يجب أن نعمل لإعادة الوعي لأمتنا لتتمكن من مواجهة التحديات التي تهدد وجودها، فمشهد حرق القرآن في السويد يجب أن يشكل بداية لمرحلة جديدة نقوم فيها بمراجعة شاملة لتاريخنا.
لقد كان من أهم أسباب ضعفنا وهزائمنا أن الغرب نجح في تضليلنا وتزييف وعينا، لكي ننسى كيف واجهت القيادات الإسلامية الغرب، وأرغمته على أن يلتزم الأدب في التعامل مع الإسلام ورموزه ومقدساته.
أستطيع أن أروي لكم الكثير من القصص عن قادة عبروا عن اعتزازهم بالانتماء لأمتهم، وتعاملوا بقوة مع ملوك الدول الغربية وقادتها.
والقوة ليست في امتلاك العدد والعدة فقط، ولكنها تكمن في نفوس مؤمنة مستعدة لاتخاذ القرار باستخدام هذه القوة عندما تتعرض الأمة للتحديات، فهناك من يمتلك القوة، لكنه لا يستطيع أن يستخدمها لأنه يخاف على ما يتمتع به من حياة، كما أن هناك جوانب للقوة من أهمها الهيبة والقدرة على ردع العدو، ونقل الرسائل في الوقت المناسب ليشعر العدو بأنه سيدفع ثمناً غالياً.
لذلك، فإن شعور العدو بأنك تستطيع أن تستخدم القوة، يمكن أن يؤدي إلى تجنب الحرب، وتأجيل الصراع.
والأمة الإسلامية تمتلك الكثير من أنواع القوة الصلبة والناعمة، لكن الغرب يتعامل معها باستكبار واستعلاء؛ لأنه يدرك أن الأمة غير قادرة في هذه الفترة على استخدام قوتها، لذلك أقدمت السويد على حرق القرآن، وهي تعلم جيداً ماذا يعني هذا الفعل!
في الليلة الظلماء نفتقد عبدالحميد!
سأذكر لكم مثالاً واحداً يثير الخيال، وربما يدفعنا إلى التفكير في دراسة تاريخنا لبناء مستقبلنا، وإعادة الاعتبار لرجل عظيم في تاريخنا تعرض للظلم هو السلطان العثماني عبدالحميد الثاني.
والموقف الذي تحتاج الأمة أن تتذكره، هو أن فرنسا سمحت بتمثيل مسرحية تتضمن إساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان المسرح في ذلك الوقت من أهم وسائل التأثير على الجماهير، وتوجيهها.
تم الإعلان عن تمثيل المسرحية على مسرح باريس، وأنه سيتم بعد فترة تمثيلها على مسارح في مدن فرنسية أخرى، فعلم السلطان عبدالحميد بالأمر.
لذلك قرر السلطان إرسال رسالة واضحة لفرنسا، أن الدولة العثمانية سوف تستخدم قوتها لمنع الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعليم فرنسا الأدب في التعامل مع الإسلام، لذلك ارتدى زي الحرب، وتقلد سيفه، وجمع أركان جيشه، واستدعى السفير الفرنسي في إسطنبول.
عندما دخل السفير الفرنسي وجه له السلطان تحذيراً واضحاً، قائلاً: أنا خليفة المسلمين، وسأقلب الدنيا على رؤوسكم إذا لم توقفوا هذه المسرحية.
فهم السفير دلالات الرسالة، وأدرك تصميم السلطان الذي يتحدث باعتباره خليفة المسلمين على أن يستخدم كل قوة الأمة دفاعاً عن رسولها الكريم، فأرسل لدولته يصف لها المشهد، فاضطرت يومئذ فرنسا المغرورة بقوتها أن تخضع لأمر السلطان، وأن تمنع عرض المسرحية في باريس، وفي أي مدينة فرنسية.
إنه درس للأمة الإسلامية
اليوم يمكن أن نقرأ رسالة السلطان عبدالحميد من جوانب جديدة، فهي درس للأمة الإسلامية، تتضمن الكثير من المعاني والدلالات، من أهمها أن الأمة تمتلك القوة التي تمكنها من أن تخيف عدوها، وأن الأعداء مهما بلغت قوتهم يمكن أن يصيبهم الرعب عندما تقرر الأمة أن تواجه وتتحدى وتقاوم.
ولقد تزايد ضعف هذه الأمة عندما تخلت عن السلطان عبدالحميد، وأصابها الانبهار بأفكار الغرب، وسمحت للنخبة المتغربة أن تتآمر على السلطان الذي كان يعمل لتوحيد الأمة الإسلامية.
أدرك الغرب هدف السلطان عبدالحميد، فجمعت الدول الغربية كيدها، واستخدمت عملاءها لتغييب وعي الأمة، ونشر الأفكار الغربية لتحل في قلوب المسلمين وعقولهم محل الإسلام الذي انحصر داخل المساجد، بينما سيطر المتغربون على المدارس والجامعات والصحف ودور النشر والسينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون.
متى تستعيد الأمة وعيها؟!
كان اختفاء السلطان عبدالحميد من المشهد بداية لضعف الأمة الإسلامية وتفككها، وكان انتصاراً للغرب الاستعماري الذي استغل الفرصة للسيطرة على الدول الإسلامية الضعيفة، وتغييب وعي الأمة باستخدام قوته الإعلامية والثقافية.
والأمة الآن تتعرض للكثير من الصدمات والضربات على رأسها، وهذه الضربات يمكن أن تجعلها تستعيد ذاكرتها ووعيها، وتدرك الكثير من الحقائق، من أهمها أنها «خير أمة أخرجت للناس»، وأنها صاحبة رسالة ووظيفة حضارية، وأنها يمكن أن تبني المستقبل، وتقود البشرية لبناء عالم جديد، وأنها يمكن أن تشكل للعالم مفاجأة تاريخية جديدة، فتنتفض وتتوحد وتختار لنفسها قيادات تمتلك رؤية وإرادة، وتعتز بانتمائها للأمة، وتستطيع أن تتخذ قرارات صحيحة في الوقت المناسب.
لكن الأمة تحتاج إلى علماء حقيقيين يقومون بإزالة الغبار عن تاريخها، ويوضحون لها زيف الدعاية الغربية، والأكاذيب التي روجها الغرب عن الكثير من قيادات الأمة العظيمة مثل السلطان عبدالحميد.
لم يكن السلطان عبدالحميد ضعيفاً، لكنه جاء في عصر تآمرت فيه كل القوى الدولية عليه، وتخلى المسلمون المخلصون عنه، وتركوه ليواجه وحده المثقفين المتغربين الذين قاموا بتزييف وعي الأمة وتضليلها باستخدام وسائل الإعلام.
والأمة لم تتعلم ذلك الدرس القاسي، فتخلت عن قادة عظماء كانوا يطمحون لتحقيق الاستقلال الشامل، وتركت هؤلاء القادة لوسائل الإعلام لتشوه صورتهم، وتسقطهم.
حالة السلطان عبدالحميد تتكرر في واقعنا الذي نشاهد فيه الغرب يواصل غروره، فيسمح بحرق القرآن أمام المسجد في عيد الأضحى للمبالغة في إهانة مشاعر المسلمين، فمتى تستيقظ الأمة لتقرأ تاريخها لتغير به واقعها وتبني مستقبلها.
موقف السلطان عبدالحميد في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح كيف شاركت الأمة في ظلم قادتها العظام عندما تخلت عنهم، وسمحت بتشويه تاريخهم، ولم تدافع عنهم في مواجهة عملاء الاستعمار الثقافي.