الصراع مع اليهود لم يبدأ في 7/ 10/ 2023م؛ ولكنه بدأ بوصول الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة في 8/ 3/ 14 من البعثة، الموافق 23/ 9/ 622م، وهذا هو الدليل.
حُيي بن أخطب.. وإعلان العداوة للإسلام
كان حُيَيُّ بن أخطب سيد يهودِ بني النَّضيرِ بالمدينة، وهو أبو أم المؤمنين صفيَّة رضي الله عنها، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حُيي بن أخطب وأخوه ممَّن عَلِما صدق النبي صلى الله عليه وسلم، لكنَّهما لم يُسلِما عنادًا واستكبارًا.
تصف لنا أم المؤمنين صفية رضي الله عنها هذا المشهد فتقول: «كنتُ أَحَبَّ ولد أبي إليه وإلى عَمِّي أبي ياسر، لم ألقَهُما قطُّ مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه.
فلمَّا قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزَل قباءَ في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حُييُّ بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب مُغلِّسين(1) فلم يَرجِعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطَينِ يَمشيان الهُوينى، فهشَشْتُ إليهما كما كنتُ أصنَعُ، فواللهِ ما التفَت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغمِّ، وسمعتُ عمي أبا ياسرٍ وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب: أهو هو؟ (أي: هل محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي نَنتظرُهُ، الموجودة بشارته في كتبنا؟)، قال حيي بن أخطب: نعم والله، قال أبو ياسر: أتعرفه وتُثبِتُه؟، قال حيي بن أخطب: نعم، قال أبو ياسر: فما في نفسك منه؟ قال حيي بن أخطب: عداوتُه واللهِ ما بقيت»(2)!
هكذا ظهرت عداوة اليهود للإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم منذ اللحظات الأولى لبناء دولة المسلمين في المدينة.
وبالرغم من هذه العداوة، تعامل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأخلاق الإسلام التي تقوم على التسامح واحترام حقوق الجار حتى وإن كان على غير الإسلام، إلا أنهم تآمروا عليه، وخانوه، وتعاونوا مع أعدائه، وحاولوا قتله أكثر من مرة، مما اضطره صلى الله عليه وسلم إلى محاربتهم وطردهم من المدينة.
وقد عاش اليهود في ذمة المسلمين قرونًا طويلة فلم يجدوا منهم إلا كل ود، بل إنهم حينما اضطهِدوا في أكثر من مكان لم يجدوا صدراً حانياً إلا عند المسلمين.
وبالرغم من هذا الكرم الإسلامي فإنهم طمعوا في أرضنا، أرض فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، أرض المسجد الأقصى وخططوا لإقامة كيانهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
إسلامية القضية الفلسطينية
منذ احتلال هذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين وقوى الشر والبغي التي تعاون معها هذا الكيان يحاولون سلخ القضية من الإسلام؛ لأنهم يعلمون أن الإسلام يعطي القضية زخماً قوياً؛ فالقدس في المعتقد الإسلامي لها مكانة دينية عظيمة، اتفق عليها المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، فهو إجماع الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها؛ ولا غرو أن يلتزم جميع المسلمين بوجوب الدفاع عن القدس، والغيرة عليها، والذود عن حماها، وحرماتها ومقدساتها، وبذل النفس والنفيس في سبيل حمايتها، ورد المعتدين عليها.
القدس عند المسلمين هي أرض الرباط والجهاد، فقد كان حديث القرآن عن المسجد الأقصى؛ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1)، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل الصلاة فيه، من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام، وستكون للمسلمين، وسيشدون الرحال إلى مسجدها، مصلين لله متعبدين.
وقد فُتحت القدس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واشترط بطريركها الأكبر صفرونيوس ألا يُسَلِّم مفاتيح المدينة إلا للخليفة نفسه، لا لأحد من قادته، وقد جاء عمر رضي الله عنه من المدينة إلى القدس في رحلة تاريخية معروفة للقاصي والداني وتسلم مفاتيح المدينة، وعقد مع أهلها من النصارى معاهدة أو اتفاقية معروفة في التاريخ باسم «العهد العمري» أو «العهدة العمرية»، أمَّنَهم فيها على معابدهم وعقائدهم وشعائرهم وأنفسهم وأموالهم، وشهد على هذه الوثيقة عدد من قادة المسلمين، أمثال: خالد بن الوليد، وعبدالرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان.
أعداؤنا يعرفون هذه المنزلة، ومن ثَم عملوا على إبعاد قضية احتلال فلسطين عن الإسلام -عمقها الإستراتيجي- فقالوا: إن قضية فلسطين قضية عربية وليست إسلامية، وبعد أن استقر هذا الأمر للأسف في نفوس الكثير من أبناء المسلمين، قالوا: إن قضية فلسطين تخصهم كدولة محتلة وهم الأولى بالدفاع عنها والمطالبة بحقوقهم!
والآن يقول هؤلاء المرجفون: إن هذا الأمر يخص حركة «حماس» وحدها، هي التي بدأت الهجوم، واعتدت على اليهود، وهي التي تتحمل نتيجة هذا الهجوم!
نداء إلى أهل فلسطين
يا أهل فلسطين، إياكم أن تقعوا في هذا الفخ، فالقضية الفلسطينية إسلامية من ألفها إلى يائها، والرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ بما يحدث الآن، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك»، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»(3).
وهذا تأكيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فلسطين في رباط للدفاع عن مقدسات المسلمين، وهذه عقيدة عند كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، ولن تحرر هذه المقدسات إلا بتعاون كل المسلمين.
نداء إلى المسلمين
أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، إن ما يقوم به أهل غزة وفلسطين جهاد شرعي واجب عليهم؛ لتحرير أرضهم التي احتلها الكيان الصهيوني الغاصب، وأن هذا الكيان لم يكن له وجود قبل عام 1948م، والواجب الشرعي الذي يوجبه الإسلام هو إنهاء هذا الاحتلال، وأول من يتوجب عليهم ذلك هم أهل فلسطين، ثم الذين يلونهم حتى يشمل الأمر كل بلاد المسلمين.
إن نصرة أهل غزة وفلسطين واجب شرعي على أهل الإسلام؛ رجالًا ونساء، صغاراً وكباراً، حكاماً ومحكومين، كل حسب مكانته وقدرته؛ انطلاقاً من حقوقهم علينا، ودفعاً للظلم، وتأييداً للحق، وذلك بكل وسيلة ممكنة، مصداقاً لقول الله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة: 41)، ومصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرَّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»(4)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم ويردُّ عليهم أقصاهُم وهم يدٌ على من سواهم ولا يُقتَلُ مسلمٌ بكافرٍ ولا ذو عهدٍ في عهدِهِ»(5).
إن أهل غزة اليوم في أشد الحاجة إلى المساعدة فليتقدم كل مسلم بما يملك من إمكانات، كل حسب طاقته؛ حتى نكون ممن جاهد في سبيل تحرير هذه المقدسات من هذا الكيان الغاصب، (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء:51).
__________________________
(1) أي: ساروا بغَلسٍ، وهو ظُلْمة آخر الليل.
(2) سيرة ابن هشام (1/ 517)، وعيون الأثر؛ لابن سيد الناس (1/ 277)، بتصرف.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (22320).
(4) أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580) باختلاف يسير.
(5) أخرجه أبو داود (4530)، والنسائي (4734)، وأحمد (993) بنحوه.