8 درجات، وزلزال كانتربيري عام 2010 في نيوزلندا بقوة 7 درجات، وزلزال إزمير في تركيا بقوة 7.6 درجات، وبلغت الخسائر في كل زلزال ما مقداره من 4 إلى 200 مليار دولار.
تقييم الوضع الزلزالي مهم جداً في تفادي وتخفيف وقوع أضرار وخسائر في الأرواح والممتلكات
يتم دراسة الزلازل بعدة طرق، وهنا سوف نلخص أبرزها وأهمها:
أولاً: دراسة الزلازل التاريخية، وهي الأحداث الزلزالية التي حصلت في الماضي قبل اختراع جهاز «السيزوميتر»؛ أي ما قبل القرن العشرين، ويتم دراستها بالطرق الآتية:
1- دراسة المخطوطات والسجلات التاريخية التي كتبت بعد وقوع الزلازل في الأزمنة القديمة من قبل المؤرخين، تسمى هذه الدراسة بـ«الماكروسيزمولوجي»، حيث يتم استنباط تاريخ ووقت حدوث الحدث الزلزالي وشدة الدمار الناتج منه في المنطقة الموصوفة.
2- دراسة الدمار الزلزالي في المواقع الأثرية، تسمى هذه الدراسة بـ«الأركيوسيسمولوجي»، وهي دراسة التشوهات والأضرار الزلزالية على المباني الأثرية، حيث يتم معرفة تاريخ الزلازل ووقتها وشدتها ومصدرها.
3- دراسة التشوهات الناتجة من الزلازل في الرسوبيات، وتسمى «الباليوسيزمولوجي»، حيث يتم دراسة الإزاحات الناتجة من تحرك الصفائح، وذلك بحفر خنادق على طول الفوالق بشكل مباشر، وتحديد الانزلاقات التي سببت الزلازل لمعرفة تاريخ ومقدار الطاقة الزلزالية المتحررة من الفالق.
البحث العلمي والتوعية أساسيان في كيفية التعامل مع الكوارث وتخفيف الخطر الزلزالي
ثانياً: دراسة الزلازل التي حصلت بعد اختراع أجهزة «السيزوميتر»:
«السيزوميتر» جهاز يستقبل الموجة الزلزالية في وقت وصولها إلى المحطة الزلزالية وتسجل مواصفات الموجة، المحطات الزلزالية منتشرة في جميع أنحاء العالم، وتم ربطها بالمرصد الزلزالي الرئيس، لكل دولة لها مركز رئيس يتم فيه جمع قراءات الأمواج الزلزالية من المحطات المنتشرة بالمنطقة، ويتم تحليلها بواسطة برامج الكمبيوتر، ومنها يتم معرفة مواصفات الزلزال مثل القوة الزلزالية الناتجة ومصدره والإزاحة الناتجة من الصدع ومواصفات الصدع.
من هذه الطرق مجتمعة يتم تلخيص وتجميع البيانات فيما يعرف بالكتالوج الزلزالي، وهو سجل يلخص فيه الأحداث الزلزالية التاريخية والحديثة، كل ذلك كي يتم معرفة معدل تكرار الزلازل في المنطقة المحددة؛ مما يساعد في تقييم الوضع الزلزالي في المنطقة وتقسيمها إلى منطقة مرتفعة الخطورة أو متوسطة الخطورة أو غير خطرة، ويعبر عنها بنماذج وخرائط.
هناك دائماً دراسات تتركز على الطرق المذكورة التي تحاول تحديث الكتالوجات الزلزالية، ذلك يفيد لزيادة دقة تقييم الوضع الزلزالي؛ أي أنه كلما زادت الدراسات زاد فهم الوضع الزلزالي والتحديد الدقيق للمناطق الخطرة وغير الخطرة.
تقييم الوضع الزلزالي مهم جداً في تفادي وتخفيف وقوع أضرار وخسائر في الأرواح والممتلكات والكوارث، فعند معرفة المواقع الخطرة فإنه يجب تطوير أساليب البناء لكي تكون مقاومة للهزات الزلزالية، حيث إن الخسائر بالأرواح تحصل بانهيار المبنى، وأبرز مثال ما حصل في جنوب تركيا وشمال سورية، حيث يجب مراعاة ما يعرف بـ«كودات البناء»، حيث يصمم المبنى مقاوماً لزلزال مثلاً بقوة 8 أو 7 درجات وهكذا، وتم تطبيق هذه المنهجية في الدول المتقدمة مثل اليابان، وأيضاً التقييم الزلزالي يجب أن يدرس قبل إنشاء وبناء المشاريع الضخمة مثل السدود ومحطات البترول أو المحطات النووية لتوليد الطاقة، حيث يجب بناؤها في المناطق ذات الخطورة القليلة، أو بناؤها بأساليب مقاومة للزلازل المدمرة.
ومن أبرز نقاط الضعف الموجودة عدم وفرة بيانات كافية في الكتالوجات الزلزالية وخاصة التاريخية، وهذا للأسف يضعف في التقييم الزلزالي، وذلك موجود في مناطق الدول النائية على غرار الدول المتقدمة التي تهتم بالبحث العلمي في هذا المجال، إذاً لكي تخفف الخطر الزلزالي يجب الاهتمام بالباحثين وتقديم الدعم للمشاريع البحثية الخاصة بالكوارث الطبيعية.
ومن ناحية أخرى، عقد المؤتمرات والندوات التوعوية للناس والمهتمين في هذا المجال؛ مما يزيد من الوعي عندهم وتحديث الكتب المدرسية والجامعية ليزيد الوعي عند الطلاب حتى يعرفوا كيفية التعامل مع الكوارث الزلزالية، وتطبيق المنهجيات التي تساهم في تخفيف الخطر في مواقعهم الوظيفية في المستقبل؛ مثل الهندسة والبيئة والطاقة والعسكرية وكل أنواع الوظائف.
توقع حدوث زلزال في وقت ما لا يمكن أن يكون مبنياً على أي نظرية علمية
هل يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل؟
وإضافة إلى ذلك، وهو الأهم للتمييز ما بين الحقائق العلمية والخرافات، وتمييز الشائعات التي تقذف الرعب في نفوس الناس، ومثال على ذلك ما أشيع بأن فلاناً أو دجالاً توقع حدوث زلزال في الوقت الفلاني، حيث إن هذا لا يمكن أن يكون مبنياً على أي نظرية علمية، وهو فقط أكاذيب يقع ضحيتها الناس بتصديقها؛ لأن الصواب هو أن العلم فقط يخبرنا أن المنطقة الفلانية خطرة زلزالياً والأخرى أقل خطراً وهكذا.
لا يمكن للزلازل أن تكون مفتعلة؛ لأن الزلزال ناتج من تحرك الصفائح الأرضية، حيث إن هذه الحركة ينتج عنها تفريغ للطاقة تنتشر من خلالها أمواج زلزالية التي تصل إلى سطح الأرض مؤدية إلى انهيارات للمباني غير المقاومة للهزات الأرضية، فقد تم تداول أن هناك قنابل نووية أدت إلى حدوث زلزال تركيا، وهذا ليس صحيحاً أبداً؛ لأن القنابل النووية غير قادرة على تحريك الصفائح الأرضية، وأيضاً فإن «السيزوميتر» يمكنه التمييز بين الموجات الناتجة من الانفجارات أو تحرك الصفائح، إذاً يجب علينا ألا نصدق مثل هذه الخرافات.
والوطن العربي معرض لحدوث الزلازل فيه، وخاصة المناطق الواقعة على حدود الصفائح، ومنها منطقة الأردن وفلسطين الواقعة على حدود صفائح فالق البحر الميت التحويلي الجنوبي، وسورية ولبنان اللذان يقعان على حدود فالق البحر الميت الشمالي والمناطق الواقعة من شرق البحر المتوسط، والعراق خاصة المدن القريبة من جبال زاقرس مع الحدود الإيرانية والتركية، والخليج العربي مثل السعودية، فإن النشاط الزلزالي في المناطق القريبة من البحر الأحمر، وحسب سجل الزلازل التاريخية، فإن المدن الواقعة قريباً من المحيط الهندي وبحر العرب شهدت هزات مدمرة في العصور المختلفة، والمناطق العربية في قارة أفريقيا وخاصة القريبة من البحر الأبيض المتوسط هي الأكثر تعرضاً للزلازل.
____________________________
(*) باحث جيولوجي في علم الزلازل.