يلمس الجميع مدى الخطر المحدق بالمجتمع الكويتي الذي يخشى معه أن يرتكس أخلاقياً ويتحلل اجتماعياً، وتتعالى صيحات الكويتيين منبهة إلى هذا الخطر ومطالبة باتخاذ الخطوات الفورية في سبيل الإصلاح الجذري والعلاج الكلي الشامل، قبل أن يستفحل الداء ويعز الدواء.
ليس أفراد المجتمع وحدهم الذين يضجون بهذه الدعوة، بل أيضاً المسؤولون الحكوميون على أعلى مستوياتهم، وقد مثل هذه الدعوة في أجلى صورها وأكثر أساليبها إلحاحاً ببيان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء منذ عدة أشهر.
إذن، فالكل متفق على أن هناك أدواءً تفشّت في حاجة لعلاج سريع، غير أن أحداً لم يتطرق إلى عرض الوسيلة التي يراها صالحة للعلاج بشكل جذري، فبقيت الدعوة الإصلاحية شعبياً وحكومياً مجرد انعكاس نظري لصورة المجتمع ليس لها ما وراءها؛ مما يجب أن يتلوها من خطوات إيجابية تضع العلاج الناجع لما صورته من علل ومشكلات وأدواء.
ونحن لنا رأينا -الذي أعلناه مراراً والذي نلتزمه ونقف عند حدوده- في تصوير طريقة العلاج، وهو يتلخص في كلمات قليلة، هي:
العودة إلى تعاليم الإسلام، والالتزام بأحكام الله جل وعلا، وإنه من الضرورة إطلاق هذا الشعار وترديده ووضعه موضع التنفيذ والمبادرة إلى اتخاذ الخطوات والوسائل الكفيلة بتطبيقه، وهذا التطبيق ينبغي أن يأتي تباعاً على خطى مدروسة ووسائل ثابتة باقية تكفل تتابع التنفيذ، ومن هنا تبرز أهمية تحديد نقطة البدء.
إننا نؤمن بأن نقطة البدء يجب أن تنطلق من تربية الفرد منذ صغره تربية إسلامية دينية سليمة وعلى أسس صحيحة.
وتربية الفرد تتولاه خليتان اجتماعيتان، تلكما هما البيت والمدرسة، ودور المدرسة في ذلك أهم وأخطر، ولذلك نوليها الاهتمام الأول والعناية الأكبر.
والبيت السليم يستمد سلامته من سلامة المدرسة؛ أي المعاهد التعليمية بمختلف مستوياتها، ومن البيت السليم والمدرسة السليمة تعم السلامة وتشمل كل مرافق الدولة وكل أنحاء المجتمع، وتبقى المدرسة دائماً الركيزة الأساسية الأولى لعنصر السلامة والنظافة والارتقاء بكافة معانيه.
والمدرسة في النهاية ليست سوى المدرس، المعلم، المربي، ذلك الذي يتعهد النشء طفلاً فصبياً فشاباً يافعاً، وهو الذي يشكّله على شاكلته ويصنعه بنفس طبيعته.
فإذا حصلنا على المدرس المسلم النقي المؤمن، فإننا نضمن جيلاً له نفس هذه الصفات، والعكس بالعكس، ويا ويل الجيل والنشء والمجتمع إذا كان المدرس غير ذي دين أو تقوى أو إيمان وخلق.
وتزداد البلوى إذا كان المدرس يدين مبادئ أخرى هدامة لا إسلامية، يبثها في تلاميذه ويسمم بها أفكارهم.
وتلك مسؤولية القائم على اختيار المدرس، فهو الذي يستطيع أن يختار المربي الصالح؛ فيضمن صلاح المجتمع أو العكس، فينهار المجتمع.
والذي يقوم على اختيار المدرس وعلى مراقبته أجهزة عديدة، تبدأ من وزير التربية والتعليم وحتى ناظر المدرسة، ولكن نعلق المسؤولية الأولى والكبرى بشخص الوزير نفسه الذي يمثل صمام الأمان في صناعة الجيل الجديد الذي منه يستمد المجتمع تكامله واستمراره.
وبنفس المستوى، تعلق المسؤولية بمن يختار الوزير ويضعه على قمة جهاز صناعة الجيل وتربيته، وكذلك بالذين يختارهم ويضعهم على رأس الوزارات التي تسير أمور الدولة وتوجه مصالحها وتحكم انطلاقها.
من هنا، نرى أن المسؤولية -وهي أمانة كبيرة- عامة شاملة، وإنما يتحمل النصيب الأكبر منها الشخص الذي وكل إليه أمر الاختيار والانتقاء، الذي يستطيع أن يختار العنصر الصالح فيضمن صلاح أمور الدولة، أو يختار العنصر الطالح فترتكس كل أمور الدولة.
وهذه المسؤولية -الأمانة- ستكون موضع حساب بين يدي المولى سبحانه وتعالى، فيثاب أحسن الثواب إن أحسن الاختيار، والعكس إذا أساء الاختيار.
إن مسؤولية الحفاظ على سلامة الأجيال ومستقبل الكويت مناط بما يتخذه رئيس مجلس الوزراء من مقاييس يختار وفقاً لها معاونيه من الوزراء وكبار الموظفين في الوزارة المقبلة، والمقياس الذي يفرض نفسه علينا هو مقياس الإيمان والتقوى والصلاح، ذلك الذي يُختار بناء عليه الرجال المؤمنون بربهم، المحافظون على صلواتهم، الذين يحكمون تصرفاتهم ومسلكهم وفقاً لإرادة المولى جل وعلا.
أملنا كبير، إن شاء الله، في حسن الاختيار وصواب المسلك لمن يختارون كوزراء وكمسؤولين في الدولة؛ فتتحقق الأمانة وتصان المسؤولية.
وصدق الله العظيم: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) “الحج:41”
[1] العدد (37)، عام 1970م، ص7.