تواصل المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية فعاليات الندوة الدولية حول «الطباعة الحيوية من منظور إسلامي» لليوم الثاني على التوالي للحديث عن التحديات والضوابط الشرعية والأخلاقية التي يجب مراعاتها عند تطبيق هذه التقنية الحديثة.
واستعرض الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي في ماليزيا د. إروان صبري قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي عام 1992 «بشأن العلاج الطبي»: الأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسُّنة القولية والفعلية، ولما فيه من «حفظ النفس» الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع، وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص.
ضوابط وتحديات
وأوضح صبري أن القول بجواز هذه التقنية مقيد ببعض الضوابط الشرعية، وهي:
أولاً: ألَّا تتضمن مواد أو عناصر محرّمة.
ثانياً: أن يكون الغرض منها لغرض طبي مشروع بحيث تكون هناك ضرورة أو حاجة.
ثالثاً: أن ينفذها طبيب خبير يتبع إجراءات طبية صحيحة.
رابعاً: تجب مراعاة ميزان المصلحة والمفسدة في تطبيقها.
وأشار إلى تعريف الفقه الطبّي بأنه العلم بالأحكام الفقهية المتعلّقة في مجال الصحّة المُكْتَسَبُ من الأدلَّة الشرعيّة.
وأوصى الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بماليزيا بضرورة الرجوع إلى علماء الفقه الإسلامي لمعرفة الأحكام الفقهية التفصيلية لهذا الموضوع، وضرورة وجود فتوى رسمية حول الطباعة الحيوية من مؤسسات الإفتاء في الدول الإسلامية؛ لتبين أحكام هذه المستجدّة للأطباء والمجتمع المسلم.
من جانبه، أشار وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالأردن سابقاً د. عبدالناصر إلى أن «الطباعة الحيوية» إحدى طرق الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ وهي عبارة عن عملية تصنيع متطورة للغاية تستخدم فيها خلايا ومواد حيوية في صورة أحبار لتصنيع الخلايا والأنسجة والهياكل الحيوية بمساعدة الحاسوب، تنتج هياكل تشبه الأنسجة ثلاثية الأبعاد عن طريق طباعة الخلايا والمواد الحيوية طبقة واحدة فوق الأخرى.
وذكر أبو البصل القواعد والضوابط العامة لتطبيق هذه التقنية، وهي: تحقيق الكرامة الإنسانية لقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70)، وتحقيق النفع والمصلحة للإنسان؛ ففي الحديث النبوي: «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» (رواه مسلم في صحيحه)، وانتفاء الضرر؛ «لا ضرر ولا ضرار»، وانتفاء العبث واتباع الهوى؛ «الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا جَاءَتْ لِتُخْرِجَ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ دَوَاعِي أَهْوَائِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ» (الشاطبي).
ولفت أبو البصل، وهو عضو المجمع الفقهي، إلى أن المصالح المترتبة على الطباعة الحيوية تتلخص في إلغاء الحاجة للمتبرعين، وتخفيض التكاليف المالية والنفسية، وإنقاذ الأرواح وحفظ الحياة، والسرعة وعدم الانتظار، وتقليل حالات الرفض للأعضاء المنقولة.
أما التحديات التي تواجه تقنية «الطباعة الحيوية»، فهي:
– استخدام هذه التقنية لغير الحاجات الضرورية؛ مثل تعديل الصفة لأعضاء سليمة تبعاً للأهواء والرغبات.
– استخدام هذه التقنيات في الجريمة.
– استخدام هذه التقنية في تجارة الأعضاء المصنعة بطرق غير سليمة، أو بمخالفة الضوابط؛ كالحصول على المواد الأولية بطرق غير مشروعة.
– الاستعمال العبثي لهذه التقنية.
اعتبارات شرعية
وتناولت أستاذة الفقه المقارن بكلية الدراسات العربية والإسلامية في جامعة الأزهر د. أسماء فؤاد بحثاً حول «الطباعة الحيوية للأعضاء البشرية من منظور شرعي»، ذكرت فيه أهمية هذه التقنية في معالجة الندرة الحادة في الأعضاء البشرية المراد توافرها مقابل الزيادة الهائلة في أعداد المرضى الذين هم في حاجة إلى أعضاٍء سليمة، وتخليص المجتمعات من بعض الأخطار كسرقة الأعضاء، واستغلال الحاجات للمتاجرة والتحايل فيها، وقتل الناس وانتشار الجرائم بغرض سرقة الأعضاء.
وتوصلت د. أسماء فؤاد إلى جواز استخدام التقنية لعدة اعتبارات شرعية، وهي:
– «الطباعة الحيوية للأعضاء البشرية» تحقق مقصدًا ضروريًا من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ ألا وهو حفظ النفس.
– خلو العملية من المحاذير الشرعية والأخلاقية التي قد تصاحب مثل هذه العمليات.
– آلية الطباعة الحيوية للأعضاءِ لا مساس فيها بكرامة الآدمي.
استنادًا إلى القواعد الفقهية العامة وتطبيقاتِها في بعض النوازل الطبية، ومنها:
1- قاعدة «الضرر يزال».
2- قاعدة «الأمور بمقاصدها».
3- قاعدة «الوسائل لها أحكام المقاصد».
الجدل الأخلاقي
وتطرق وزير الشؤون الدينية التونسية السابق د. محمد خليل إلى البعد الأخلاقي للطباعة الحيوية، فقال: يتمحور الجدل المتعلّق بالبعد الأخلاقي للطباعة الحيوية حول استعمال الخلايا الجنينيّة، وضرورة احترام الذات البشريّة، واعتبار الجنين حيّاً له كرامة، واجتناب تدمير الأجنّة الزائدة عن الحاجة التي ينبغي التحرّي في اللجوء إلى عدد أكبر لبداية التجربة، والحذر من خضوع هذه التقنية إلى شبهة تسليع جسم الإنسان والولوج إلى سوق المتاجرة
وأشار خليل إلى أن الجدل الأخلاقي يتسع ليشمل ملكيّة الخلايا المنزوعة من الجنين إن هي نزعت ووقع فصلها عنه.