لم يتوقف الصهاينة طيلة احتلالهم لمدينة القدس عن تهويدها، ومحاولة السيطرة على كل مفاصل الحياة فيها، وطمس معالمها العربية والإسلامية، بل ومحو كل ما يتعلق بهوية تلك المدينة التاريخية والحضارية، عبر التهويد و«الأسرلة»، وهدم المنازل والمنشآت الفلسطينية ومحاولة تزييف تاريخها.
وكان آخر تلك المخططات التي ينظر إليها الفلسطينيون على أنها المحطة الأخيرة على طريق تهويد القدس بشكل شامل؛ «الخطة الخمسية»، وهي خطة ليست وليدة اللحظة وعمرها أكثر من عام ونصف عام، عكف على بلورتها ما يسمى وزير القدس والتقاليد الصهيوني مئير باروش، بالشراكة مع ما يسمى بلدية الاحتلال في القدس و«الشركة الحكومية لتطوير القدس الشرقية»، ومعهد القدس لدراسة السياسات الذي يقوده غلاة التطرف من المستوطنين.
التفكجي: الخطة هدفها إنهاء قضية القدس وفرض المنهاج الصهيوني على مدارسها
بنود الخطة الخمسية
في 20 أغسطس الجاري، أطلق الصهاينة خطة شاملة لتهويد ما تبقى من مدينة القدس بهدف استكمال عملية فرض السيادة الشاملة عليها، وهي الخطة الخمسية للأعوام (2024 – 2028)، وقد وضعت لها موازنة تعد الأضخم على الإطلاق منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، وهي في النهاية كما يقول المراقبون والمحللون تهدف لإزالة أي خطوط موجودة بين شطري المدينة الشرقي الذي احتل عام 1967م، والجزء الغربي من المدينة الذي احتل عام 1948م، وأهم بنود الخطة الخمسية التي وضعت لها موازنة بقيمة نحو 900 مليون دولار كالتالي:
1- 40 مليون دولار لتعزيز القبضة العسكرية على مدينة القدس من خلال زيادة المراكز العسكرية وعدد الكاميرات وتكثيف وجود الحواجز.
2- 240 مليون دولار لإحكام القبضة على التعليم عبر برامج لفرض المنهاج الصهيوني على الفلسطينيين وإقامة مدارس نموذجية تخدم تلك الخطة الخطيرة.
3- 620 مليون دولار ستدفع من ميزانيات الوزارات الصهيونية المختلفة وتطوير شبكات الكهرباء والبنية التحتية.
التركيز على التعليم وعملية الدمج
وقال مدير ملف الخرائط في بيت المشرق بالقدس المحتلة خليل التفكجي لـ«المجتمع»: إن الخطة تركز على التعليم بشكل أساس للقضاء على الهوية الوطنية الفلسطينية، خاصة وأن الاحتلال تعمد منع البناء والتطوير للمدارس الفلسطينية في القدس منذ فترة طويلة، حيث يوجد نقص بحوالي 1200 وحدة صف في مدارس القدس.
وأضاف التفكجي أن الاحتلال استغل هذا النقص الحاد ليفرض المنهاج الصهيوني من مرحلة الأول الابتدائي حتى الثانوية العامة، من خلال إقامة مدارس نموذجية، لجذب المعلمين لهذه المدارس، لأن الاحتلال اكتشف أن من يقود الانتفاضة والمقاومة والمواجهة في القدس هم الطلبة.
وأشار إلى أن الاحتلال عمد للسيطرة على المدارس الخاصة التي يتبع جزء منها للأوقاف الإسلامية في القدس، وأصبح جزء من تلك المدارس في القدس تحت السيطرة الصهيونية المباشرة وغير المباشرة.
وأوضح التفكجي أن الخطة الخمسية تهدف كذلك لدمج شرقي القدس مع غربها عن طريق الأنفاق والجسور والطرق بشكل كامل، وإقامة ربط بين شرقي القدس وغربها، وربط المستوطنات باسم «الطوق الشرقي»، أو ما يطلق عليه «الطريق الأمريكي»، مشيراً إلى تخصيص 500 مليون دولار لتنفيذ هذا الجزء، لربط المستوطنات مع بعضها واستكمال إقامة ما يطلق عليه «القدس الكبرى» بالمفهوم الصهيوني.
ذياب: لن ينجح الصهاينة في تصفية الوجود الفلسطيني.. والصمود والمقاومة عنوانا المرحلة القادمة
ولفت التفكجي إلى أن القضية التي يركز عليها الصهاينة في الخطة هي عملية الدمج، مثل «وادي السيلكون» في وادي الجوز بالبلدة القديمة بالقدس، مشيراً إلى أن الخطة الخمسية جزء من مخطط ضخم ينفذ حتى عام 2050م، للدمج الكامل بين شطري المدينة لإنهاء قضية القدس بشكل كامل.
تعميق عملية الاستيطان والتهويد
من جانبه، يقول المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، في تقرير له: إن ما تسمى «الخطة الخمسية لتطوير شرقي القدس للأعوام 2024 – 2028»، تهدف لخدمة مساعي التهويد و«الأسرلة» وتعميق الاستيطان في القدس الشرقية، حيث سجل النصف الأول من العام الجاري أرقاماً قياسية على مستوى عدد الوحدات الاستيطانية التي تم الترويج لها، في مرحلة هي الأخيرة من عملية المصادقة على بناء مشاريع استيطانية، وذلك ببناء 12855 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، كان نصيب القدس الشرقية منها 7082 وحدة استيطانية جديدة.
صمود ومقاومة لإجراءات الصهاينة
بدوره، يؤكد المتحدث باسم أهالي سلوان فخري أبو ذياب لـ«المجتمع» أن الخطة الخمسية هي لطمس ما هو عربي وإسلامي في القدس بالتزامن مع حفريات وتهويد المسجد الأقصى، التي تجاوزت عدد الحفريات أسفله وفي محيطه 67 حفرية، بالتزامن مع ذلك مواصلة عمليات هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية.
ولفت إلى أن ما يسمى مشروع «وادي السليكون» الاستيطاني التهويدي في وادي الجوز بالقدس هو جزء من هذه الخطة، ويهدف لهدم 200 منشأة تجارية وصناعية، وإقامة منشآت تهويدية ضخمة من عدة طوابق لتغيير معالم مدينة البلدة القديمة وحجب قبة الصخرة، بالإضافة لذلك تهجير السكان الفلسطينيين من تلك المنطقة.
وأكد أبو ذياب أن الاحتلال وضع نحو 23 ألف منزل في مدينة القدس على قائمة الهدم ضمن خطته الشاملة لتهويد القدس وتغيير معالمها العربية والإسلامية، وأن ما يحدث في القدس من استيطان وتهويد هو استكمال السيطرة على 13% من مساحة القدس المتبقية بعد أن أحكم الاحتلال الاستيلاء على 87% من مساحتها، بالتزامن مع ذلك تهويد القدس بشكل كامل، وهذا لن يمر، كما يؤكد أبو ذياب، أمام حالة الصمود والثبات الفلسطيني للدفاع عن القدس، باعتبارها تشكل عقيدة وانتماء الأمة، ولا يمكن أن تمر تلك المخططات ما دام هناك صمود فلسطيني في المدينة المقدسة.