أجرت صحيفة «الأنباء» الكويتية اليومية حواراً شاملاً مع الداعية الإسلامي الشيخ عبدالله العلي المطوع، رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي رئيس مجلس إدارة مجلة «المجتمع»، تناول فيه رؤيته للعديد من القضايا المحلية والإسلامية، وعلاقة جمعية الإصلاح ببقية التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة، وحقيقة الخلاف بين الإصلاح والسلف والجهود المبذولة لتضييق هذا الخلاف، وعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين، وقضية تكفير المسلم وقتل الأبرياء وتغيير المنكر والخط الفاصل بينها وبين الدفاع عن الأوطان المحتلة، كما تناول الحوار رؤيته للدعوة التي تروّج لضرورة تنقية التراث من الشوائب، ودور الدول الإسلامية في إعداد الدعاة إلى الله.. وغيرها من القضايا المهمة مثل الحرب الضارية التي يشنها بعض الكتَّاب ضد العمل الإغاثي محاولين ربطه بالإرهاب، والضغوط الغربية للتشديد على العمل الخيري، ومستقبل الدول العربية والإسلامية في ضوء ما يسمى بموجة التشدد التي تسود العالم.
وبدءاً من هذا العدد، تنشر «المجتمع» الجزء الأول من الحوار وتوالي نشر بقية أجزائه إن شاء الله، وقد أجرى الحوار الأستاذان يوسف عبدالرحمن، وسامح هلال.
< ما حقيقة الخلاف بين الإصلاح والسلف وبقية التيارات الإسلامية الأخرى؟ وهل هناك تعاون بينكم في بعض القضايا؟ وما ملامح هذا التعاون؟ وما الجهود المبذولة لتضييق مساحة الخلاف؟
– ليس هناك خلاف بين الإصلاح والسلف، ولا بين الإصلاح وبقية التيارات الإسلامية الأخرى، قد تكون هناك وجهات نظر اجتهادية، ولكل طرف مبرراته وآراؤه، وجميع هذه المبررات والآراء مقبولة عند التيارات الأخرى، ما دامت تنطلق من القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة.
ويمكن القول: إن هناك تعاوناً قائماً ومستمراً بين جمعية الإصلاح وكل من يعمل لخدمة الإسلام، بل إنني أرى هذا التعاون أمراً ضرورياً، كما أن هناك تعاوناً قائماً بيننا وبين الإخوة في جمعية إحياء التراث الإسلامي وجميع العاملين في الساحة الإسلامية الكويتية سواء في مجال الإغاثة أو نصرة المحتاج وعمل الخير والبر، فإن هذا التعاون قائم ومستمر من خلال لجنة الإغاثة الكويتية المشتركة التي تم تشكيلها برئاسة الأخ يوسف جاسم الحجي، ونحن كلنا أعضاء فيها، وهي تشكّل منطلقاً جديداً للعمل الخيري الكويتي يتعاون فيه الجميع على قدر المساواة فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.
< كيف يمكن التقريب بين التيارات الفكرية العاملة على الساحة الإسلامية؟ وهل ترى اختلاف هذه التيارات من الظواهر الصحية، أم ظاهرة مرضية يجب علاجها؟
– إذا كانت هذه التيارات الفكرية الإسلامية كلها تنطلق من منطلق واحد هو كتاب الله عز وجل وسُنة نبيه محمد |، فليس هناك خلاف حتى نعمل على تقريب وجهات النظر بشأنه، وهذا ما نرجوه وندعو إليه، لذلك فنحن لا نفترض أن هناك خلافاً ما دام هذا الخلاف ليس موجوداً.
فإذا كان المنطلق واحداً وهو الالتزام بكتاب الله تبارك وتعالى وسُنة نبيه |، فليس هناك خلاف، أما من ابتعد بأفكاره وآرائه عن هذا الطريق وهذا المنهاج الإلهي فنحن على اختلاف معه.
< ما مدى تأثر -وارتباط- جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت بجماعات الإخوان المسلمين المنتشرين في مصر وعدد من الدول الإسلامية؟ وهل صحيح أن هناك ما يسمى بالحكومة العالمية للإخوان المسلمين؟
– أولاً وقبل أن أجيب عن هذا السؤال أحب أن أقول وأن أوضح للجميع أن جماعة الإخوان المسلمين التي بدأها فضيلة الشيخ حسن البنا، يرحمه الله، هي جماعة من خيرة الجماعات الإسلامية في العصر الحديث، هذه الجماعة لها منطلق واضح هو كتاب الله عز وجل وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولعل العالم العربي والإسلامي الحديث -منذ أوائل الأربعينيات وحتى اليوم- مدين لجماعة الإخوان المسلمين في نشر الوعي الإسلامي وفي نشر الكتاب الإسلامي، ولهذا انتشر الفكر الإسلامي في المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام.
لقد زرت بلداناً إسلامية وعربية كثيرة، ووجدت آثار الإخوان المسلمين الطيبة بارزة وواضحة في كل هذه البلدان، فعلى سبيل المثال في ماليزيا وإندونيسيا وأفريقيا، بل وفي أغلب دول العالم كله، لهم تأثير كبير، ولهم أنصار وأتباع كثيرون، حيث إن دعوتهم تنطلق من منطلق واحد وهو ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من رب السماوات والأرض لا إله إلا هو.
هذه الجماعة لها فضل لا أقول على مصر وحدها، بل على العالم العربي والإسلامي بشكل عام، وهذه الجماعة لها -ولله الحمد- تاريخها في الجهاد وتحرير القُطر المصري من الاحتلال الإنجليزي، ومواقفهم في القنال وغير القنال معروفة ومشهودة، يعرفها إخواننا في مصر، ويفرد لها التاريخ صفحات طويلة تمتلئ بالتضحية والفداء، بل إن هذه الجماعة هي أول من حمل راية الجهاد بقيادة فضيلة الشيخ الراحل حسن البنا في أرض فلسطين، وكان الجيش المصري يستنجد بجماعة الإخوان المسلمين لما لهم من إقدام وصبر وشجاعة، فقد باعوا دنياهم وحملوا راية الجهاد لطرد اليهود والوقوف ضد الظلم والاضطهاد والعنصرية.
وعموماً، فأنا أعتقد أن لهذه الجماعة -ولله الحمد- فضلاً بعد فضل الله جل جلاله، من فضل الله عليها أن حملت لواء الدعوة الإسلامية وتصحيح مفاهيم الناس، وانطلقت من كتاب الله وسُنة رسوله، ولو أردت أن أسرد تاريخهم ومواقفهم المشرفة لقلنا الشيء الكثير، فهم أول من تصدى للرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر ولأطماعه وانحرافاته في السياسة المصرية الحديثة، حيث التأميم ومصادرة أموال الناس وحرياتهم، وإقامة المعتقلات والسجون وغير ذلك، فمات منهم الآلاف وسجن منهم عشرات الآلاف وما زادهم إلا ثباتاً واستمراراً حتى يومنا هذا، بل إن الوعي الإسلامي الموجود حالياً على الساحة المصرية في أوساط الشباب والطلاب والكبار والصغار كان للإخوان المسلمين -من فضل الله عليهم- يد وباع طويل في هذا الوعي.
هذه هي جماعة الإخوان المسلمين التي أراد بعض المغرضين الذين يحقدون على الإسلام والمسلمين أن يشوهوا تاريخهم الأبيض، ولكن تاريخهم سيظل شاهداً على نقائهم وصمودهم وجهادهم، ولن يستطيع أحد تشويه هذا التاريخ النظيف، ونحن الذين عاصرنا حركة الإخوان نعرف من هم الإخوان ونعرف ما هو تاريخهم.
وبالتالي، فإن الانتماء لهذه الجماعة ليس سُبَّة، بل هو شرف قد لا يدركه الكثيرون، أما مدى تأثر -وارتباط- جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت بجماعة الإخوان المسلمين، فإن جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت هي جمعية الإصلاح، وهي تنطلق من نفس منطلق الإخوان المسلمين -وهو الكتاب والسُّنة- في العمل الإسلامي، وفي العمل الدعوي، وفي العمل الإنساني، وفي العمل الخيري، وهي كما ينطلق أي عمل إسلامي في الكويت مثل جمعية إحياء التراث وجمعيات النفع العام الإسلامية، فكل هذه الجمعيات تنطلق من منطلق كتاب الله عز وجل وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا فرق في ذلك بين جمعية الإصلاح وجمعية إحياء التراث وبين أي جماعة تعمل في هذا الميدان، وما دام المنطلق واحداً فإن الجميع سواسية في هذا المنطلق، قد تختلف التسميات وقد تختلف الوسائل ولكن الهدف واحد وهو إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.
ويجب أن يعرف الجميع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حدد علاقة المسلمين بعضهم ببعض: «فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً»، سواء كان في مصر أو الكويت أو دول الخليج أو إندونيسيا أو ماليزيا أو أي مكان في العالم وتحت أي اسم، فما دام مسلماً ومرتبطاً بالله عز وجل فهو جزء من البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، فمثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فقد تختلف المسميات، وقد تختلف الوسائل، ولكن الغاية تبقى هي إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى في وضح النهار، لأن الإسلام واضح وظاهر كالشمس الساطعة.
فنحن في جمعية الإصلاح الاجتماعي يدنا ممدودة لجميع العاملين للإسلام الذين يتخذون من الكتاب والسُّنة منطلقاً لهم، ويسعون إلى إعلاء كلمة الله عز وجل، فكل هذه الجماعات كالبنيان المرصوص، ولا فرق بين جماعة تعمل في مصر وأخرى تعمل في أي جزء من العالم، قد تختلف الوسائل، وقد تختلف الاجتهادات، بل وقد تختلف الآراء وفق الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تتباين من مجتمع لآخر، ومن بلد لبلد، ولكن تبقى الغاية هي إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، ما دامت هذه الجماعة العاملة في الحقل الإسلامي على الساحة الإسلامية تنطلق من منطلق واحد فهي تسير في نفس الطريق وتسعى لتحقيق نفس الأهداف والغايات، فالجماعات العاملة في الحقل الإسلامي قد لا تخضع لقيادة واحدة، وليس لها نفس التنظيم الموجود في جماعات أخرى، ولكنها جميعاً تخضع لكتاب الله عز وجل وسُنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن كل هذه الجماعات تلتقي على الكتاب والسُّنة.
أما ما يقال: إن هناك ما يسمى بالحكومة العالمية للإخوان المسلمين، فالحقيقة أنني لم أسمع شيئاً عن مثل هذه الحكومة المزعومة، ولا أعرف عن ذلك شيئاً، صحيح أنني قرأت كثيراً عن تاريخ الإخوان وأعرف الإخوان وحقيقتهم، كما أعرف أن جماعة الإخوان المسلمين هي -ولله الحمد- جماعة معتدلة تحارب الإرهاب والتطرف والغلو، وهي جماعة مسلمة تعمل ولا تزال تعمل وستظل تعمل إن شاء الله، فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، مع ذلك لم أسمع شيئاً بوجود مثل هذه الحكومة العالمية المزعومة للإخوان المسلمين، وقد يكون لهم قيادة عالمية، أما أن يكون لهم حكومة عالمية فلم أسمع عن هذا الموضوع شيئاً ولا أعتقد بوجود مثل هذه الحكومة.
< كيف تنظر للدعوة القائلة بضرورة تنقية التراث الإسلامي من الشوائب؟ وبم ترد على من يطالب بالتخلص من التراث بزعم أنه يشكّل حملاً ثقيلاً يعيق حركة التقدم داخل الأمة الإسلامية؟
– أولاً: التراث الإسلامي نقي ولا يحتاج إلى تنقية، ويجب أن يعرف الجميع هذا بوضوح، والدعوة إلى تنقية التراث الإسلامي من الشوائب دعوة مشبوهة.
أما من يطالب بالتخلص من التراث الإسلامي بزعم أنه يشكّل حملاً ثقيلاً يعيق حركة التقدم داخل الأمة الإسلامية، فهذا الزعم قديم وليس بالجديد، فقد كان أبو جهل، وأبو لهب، وأمية بن خلف وغيرهم من المشككين في الإسلام، والداعون إلى عبادة الطاغوت والداعون إلى العلمانية، لهم مواقفهم للتشكيك في الدين الإسلامي وفي التراث الإسلامي، ومزاعم هؤلاء مردود عليها ولا مكان لها عندنا، والعقلاء يعرفون ذلك ويعرفون أهدافهم الخبيثة، لذلك يجب ألا نكترث لما يطرحه أعداء الإسلام، فقافلة الإسلام تسير ولن تلتفت إلى الخلف بإذن الله.
< كيف يمكن للدول الإسلامية أن تقوم بإعداد العلماء والدعاة الذين يؤدون رسالة الدعوة إلى الله على الوجه الصحيح حالياً ومستقبلاً؟
– هذا أمر ميسور وموجود، فيجب لإعداد العلماء والدعاة أن نهيئ لهم المعاهد الشرعية وفرص التحصيل العلمي والشرعي على مستوياته المختلفة، وأن نضمن لهم حرية القول والعمل، كما يجب أن يكون العلماء والدعاة على إلمام كامل بالأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكي يصبحوا دعاة يعرفون ماذا يريدون وماذا يفعلون وماذا يقولون.
فإعداد العلماء والدعاة أمر ميسور خاصة في ظل التطور العلمي والتكنولوجي الهائل الذي نعيشه الآن، وفي ظل وجود المعاهد والكليات، بل والجامعات الشرعية المتخصصة والمنتشرة في بعض البلدان العربية والإسلامية، والمهم أن نعرف كيف نعد هؤلاء العلماء ونؤهلهم علمياً بأعلى المستويات.
< ما رؤيتكم للنتائج التي يمكن أن تترتب على فرض مزيد من الضغوط أو القيود على العمل الإغاثي الإسلامي؟
– أي ضغط على عمل إغاثي أو إسلامي أمر من وجهة نظر الشرع مرفوض وغير مقبول، ومرتكبوه يخالفون الشريعة ويخالفون أوامر الله سبحانه وتعالى، فالعمل الإغاثي والعمل الإنساني يجب أن ينطلقا من منطلق واحد؛ وهو حرية العمل وحرية البذل وحرية العطاء، ما دام ذلك ضمن تعليمات وتوجيهات المولى سبحانه وتعالى.
أما بعض الدول التي تسعى لهذه الضغوط فهي واقعة تحت تأثيرات خارجية أجنبية وأغلبها صليبية؛ لكي يفسح في المجال للعمل الصليبي في المجتمعات الإسلامية؛ لذا فأي ضغط على العمل الإسلامي أو العمل الإغاثي أمر مرفوض من جهة الشرع ولا يقره الإسلام، ومرتكبوه سواء كانوا رسميين أو شعبيين إنما يرتكبون مخالفة شرعية يحاسَبون عليها بين يدي الله عز وجل.
[1] العدد (1284)، عام 1998م، ص32.