في ظل تزايد ما يتعرض له المسلمون في الهند خلال السنوات الأخيرة، من استهداف وتضييق، وحملات اضطهاد واسعة، وأعمال عنف طالت الأفراد في الشوارع ومنازلهم ومحالهم التجارية ومساجد، تردد كثيراً مصطلح «هندوتفا»؛ فما هي «الهندوتفا»؟ وكيف نشأت؟ وماذا جنت على المسلمين والمسيحيين في الهند؟
ما هي «هندوتفا»؟
الفكرة التي أُسست عليها الهند بعد استقلالها ووقت تدوين دستورها بقيادة حزب «المؤتمر الوطني الهندي» آنذاك تقوم على أن الهند تضم ثقافات عديدة، وديانات كثيرة وأشخاصاً ذوي هويّات متعددة وألسنة مختلفة وولاءات متنوعة، تجتمع كلها في دولة واحدة ذات دستور واحد، يحدد لهم الواجبات والمتطلبات، ويوضح لهم الحقوق، ولا يملك أحد أن يجردهم من تلك الحقوق المكتسبة أو يجبرهم على التخلي عنها.
النصوص التي تم تدوينها يمكن البناء عليها للتعايش المشترك، إلا أن الأمر على أرض الواقع في الحياة العامة كان مختلفاً، ولا بد من أن نفرق بين «الهندوسية» و«الهندوتفا»، فالأولى (الهندوسية) ديانة يتبعها غالبية الهنود، أما «الهندوتفا» (Hindutva) أيديولوجية للتعبئة السياسية بين أغلبية سكان البلاد، وبالتالي فهي حركة سياسية بدأت قبل نحو قرن بهدف تحقيق حاكمية الهندوس المطلقة في الهند، و«الهِنْدُوتفا» أو حركة القومية الهندوسية هي المظهر السياسي والاجتماعي لهذه الحركة التي تهدف إلى إنشاء كيان هندوسي مستقل يرفض الديانات والثقافات غير الهندية التي دخلت الهند وترسخت بها، وخصوصاً الإسلام والمسيحية.
كتاب “المسلمون في الهند” – إصدار مجلة المجتمع
نشأتها ومنظروها
هناك 3 أشخاص هم أبرز المنظرين لحركة القومية الهندوسية (الهندوتفا)، وهم:
1- ونايك دامودر ساوركر (توفي عام 1966)، وهو أول من اخترع فِكرة «الهندوتفا»، ووضّح أفكاره في كتابه «Essentials of Hindutva» عام 1923، ووضع فيه مواصفات لشخص هندوسي من الناحية العِرقية والثقافية والسياسية وأعاد نشره عام 1928 تحت عنوان «Hindutva: Who is a Hindu?»، ويعتبر هذا الكتاب النص التأسيسي لعقيدة القومية الهندوسية.
وله كتاب آخر باسم «Six Glorious Epochs of Indian History»، يفضل هذا الكتاب وجهة النظر لدراسة تاريخ الهند مختلفاً عن المؤرخين الذين يركزون على فهم المجتمع الهندي من حيث استمراريته وخصائصه المشتركة، بل نجد عند ساوركر وعند مؤرخي «الهندوتفا» كأن الماضي يتعلق فقط بالتاريخ الهندوسي في الفترة المبكرة، وواجه الهندوس اضطهاداً في ظل ما يصفونه بالحكم الاستبدادي للمسلمين.
وهذا بلا شك تجاهل وإغفال حقيقة أن الثقافة الهندوسية ازدهرت جنبًا إلى جنب مع الثقافات الأخرى في حكم المسلمين بعيداً عن أن تكون ضحية، كما يقول المحلل السياسي الشهير بيبن جندرا: «حكم المسلمين لم يقوّض سلامة الثقافة الهندوسية قط».
2- مادهوراو غولوالكر (توفي عام 1973)، وقد قاد غولوالكر حركة «آر إس إس» لمدة ثلاثة عقود (1940-1973) كرئيسها وهو الذي يمثّل أيديولوجيات «هندوتفا» على أساس الفلسفة الهندوسية القديمة والأفكار الروحية الدينية التي جعلت كتاباته شائعة ومقبولة بين الشعب الهندوسي ومهدت الطريق أمام «الهندوتفا» أن تثبت أقدامها في المجتمع الهندي.
وأكد في كتبه بأن ساوركر هو أول منظرٍ للقومية الهندوسية ولا سيما في كتابه عام 1939 «We or Our Nationhood Defined»، وفي مختارات كتاباته وخطبه «Bunch of Thoughts»، لقد أوضح أن الهند كانت الأرض المقدسة للهندوس؛ بقوله: «الهند هي أرض الأمة الهندوسية وحدها تزدهر فيها».
3- دين ديال أبادهيائ (توفي عام 1968)، وهو صاحب نظرية حزب بهارتيا جاناتا (BJP)، ومن مؤسسيه البارزين، وحزب بهارتيا جاناتا أو «الشعب الهندي» الحاكم حالياً بقيادة ناريندرا مودي يمثل «هندوتفا» سياسياً ويشارك في الانتخابات.
لقد وضّح وجهة نظره عن حزبه في محاضراته الأربع التي ألقاها في مومباي عام 1965 وأعطاه عنوان «فكرة إنسانية متكاملة»، فتقبلها حزب بهاراتيا جاناتا كفكرته السياسية وأضافها في دستوره ويجب على جميع أعضائه أن يقررها.
وظهور مصطلح «هندوتفا» (هندوتوا) كان على يد د. هيدغيوار (Hedgewar) (توفي عام 1940)، وهو أحد منظِّري الحركة الهندوسية وزعماء «آر إس إس»، عندما أطلق مصطلح «هِنْدُوتْوَا» (Hindutva)، أي الهندوية أو الهندوسية السياسية، كاسم لهذه الحركة وذلك في كتابه «هِندُوتْوا» (Hindutva) المنشور عام 1923، وقام بتنظيرها غولْوالْكَر في كتابه: «We or Our Nationhood Defined»، وهو يعتبر الكتاب المقدس لهذه الحركة.
وتعود أصول هذه الحركة إلى النصف الثاني من القرن الـ19، حين قرر الإنجليز العمل على توسيع الهوة بين المسلمين والهندوس بعد القضاء على ثورة 1857 التي قادها المسلمون وشاركهم الهندوس لإسقاط الحكم الاستعماري الإنجليزي؛ وبعد إخماد تلك الثورة، وعملاً بمبدأ «فرِّق تسد» حين أيقن الإنجليز أن حكمهم لن يستقر ما دام المسلمون والهندوس متحدين، قرروا تشجيع جماعات وأفراد من الطائفتين لإثارة الحقد والكراهية ضد الأخرى.
وهكذا تبنى الإنجليز بعض الهندوس من جهة، وفريق إنجليزي آخر تبنى بعض المسلمين، وعمد الإنجليز إلى وضع تاريخ مزيف للهند يصف قرون الحكم الإسلامي بالهمجية والتعسف والظلم في حق الهندوس؛ وشجع الإنجليز جماعات هندوسية أخذت تثير الكراهية ضد المسلمين مثل حركة الآريا سَماج.
أحلام النهضة الهندوسية
«النهضة الهندوسية» حلم راود زعماء الهندوس في القرنين الـ19 والـ20، وظلت هذه الحركة بمختلف أشكالها معادية للمسلمين ومؤيدة للمستعمر الإنجليزي أو على الأقل محايدة بالنسبة له، ولم يعرف عن زعماء الحركة الهندوسية أنهم حاربوا المستعمر الإنجليزي، بل كانوا يسخرون من الذين يعارضون المستعمر ويُقتلون أو يذهبون للسجون خلال ذلك الكفاح، وكانوا يقولون عن أنفسهم: إنهم يستعدون لأمور أكبر من الاستقلال، فهدفهم هو إنشاء دولة هندوسية.
وكانوا يرون أن الإنجليز حلفاء لهم في هذه الحركة لأنهم يقضون على نفوذ المسلمين وخصوصاً بعد هزيمة الثورة الكبرى عام 1857 التي صوّروها على أنها كانت محاولة لإعادة الحكم الإسلامي في الهند.
وقد ألف بانكيم تَشنْدرا تشاتَرجِي رواية بعنوان «آنَنْد مَتْهْ» (Anandamath) (بيت السعادة- عام 1882) حول كفاح الهندوس ضد الحكم الإسلامي وتنتهي هذه الرواية بهزيمة المسلمين؛ وعندها يطلب قائد الكفاح الهندوسي الإذن من معلمه أن يبدأ الكفاح ضد الإنجليز الذين بدؤوا يسيطرون على أجزاء من الهند، فيأمره المعلم أن يعود إلى أشغاله العادية في الحياة حيث لا ضرورة لقتال الإنجليز؛ لأن الهندوس سيعيشون في سعادة تحت حكم الإنجليز.
وتحتوي الرواية على أغنية «وَنْدِيه ماتْرَم» يعترض عليها المسلمون لأنها تعني عبودية أرض الهند، ولكن يصر غلاة الهندوس على غنائها في كل مناسبة وهم مستعدون لضرب وقتل من لا يرددها.
وقد سبقت «R.S.S» حركاتٌ ومنظمات هندوسية كثيرة تبنت فكرة القومية الهندوسية الجامعة ابتداءً من تنظيم «الآرْيا سَماج» (Arya Samaj- المجتمع الآري أُسّس سنة 1875) و«الهِندو ماهاسابها» (المؤتمر الهندوسي الكبير – أسس سنة 1915)، وغيرها.
في الموضوعات اللاحقة سنواصل التعريف بأهم أفكار ومحطات «الهندوتفا» والحركات التي انبثقت عنها وتبنت أفكارها وأثرها في الحياة السياسية.
________________________________________________________
1- المسلمون في الهند.. بين تضييق الواقع وتحديات المستقبل، صادر عن مجلة «المجتمع».
2- حركة القومية الهندوسية وكيف غيرت الحياة السياسية الهندية وهمشت مسلمي الهند، د. ظفر الإسلام خان– مركز فاروس.