الصراع بين الحق والباطل قديم وممتد إلى قيام الساعة، فالإنسان إن لم يهذبه دين ومنهج سماوي يسمو به عن أدران الأرض، فإنه يسفل وينحدر ويرتد إلى أسفل سافلين، ويكون كالأنعام بل هو أضل، وقد أنعم الله على بني إسرائيل بنعم عظيمة وفضلهم على العالمين وجعل منهم أنبياء وملوكاً، وأنزل عليهم الكتاب فيه هدى ونور ليؤمنوا بالله ورسوله، ويقيموا شريعة الله على الأرض، وينير الطريق أمام البشرية بما درسوا من الكتاب وبما استحفظوا عليه.
ومنحهم مقومات القيادة الروحية والمادية لقيادة البشرية، ولكنهم انحرفوا عن الطريق وعن المنهج القويم بتحريف الكتب وعبادة غير الله وقتل الأنبياء والرسل.
والفشل اليهودي في قيادة البشرية وانحرافهم عن جادة الصواب؛ أذن الله بنقل القيادة إلى الأمة الإسلامية بمنهج رباني جديد يربي هذه الأمة تربية تستطيع أن تقود الإنسانية وتخرجها من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فكان من الضروري أن يكشف أمراضهم ويظهر خبايا أنفسهم وصفاتهم الذميمة للابتعاد عنها والحذر من الوقوع فيها حتى لا نلقى مصيرهم.
ومن هذه الصفات الذميمة:
1- الخيانة والغدر ونقض العهود والمواثيق؛ قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة: 13)، ولذلك لا يعرفون إلا لغة القوة والشدة.
2- عصيانهم لله تعالى والاعتداء على الخلق فاستحقوا اللعن والطرد من رحمة؛ قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) (المائدة: 78).
3- التفرق والاختلاف؛ قال تعالى: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (الحشر: 14).
4- الحقد والحسد والكراهية، وقد حسدوا النبي ﷺ وحسدوا أهل الإيمان؛ قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 109).
5- كتمان العلم وقد أمروا بالتبليغ؛ قال تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران: 187).
6- الإفساد في الأرض؛ قال تعالى: (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64).
7- المداهنة بمسايرة الواقع وعدم إنكار المنكر؛ قال تعالى: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) (المائدة: 79).
8- عدم الانتفاع بالعلم؛ قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة: 5).
فهم حملوا بكتب العلم النافعة، ولكنهم لم يستفيدوا بما فيها؛ فشبههم بالحمار الذي يحمل الماء على ظهره ويموت ظمأ.
9- الكذب؛ وهو من أقبح الصفات، ويؤدي إلى كثير من الانحرافات، وقد وصموا بهذه الصفة الذميمة، وقد افتروا الكذب على الله؛ قال تعالى: (انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً) (النساء: 50).
10- الشرك في العبادة؛ قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) (التوبة: 30).
11- الذل والمسكنة؛ قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة: 61).
12- العناد، فهم يعرفون النبي ﷺ كما يعرفون أبناءهم أو أشد، ويعرفون أوصافه، ولكن العناد دفعهم إلى الكفر؛ قال تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة: 145).
13- البخل والحرص، فهم أحرص الناس على المال؛ قال تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (النساء: 37).
14- الكبر والغرور، فهم يروجون بأنهم شعب الله المختار وهم أبناء الله وأحباؤه ويعتقدون أن الجنة لليهود؛ قال تعالى: (وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 111).
15- تطاولهم على الأنبياء ورميهم بصفات لا تليق برسول الله، وتطاولهم على الله سبحانه؛ قال تعالى: (لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران: 131)، وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64).
16- القسوة والغلظة والشدة؛ قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: 74).
17- الجبن؛ ولذلك تراهم يهربون أمام المقاتلين إلى الحصون والملاجئ ويقتلون العزل من النساء والأطفال؛ قال تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (الحشر: 14).
وهذه بعض من صفاتهم الذميمة، ولأن أمراضهم وانحرافاتهم كثيرة كثر فيهم الأنبياء لإعادتهم إلى التوحيد، ولكن فشلت معهم كل المحاولات، ومن سوء أدبهم مع الله اتخذوا العجل إلهاً لهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ولذلك، لا نستغرب من أصحاب هذه القلوب الذين يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والأسرى بدم بارد، بل ويتلذذون بذلك!
الصراع بين اليهود والمسلمين في المدينة
الإسلام دين يحترم أهل الكتاب ويدعوهم بأهل الذمة، ويقبل التعايش معهم، فطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، ويحل الزواج منهم، ولأن الإسلام هو الدين الخاتم وهو المنهج المهيمن فيجعل من قواعد الإيمان؛ الإيمان بالكتب السابقة والإيمان بالرسل وإجلالهم وتعظيمهم، ويحافظ على مقدساتهم وأنفسهم وأموالهم.
لقد هاجر النبي ﷺ إلى المدينة لإقامة الدولة الإسلامية، وكان اليهود في المدينة 3 قبائل؛ يهود بني قينقاع، ويهود بني النضير، ويهود بني قريظة، فعقد معهم النبي ﷺ معاهدة للتعايش عرفت بالصحيفة، ومن بنود هذه المعاهدة:
1- إقرار الحرية الدينية؛ فلليهود دينهم وللمسلمين دينهم.
2- المساواة في الحقوق والواجبات.
3 الإنفاق المالي؛ كل طائفة تنفق على نفسها.
4- التزام اليهود بالدفاع عن المدينة إلى جانب المسلمين ضد أي اعتداء خارجي والمشاركة في تحمل نفقات الحرب.
5- التعايش السلمي بين اليهود والمسلمين.
6 اعتبار النبي ﷺ هو المرجع لأي خلاف في المدينة.