الزكاة ركن الإسلام الثالث وعموده في تقويم النظام المالي للمجتمع، فبه تتزن كفة التفاوت بين أغنياء المسلمين وفقرائهم حتى لا يبقى بينهم جائع ولا محتاج؛ فتزدهر المحبة بين الصف المؤمن، ويعظم الإخاء وتطفو مظاهره من الإيثار والتضحية والبذل.. وعليه؛ فإن للزكاة منحاً عظيمة وفوائد جليلة، لعل أهمها:
1- بلوغ الحد الأقصى من المنفعة للمال الفائض:
تتجلى حكمة الشارع في ذلك من إعادة تدوير المال الفائض عند الأغنياء إذا دارت على هذا المال دورة كاملة، فيُقتطع جزء منه في مصارفه الشرعية، ومن ثم فاليد التي ستتلقى هذا المال إذا كانت فرداً أو مؤسسة من شأنها أن تستفيد منه الاستفادة القصوى حسب حاجة الجهة المستلمة للمال.
2- توزيع الدخل والثروة:
تعتبر الزكاة من أكثر الطرق عبقرية في توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع، حتى لا يزيد الثري ثراءً، ويزيد الفقير فقراً دون الحاجة، كما يقول علماء الاجتماع: تؤدي إلى إصلاحات دورية في التشريعات والقوانين، وربما تطور الأمر إلى احتراب واقتتال بين أبناء الأمة الواحدة.
3- تغذية المودة والتآلف بين طبقات المجتمع:
لما كانت الزكاة في فلسفتها ضمانة اجتماعية للرضاء المالي بين طبقاته، فهي تجعل من المجتمع المزكّي مناخاً غير قابل للعطب، فمتى حرص الغني على إيصال زكاته لمصارفها؛ فإن شعوراً داخلياً ينمو في نفوس أبناء هذا المجتمع أن القيمة أغلى من المال، وأن التسليع سلوك غير بشري وغير مقترح في هذه المدن الفاضلة.
4- الحد من جرائم الأموال كالسرقة والنصب:
لما كانت القاعدة الربانية (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60)، أصلاً في المعاملات، فهي تسري على الفرد كما تسري على المجتمع، فالشارع الذي أمر بإخراج الزكاة مؤكداً أن ذلك حق الفقراء في أموال الأغنياء ولا يمكن التجاوز فيها، نهى أيضاً عن سطو البعض على أموال الأغنياء أو سرقتها أو الاحتيال في أخذها؛ الأمر الذي سيتلاشى تلقائياً إذا عمت روح الأخوة بين أبناء المجتمع وطبقاته، فبالعودة إلى مجتمع المدينة لم يكن أحد لينظر إلى عثمان بن عفان إلا ويرى فيه ذلك التاجر الأمين الذي سُلط على هلكة ماله في دروب الخير، فكيف لنفس شيطانية أن تفكر في سرقته أو السطو على ماله وهي إذ تعتبر جناية على المجتمع ككل وثورة ضمنية على أدبياته؟!
5- محاربة البطالة واستثمار الطاقات:
إن توجيه الزكاة في مصارفها الشرعية سوف تقضي بالضرورة على البطالة؛ ومن ثم سيستثمر المجتمع في طاقات أبنائه ويغذيها ويؤول بها إلى القضاء على جناحي البؤس والبطالة والحسد، ويبرز في ذلك دور الدولة أو المؤسسات المعنية في توجيه هذه الأموال للقضاء على البطالة عبر مأسسة أعمال البر والمضي بها قدماً نحن الديمومة والإنتاج.
6- تحصيل التضامن الاجتماعي:
إذا التزم أصحاب الأموال بإخراج الزكاة، فإنه لن يبقى في بلاد المسلمين فقير ولا مسكين ولا جائع أو محتاج؛ الأمر الذي يؤكد أن فكرة التضامن الاجتماعي قد استقرت في المجتمع المسلم بنزول آيات الزكاة وأحكامها.
7- احترام آدمية الفقراء ورعاية كرامتهم:
لا شك أن كرامة المسلم واحترام آدميته مأمور بها مكفولة من قبل الدولة والمجتمع، وهي حق لصيق بشخصية المسلم لا يسقط بالتقادم، كما لا يغيره حادث الفقر أو الرخاء، وفي توجيه الزكاة إلى مصارفها احترام لآدمية المسلمين وصونهم عن السؤال ورعاية كرامتهم وتحقيق مساواة مجتمعية في الحقوق والواجبات بين طبقات المجتمع المختلفة.