بقلم- سينان مولوني:
جاذبية مروعة تتمتع بها مأساة حادثة «تيتان» كما تمتعت كارثة «تيتانيك» الأصلية منذ 111 عامًا، وإن كان على نطاق الخسائر البشرية أقل بمقدار 300 مرة.
الثروة المتضمنة، والسحر الواضح للاستكشاف، يفسران سبب إثارة هذه القصة الأخيرة للكثير من الانبهار، وهي تختلف بلا شك عن كارثة مهاجري البحر الأبيض المتوسط التي خسرت فيها البشرية 100 ضعف عدد الأرواح، ومع ذلك لم تتمتع إلا باهتمام ضئيل، رغم كل أنواع «الطنطنات» الغربية، بما في ذلك الشعور بالذنب المجتمعي.
ما زالت الطبيعة البشرية غير متسقة وتمييزية، ولم تتعلم البشرية بعد الدروس المستفادة من غرق السفينة «تيتانيك» عام 1912م، إلى حد كبير، وتكررت نفس الأخطاء بعد أكثر من قرن من التقدم، وهنا نلقي نظرة على 5 دروس كان من الممكن أن تتعلمها غواصة «تيتان» من كارثة «تيتانيك» الأصلية، هي:
1- الثقة الزائدة (الغرور) سبب مباشر للكارثة:
كانت «تيتانيك» الأصلية أكبر جسم متحرك تم بناؤه على الإطلاق عندما دخلت الخدمة في عام 1912م، كانت مليئة بالابتكارات، التي من بينها طاقة التوربينات والمراوح التي أعيد تشكيلها لرحلتها الأولى حيث كان العلم هو الذي يقودها إلى الأمام، كان لديها أيضًا قاع مزدوج، لكن الجلد الداخلي لم يرتفع عالياً على طول الجانبين، وقد كان من المفترض أن يكون ذلك عيبًا فادحًا عند الاصطدام بجبل جليدي، يبدو أن نفس الاعتقاد الخاطئ بالتكنولوجيا ينطبق في حالة «تيتان»، مع افتراض مجرد تجريبي على ابتكار رئيس بسبب السلسلة الطويلة من نجاحات «التعطيل» التي انبثقت عن التكنولوجيا في السنوات الأخيرة.
كان هناك أيضًا فشل «تيتانيك» الكلاسيكي في الاهتمام بالتحذيرات، ليس من الجليد في هذه الحالة، ولكن الرسائل من أقران الصناعة المعنيين التي تم «النظر إليها على أنها غيرة من المنافسين»، وكانت هناك نصائح رهيبة من خبير السلامة الخاص بالشركة، الذي أقام دعوى قضائية بعد مغادرة صامتة للشركة المصنعة «أوشنجيت»، أصحاب ومشغلي «تيتان».
2- حتمية وجود قوارب نجاة قياسية كافية:
في عام 1912م، تم السماح رسمياً بعدم وجود قوارب نجاة قياسية كافية، كان لدى «تيتانيك» 16 قاربًا قياسيًا فقط (4 قوارب قابلة للانهيار)، مقابل 2200 قارب على متنها، وهو رقم كان ينبغي أن يرتفع إلى 3500 في موسم الذروة المزدحم، كان من الممكن أن يموت نصفهم، حتى في حالة الإخلاء الأفضل ترتيبًا، ولكن مات ثلثاهم، وتم إنقاذ الثلث فقط في القوارب.
قبل قرن من الزمان، كان القانون البريطاني يسمح بعدد أقل من قوارب النجاة إذا كان هناك نظام من الحواجز العرضية لإغلاق المقصورات، بعض هذه الحواجز في «تيتانيك» لم تكن ترتفع بدرجة كافية، وقد حطم البرج العديد من المقصورات، ونظرًا لأن «تيتان» كغواصة كانت تتساقط بحرية وتتصاعد بحرية، لم يكن هناك أي وسيلة للهروب، ولا توجد خطة «ب»، لم تكن المركبة آمنة بأي شكل من الأشكال، ولم تكن هناك أي خطة إنقاذ أو قدرة في حالة وقوع الاحتمالات الأسوأ، كما أظهرت الأيام.
3- استدعاء الإنقاذ ليس عملاً سهلاً:
في عام 1912م اصطدمت «تيتانيك» في الساعة 11.40 مساءً عندما كان معظم مشغلي ماركوني -الذين كان بحوزتهم في الحين عدد قليل من السفن- قد ذهبوا بالفعل إلى الفراش لأنهم اضطروا إلى العمل طوال النهار، ونتيجة لذلك، كانت السفن الأقرب من المنقذ النهائي «آر إم إس كارباثيا» لا تسمع للاستغاثات عبر موجات الأثير، في الوقت الحاضر، هناك اتصالات فورية على مدار الساعة للسفن السطحية مع أولئك الذين يراقبونها، ولكن عدد السفن بشكل عام الآن أقل من قرن مضى؛ لأن كل شيء تقريبًا يمر عن طريق الجو.
في حالة «تيتانيك»، كان هناك افتراض بأن ماركوني اللاسلكي يعني أن أسطولًا للمساعدة يمكن أن يتم تحريكه سريعاً في أي سيناريو، كما حدث قبل 3 سنوات مع السفينة الشقيقة «وايت ستار لاين»، لكن الصمم والمسافة واليأس قبل ساعتين وأربعين دقيقة من الغرق شهدت تبخر آمال الإنقاذ، كانت «تيتان» على بُعد 435 ميلاً من أقرب ميناء رئيس، منعزلة بشكل مخيف، لكن وضعها كان أسوأ من «تيتانيك»، حيث كانت تقع بعيداً في الأعماق على عمق ميلين ونصف ميل تقريبًا تحت سطح البحر.
4- لا يزال نداء «أنقذوا أرواحنا» (S.O.S) مهماً:
أرسلت «تيتانيك» «S.O.S» في شفرة مورس، وهي مكالمة استغاثة جديدة في عام 1912م حلت محل «سي كيو دي» القديمة، ومعناها «تعال بسرعة.. خطر»، لمجرد أنه كان من الأسهل إرساله، وليس بسبب أي عاطفة «أنقذوا أرواحنا»، لقد أثبتت «S.O.S» جدارتها للأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض بعد الزلازل وفي كوارث أخرى، مع أنه قد تم إيقافها حديثاً.
نارجوليه، وهو إنسان رائع وهو الأكثر خبرة على متن الغواصة، كان سيستخدم شكل «مورس» المتكرر باستمرار لإحداث الضوضاء، لو كان لا يزال على قيد الحياة، ولكنه مات بالطبع، على الفور في الانسحاق الداخلي لا يمكن أن ترسل «S.O.S» إلا من إنسان حي فقط؛ لذلك فهي دليل قاطع على حياة الإنسان.
قال أحد الخبراء: إن طريقة «الضرب» التي حلت محل «S.O.S»، لا تحدث ضوضاء، وبالتالي فهي طريقة غير متماسكة وغير مقنعة، ولا تدل على وجود أي حياة، لم يكن هناك أي سباق مع الزمن، ولو وجد فقد حسم في غضون نانوثانية تلت ساعة واحدة وخمساً وأربعين دقيقة بعد الإطلاق.
5- الحيطة والحذر أهم من الغنى:
يجب أن تأتي الحصافة قبل الربح، من المثير للاهتمام أن كلاً من «تيتان» و«تيتانيك» كان لهما مديران إداريان في مجلس الإدارة، هما على التوالي ج. بروس إسماي (الذي قيل: إنه حث على زيادة السرعة على «تيتانيك»)، وستوكتون راش، وهناك مقطع فيديو يقول فيه راش: إنه يود أن يتم تذكره كمبتكر، مضيفًا: أعتقد أن الجنرال ماك آرثر هو الذي قال: «لقد تذكرت القواعد التي تخالفها»، وأنت تعلم أنه كسر بعض القواعد بخصوص «تيتان» الغارقة.
وقال: أعتقد أنني كسرتها بالمنطق والهندسة الجيدة، وهذا ما يشير بدوره إلى الفشل الأول؛ المبالغة في الثقة المفرطة، يتطابق، للأسف، مع سطر من فيلم جيمس كاميرون «تيتانيك» لعام 1997: «أموالك لا يمكن أن تنقذك الآن».