في يوم السابع من أكتوبر الجاري، اجتاح «طوفان الأقصى» قلوب المسلمين فأيقظ عقولهم وأشعل حماسة نفوسهم، فرحين بنصر الله، متألمين للهجمات الانتقامية من الكيان الصهيوني على أهل غزة، يتلمسون السبل لنصرة إخوانهم المحاصرين حصارًا كاملًا، يجتمعون على الدعاء لهم، أو يخرجون في مظاهرات للتعريف بقضيتهم، أو يكتبون على مواقع التواصل في نصرتهم، أو يرسلون المال إليهم، وغير ذلك كثير من السبل المهمة التي لا يصح أن يغفل عنها المسلم.
ولكن قد يغفل الكثيرون عن أمر في غاية الأهمية لنصرة «الأقصى» وتحرير فلسطين؛ ألا وهو إعداد جيل مقدسي يحرره، وهذه المهمة قد باتت تقع بشكل كامل على كاهل الأسرة، خاصة في ظل غياب قضية القدس وأهميتها عن الساحة التعليمية والإعلامية، ومع محاولات غزو الفضائيات وبرامج الإنترنت عقول الأطفال لتسطيحها وعزلها عن واقعها زادت حاجة الأسرة إلى طرق عملية لزرع الانتماء إلى الإسلام وحب نصرته في قلوب الأبناء ومن تلك الطرق:
1- تأسيس الطفل عقدياً:
فحينما ينشأ الطفل على حب الله ورسله واتباع أوامره ويرغب في الجنة ويخاف من النار، وتحدثه نفسه بالجهاد، ويهون في قلبه الدنيا، فكأنه يرى ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض»، فقال له عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض، بخ بخ! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ما يحملك على قولك بخ بخ؟»، قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: «فإنك من أهلها»، فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى أكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمي بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. (رواه مسلم).
2- زرع الانتماء إلى الإسلام والمسلمين:
وهذا مبنيّ على النقطة السابقة، فحينما يتربى الطفل على اتباع أوامر الله ورسوله ويجد قوله تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، سيعلم أن من نصرة الله سبحانه وتعالى نصرة المسلمين على أعدائهم، ويطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حثه على الانشغال بهموم المسلمين وأمورهم كحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر جسده بالسهر والحمى» (رواه البخاري)، فيتعلم الطفل أنه ليس بمعزل عن هموم المسلمين، بل جميع المسلمين مترابطون شعورياً إلى حد أن ألم أحدهم كألم جزء من جسده.
3- بناء الوعي:
ومنه الحرص على تنمية إدراك الطفل وزيادة وعيه من صغره بسنن الله الكونية من خلال قصص الأنبياء ومعرفة حقيقة الصراع بين الكفر والإيمان وحتمية نصرة أهل الإيمان مهما تأخر، وذلك يجعل همه أن ينضم لأهل الحق دون النظر لعددهم أو قوتهم، طاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق..»، ومهم أن تستبدل قصص أبطال الإسلام الحقيقية بقصص الأبطال الخيالية، وذلك في المجالات المتنوعة سواء في علوم الطب والهندسة وعلوم الحرب وغيرها من العلوم ليتخذهم قدوة؛ فينشأ واعيًا بهويته معتزًا بدينه، لا يغتر بتقدم تكنولوجي حالي لعدوه، فإنه سيدرك أن الأيام دول، وكل حضارة تقوم على سابقتها.
4- تعلم التاريخ والجغرافيا:
وكما ذُكر سابقاً من أن يبدأ تعليم الطفل بقصص الأنبياء؛ فهذا يُعتبر أول درس له بالتاريخ، ثم يثنّي بالسيرة النبوية، ثم سير الخلفاء وما تلاها من تاريخ دول الإسلام حتى التاريخ الحديث، ولن ينفك تعلم التاريخ عن تعلم الجغرافيا من نفس المدخل؛ فأثناء تعلمه قصص الأنبياء فهو يتعرف على أماكن مهبط الرسالات ومكان مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومكانة المسجد الأقصى، وحدود ما امتد إليه سلطان المسلمين، وما طرأ بعد ذلك من تغيرات كاحتلال القدس وبطولات المسلمين في الدفاع عنه، فيكون قد تشرب حب «الأقصى» وتعلم أن الدفاع عنه عقيدة.
5- القصص والأنشطة:
القصص من أبلغ الوسائل تأثيراً في النفوس، فهي تبعد الطفل عن ملل السرد الروتيني للأحداث، خاصة إذا صُوحبت بأنشطة مثل تمثيل القصة بالعرائس، أو يقوم بذلك أفراد الأسرة، ولكن يجب التحقق من صحة ودقة المعلومات التاريخية المذكورة في القصة، كذلك مده بلوحات تلوين عن «الأقصى»، وذكر بعض المعلومات عنه، ويمكن دعوته لبناء نماذج من الورق المقوى لـ«الأقصى»، ومشاهدة وثائقي مناسب لسنه يساعده على تنفيذه، وحفظ بعض الأشعار عن المسجد الأقصى وتسجيله لها، واستخدام قدراته التقنية -ولو كانت بسيطة- في تنفيذ مقطع مرئي عن القضية الفلسطينية ونشره بين معارفه، وغير ذلك من الأنشطة المناسبة لسنه وقدراته.
6- القدوة والمشاركة:
يجب أن يرى الطفل في أسرته قدوة له يتابعون أخبار المسلمين ويحزنون لمصابهم ويفرحون لنصرهم ويدعون لهم ويسعون في نصرتهم بكل ممكن، فإن ذلك من أعظم ما يؤثر في الطفل وحمله هذه القضية منذ الصغر.