ظاهرة مخيفة تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا «تيك توك»، وهي استغلال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من قبل ذويهم؛ لتحقيق أرباح، أو لأجل الشهرة وركوب «التريند»، غير مراعين للآثار الصحية والنفسية على الأطفال، وغير مقدّرين للمسؤولية القانونية جرّاء هذا العمل غير المسؤول الذي يرقى إلى درجة الجريمة، خصوصًا أن من يقوم به هو أحد رعاة الطفل المسؤولين عن أمنه وسلامته، ورغم عدم توافر دراسات عربية دقيقة في هذا الشأن؛ فإن مؤشرات عديدة تؤكد أننا بصدد ظاهرة لا تخطئها الخبرات الميدانية.
بات بعض الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات، يتاجرون بأطفالهم المعَاقين، منتهكين براءتهم وخصوصيتهم، في مواقف مخزية أدت إلى التشهير بهم من خلال فيديوهات إما تثير الشفقة عليهم أو السخرية منهم، وفي كلا الحالين فإن الطفل ضحية جشع الراعي الذي يقدمه لروّاد «السوشيال ميديا» بهذه الصورة المؤسفة التي لا تعدو أن تكون وسيلة جديدة للتسوّل المغلّف بصورة تقنية حديثة، أو هو رعونة –من الراعي أيضًا- لأجل الدّعم والشهرة، أو التفاخر بتلك الرعاية لواحد ممن يستدرّون عطف المشاهدين.
جريمة في حق الأطفال
وإذا كان استغلال الأطفال عمومًا مُحرّمًا في الأديان ومُجرّمًا في القوانين والمواثيق الدولية والمحلية، فإنه في حالة الأطفال ذوي العاهات (بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّية) أوْلى بهذه الحُرمة وذلك التجريم؛ حفاظًا على حقوقهم، وكثيرٌ منهم لا يستطيعون التمييز، وأعجز من أن يدفعوا عن أنفسهم الضُرَّ، فلزم أن يكون الراعي أمينًا عليهم لا أن يعرّضهم للخطر، أو يكون عونًا للساخرين أو المتنمّرين أو المعنّفين لهم، أو أن يضعهم في موضع الانتهاك أو الإذلال، بل العكس يجب أن يتوخى أفضل مصالحهم، وأن يحترم قدراتهم، وأن يولي آراءهم –إن استطاعوا التعبير- الاهتمام اللائق.
وهناك اتفاق بين الأطباء والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين على أن هذا الاستغلال للأطفال ذوي الإعاقة ينتج أضرارًا صحية ربما زادت من إعاقته، أو تركت لديه شعورًا بالتعاسة، أو الدخول في دائرة من الحزن والعزلة وخطر الاكتئاب وسلوك العنف، فتعرُّضُ الطفل المُعَاق لإساءة من نوع ما تنعكس بالسلب عليه؛ ما يؤثر عليه طوال حياته، وليس هناك مانع –في نظر الاختصاصيين- من استثمار هؤلاء الأطفال كنماذج إيجابية في المجتمع، ضمن مجموعات علمية مثلًا، وهذا لن يحدث إلا إذا كان رُعاة الطفل قدوات واعين بمثل هذه القواعد النفسية، يعلمون مواطن السلامة ومكامن الخطر بالنسبة لطفلهم.
قصور تشريعي
وعلى الرغم من صدور إدانات رسمية في العالم العربي ضد حوادث بعينها تضمنت فيديوهات مسيئة لأطفال معاقين شاركهم فيها ذووهم، فإلى الآن لم تعد قوانين الجرائم الإلكترونية كافية لردع مرتكبي هذه الجريمة في حق هؤلاء الصغار، باستثناء الكويت التي حققت سبقًا في شأن تنظيم نشاط الأطفال، ومن بينهم المعاقون، وتعامل ذويهم معهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ففي عام 2018م وُضعت ضوابط مهمة توفّر الحماية للأطفال، مثل حظر استخدامها على من هم أقل من 13 عامًا، وعدم نشر صور أو فيديوهات تنتهك خصوصياتهم أو لا تتناسب مع الآداب العامة، وعدم استغلال الطفل لكسب الشهرة، وعدم تعريضه لشهرة في سنٍّ مبكرة، وعدم تصوير مقاطع ساخرة أو محرجة مِنْ وعلى الطفل.
لنتفقْ إذًا على أن استغلال الأطفال ذوي الهمم ضمن محتوى على وسائل التواصل يمثل جريمة إلكترونية، التي عرّفها القانون بأنها الفعل الذي يُعاقب عليه في حال ارتكابه من خلال شبكة الإنترنت وتطبيقاتها والأجهزة المرتبطة بها؛ فإذا اتفقنا على ذلك علمنا أن هناك قصورًا في التشريعات العربية المتعلقة بحقوق الطفل، وخاصة الطفل المعاق، وأن اتخاذ الأسرة أو أحد أفرادها الابن ذا العاهة كمحتوى في تلك الوسائل، يمثل جريمة وفق تعريف الجريمة الإلكترونية، وإذا كانت نسبة الشكاوى من تلك الجريمة قليلة لأمور متعلقة بخوف المجتمع من إجراءات التبليغ؛ فإنه بات من الواجب تسارع الأجهزة المعنية لمراقبة وضبط الخارجين على القانون، وإيقاع العقوبات الزاجرة لهم الرادعة لغيرهم.
مصلحة الطفل أولاً
والجاني في هذه الجريمة لا يُعفى من المساءلة، حتى لو ادّعى عدم العلم بالقانون؛ إذ من المعلوم دينًا وعُرفًا أن مصلحة الطفل فوق أي اعتبار، وأن من حقه العيش آمنًا معافى سليم النفس، متمتعًا بالرعاية الوالدية، وبحقوقه المحمية بموجب القانون، وألّا يشارك في مثل هذه الأفعال المحظورة، أو أن يظهر على وسائل التواصل مبتذلًا في كلام أو لباس، أو أن يقلد من دون وعي ممارسات الكبار الممقوتة.
ولا شك أنه مع توافر الوعي المجتمعي سوف يزول الكثير من هذه الممارسات السلبية ضد الأطفال، فلا يصح أبدًا التغافل عن هذه القضية، بل يجب تعزيز الرقابة المجتمعية بالتشريعات المواكبة للتطورات المتسارعة في هذا المجال؛ لضبط القيم والأخلاق المجتمعية من ناحية، ولحماية الصغار من ناحية ثانية.
توصيات
– ضرورة تفعيل العقوبات على من يرتكب مثل هذه الأعمال، وتغليظ العقوبة عليه، والتفرقة بين الحرية الشخصية وحق الطفل في حياة طبيعية سوية.
– توعية الأسر بأخطار تواجد الأطفال في محتوى على وسائل التواصل.
– توعية المجتمع بأهمية الإبلاغ عن تلك الجريمة، وعلى الجانب الرسمي توفير الأدوات وتأهيل الآليات للتعامل بسرية وحرفية مع ما يردها من بلاغات.
– ترقية المنظومة التشريعية بما يتناسب مع التطور التقني المتسارع الذي يعد بمثابة ثورة اتصالية فائقة.