- ديفيز: بالنسبة لأناس مثلي يدرسون ويحاولون التعلم، يختلط عليهم الأمر حيث توجد حركات إسلامية كثيرة، ما هو الإسلام الصحيح؟ وهل هناك أي محاولات على طريق الحركات الإسلامية المختلفة لكي تجتمع على كلمة سواء بحيث تصبح حركة إسلامية واحدة؟
– الإسلام له مصادره المعروفة لدى المسلمين والمعترف بها من جمهرة المسلمين، خصوصاً إذا قلنا بالنسبة للسُّنة الذين يمثلون الأغلبية الإسلامية، وإن كان الإسلام في النهاية يتفق مع معظم الأشياء، فالمسلمون جميعاً يؤمنون بالله وملائكته ورسله وبالجزاء في الآخرة، والمسلمون جميعاً يعتقدون بوجوب الصلوات الخمس كل يوم، والزكاة كل عام، والصيام في شهر رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام، ويؤمنون بفضائل معينة مثل الصدق والأمانة والوفاء بالعهد.. وهذه الأشياء مجموعة أخلاقيات، ويحرِّمون أشياء معينة؛ مثل الزنى وشرب الخمر وأكل الربا.. هذه أشياء يتفق فيها المسلمون جميعاً ولا يكاد مسلم يختلف في هذا حتى وإن كان مسلماً سُنياً أو شيعياً، إنما يحصل الاختلاف في الأمور العامة نتيجة أفهام مختلفة ومواريث مختلفة.. كما ذكرت أنا مثلاً تأثرت في نشأتي بمدرسة فكرية حركية إسلامية معينة، وغيري نشأ في مدرسة أخرى، وفي اختلافات بعضها راجع إلى الأشخاص أنفسهم، واحد متشدد جداً، وواحد ميسّر، وكذا لا بد أن يكون هناك قدر من الاختلاف، ولا يضر هذا الاختلاف إذا كانت الأصول الأساسية متفقاً عليها، وهناك قاعدة يؤمن بها تيار الوسطية الذي تحدثت عنه، وهذه القاعدة تسمى القاعدة الذهبية، وهي تقول: “نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”، ففي أشياء كثيرة جداً نتفق ونتعاون فيها، كلنا لا يحب الإلحاد؛ فلنحارب الإلحاد، كلنا ضد الإباحية؛ فنقاوم الإباحية، كلنا ضد الظلم؛ فلنقف ضده معاً، كلنا ضد الاستعمار؛ فلنقف معاً ضد الاستعمار، كلنا يريد مساعدة الضعفاء والفقراء؛ فلنعمل لتعليم الجاهلين.. هناك أشياء كثيرة بالمئات؛ فلنتعاون في تحقيق هذه الأشياء، وهناك أشياء نختلف فيها؛ فلنتسامح فيها، وليعذر كل منا الآخر في هذه الأشياء، لأنه يصعب على الناس جميعاً أن يتفقوا في شيء واحد، فلا مانع من ذلك، فإذا قلنا بتعدد الأديان، كما ذكرت في السؤال السابق، وأن الحياة تتسع لأكثر من دين وأكثر من حضارة وأكثر من ثقافة؛ فكيف لا تتسع لأكثر من اتجاه داخل دين واحد أو داخل حضارة واحدة، لا مانع من هذا، إنما المهم أن تظل هناك مساحة مشتركة وقواسم مشتركة تسع الجميع.
بعض الناس يحلم أن تقوم حركة إسلامية واحدة تتحدث بلسان الإسلام والمسلمين وتنفي ما عداها، أن نجعل الناس نسخة مكررة، قوالب مصبوبة.. وهذا غير طبيعة البشر، لا بد للناس أن يختلفوا، لا مانع من الاختلاف إذا كان اختلاف تنوع، وليس اختلاف تناقض، ولقد خلق ربنا سبحانه وتعالى الكون مختلفاً ألوانه، لكنه اختلاف تنوع وليس اختلاف تناقض وتضاد.. فلا مانع أن توجد في الصحوة الإسلامية مدارس مختلفة ليس هناك مانع، حتى التيارات المتشددة نفتح الحوار بيننا وبينها، ونحاول أن نكسب منها وأن نضمها إلينا، ومن هنا دعوت في كثير من كتبي إلى أنه لا مانع من أن تتعدد الجماعات العاملة للإسلام والمتحدثة باسمه، وأن يكون هناك أكثر من جماعة وأكثر من حركة، كل ما في الأمر ألا يحاول بعضها أن يهدم البعض الآخر، أو يجرح بعضها بعضاً، إنما ينسقون فيما بينهم، يتعاونون في المواقف المصيرية والقضايا الكبرى؛ مثل قضية البوسنة، كل مسلم لا بد أن يقف لينصر العدل ويقاوم الظلم، مجاعة في بلد إسلامي يجب على جميع الجماعات والحركات أن تقف لنصرة هذا البلد.
وإذا كنا ندعو لحوار مع غير المسلمين بالتي هي أحسن، بأحسن الأساليب، كما ذكرنا، فأولى وأحق وأوجب أن المسلمين يتحاورون فيما بينهم أيضاً بالتي هي أحسن، إنما لا نستطيع أن نجعل من المسلمين نسخة واحدة؛ لأن هذا ضد طبيعة الحياة نفسها، وضد طبيعة البشر وضد طبيعة الدين نفسه؛ لأن الدين نفسه جاء نصوصاً مكتوبة بلغة معينة، كل واحد يقرؤها ويفهم فيها فهماً، فلا بد أن تختلف الأفهام، كل ما في الأمر أننا نقول: إننا نحاول أن نتفق على الأصول الأساسية والأركان الأصلية، ولا مانع من الاختلاف في الفروع بعد ذلك، مثل هذا الاختلاف رحمة وسعة وثروة للأمة.
العدد (1118)، ص46–47 – بتاريخ: 21 ربيع آخر 1415ه – 27 سبتمبر 1994م