لا شك أن للحرب، وهي سُنة من سنن الخلق، تأثيراً عميقاً على مختلف جوانب الحياة، وخاصة على أفراد المجتمع الأكثر ضعفاً؛ وهم الأطفال.
وقد استحوذت الآثار النفسية للحرب على الأطفال على اهتمام الباحثين والأطباء النفسيين في الماضي والحاضر، ولذلك فإن فهم هذه التأثيرات أمر بالغ الأهمية للقيام بتدخلات فعالة للتخفيف من العواقب الضارة، فهناك طرق متعددة الأوجه تؤثر بها الحرب على الأطفال نفسياً، مثل التجارب المؤلمة، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطرابات النمو، والإعاقات المعرفية، والتحديات العاطفية، والمشكلات السلوكية، وعواقب طويلة المدى تمتد لمرحلة البلوغ، وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه، وأهمية معالجة ودعم الأطفال المتأثرين بالحرب.
تجارب مؤلمة
تعرض أطفال غزة من جميع الأعمار لتجارب مؤلمة أكثرها تجارب مباشرة وبعضها غير مباشرة، فقد رأوا مشاهد الدمار، وصمت آذانهم أصوات القنابل زنة ألف رطل، وفقد عشرات الآلاف أحباءهم، ونزحوا من منازلهم تحت سمع وبصر عالم فاقد للرحمة والإنسانية، فاليهود كما صورهم الذكر الحكيم، لهم قلوب أشد قسوة من الصخر: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (البقرة: 74).
ولا شك أن هذه التجارب المؤلمة لا بد أن تؤدي إلى مجموعة من الآثار النفسية الفورية والطويلة المدى.
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
والآن يعاني العديد من الأطفال الذين تعرضوا للقصف في غزة من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، التي يمكن أن تشمل الأفكار والخواطر السيئة، والكوابيس، واليقظة المفرطة وعدم النوم، وسلوكيات العزلة وتجنب الناس، ولفهم مظاهر اضطراب ما بعد الصدمة وتأثيره لدى الأطفال ينبغي التعرف على الحلول الفعالة وتوفيرها.
اضطرابات النمو
قد يعاني الأطفال المتأثرون بالحرب من اضطرابات كبيرة في عمليات نموهم الطبيعية، حيث إن الحرب تعيق اكتساب المهارات الاجتماعية والمعرفية والعاطفية المهمة اللازمة للتنمية الصحية.
إعاقات الإدراكية
للتعرض للحرب آثار ضارة على الأداء الإدراكي لدى الأطفال، وقد أظهرت الدراسات أن التعرض للحرب يمكن أن يؤدي إلى مشكلات وصعوبات في الانتباه والذاكرة والوظائف التنفيذية والأداء الأكاديمي.
تحديات عاطفية
غالبًا ما يتجلى التأثير النفسي للحرب في التحديات العاطفية التي يواجهها الأطفال، ويعد الاكتئاب والقلق والتهيج ومشاعر العجز، من الاستجابات العاطفية الشائعة لدى الأطفال المتأثرين بالحرب.
مشكلات سلوكية
يتعرض الأطفال بسبب الحرب لخطر متزايد للإصابة بمشكلات سلوكية قد تبدو متعارضة، حيث تعد العدوانية والانسحاب والسلوك المعارض بالإضافة لصعوبات يواجهها الطفل في التفاعلات الاجتماعية.
آثار طويلة المدى تصل لمرحلة البلوغ
التأثير النفسي للحرب لا ينتهي في مرحلة الطفولة، فهناك أدلة تشير إلى أن التجارب المؤلمة والتحديات النفسية المرتبطة بالحرب يمكن أن تستمر في التأثير على الأفراد حتى مرحلة البلوغ.
وقد لوحظت زيادة خطر الإصابة باضطرابات الصحة العقلية، وتعاطي المخدرات، وصعوبات في التعامل مع الآخرين بين الأطفال الذين شهدوا حروباً أو عاشوا في مناطق اشتعلت فيها حروب مع تقدمهم في السن.
عوامل الحماية
لا ينبغي إغفال الآثار الضارة للحرب على الأطفال، فكلنا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم رعاة، وكل راع مسؤول عن رعيته، فمع أن الحرب تخلق العديد من التحديات للأطفال، من المهم أن ندرك أن بعض عوامل الحماية يمكن أن تخفف من الأثر النفسي.
فيمكن للبيئات الأسرية الداعمة، والتعليم الهادف المناسب، والشبكات المجتمعية، وتدخلات الصحة العقلية أن تعزز القدرة على الصمود لدى الأطفال المتأثرين بالحرب.
معالجة التأثير النفسي
إن فهم التأثير النفسي للحرب على الأطفال أمر بالغ الأهمية لتطوير وتنفيذ التدخلات العلاجية الفعالة، ولذلك يجب أن تعطي هذه التدخلات الأولوية للتشخيص المبكر، ودعم الصحة العقلية، وإنشاء بيئات آمنة لتعزيز التعافي ومنع العواقب النفسية طويلة المدى.
دور المؤسسات السياسية والاجتماعية
يؤدي صناع السياسات دوراً حيوياً في دعم الأطفال المتأثرين بالحرب، المتمثل في تخصيص الموارد الكافية، والتعاون الدولي، وفي حالة أطفال غزة تقع هذه المسؤولية على جماعات وجمعيات النفع العام في وضع سياسات تركز على الأطفال، وهذا أمر ضروري لضمان حمايتهم ورفاههم النفسي وإعادة تأهيلهم النفسي والاجتماعي، وهذا نوع من الجهاد الذي لا ينبغي أن نغفل عنه، فالتخفيف عن هؤلاء المكروبين وإعانتهم على التغلب على هذه الآثار واجب شرعي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو هريرة: «مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه».
إن التأثير النفسي للحرب على الأطفال ظاهرة معقدة ومهمة تتطلب اهتماماً دقيقاً، حيث يواجه الأطفال المعرضون للحرب مجموعة من التحديات الخطيرة التي يمكن أن تكون لها عواقب مدى الحياة إذا تركت دون معالجة.
ويعد فهم هذه التأثيرات وتنفيذ التدخلات العلاجية العلمية القائمة على الأدلة عاملاً مهماً يمكن أن يساعد في التخفيف من الآثار السلبية وتعزيز القدرة على الصمود.
ومن الضروري لجميع أصحاب المصلحة، بمن في ذلك الباحثون والأطباء وصانعو السياسات والمجتمع ككل، إعطاء الأولوية للعلاج النفسي للأطفال المتأثرين بالحرب وتعزيز إمكاناتهم لعيش حياة مُرضية.