بعد 7 أكتوبر 2023م، أعادت معركة «طوفان الأقصى» التي أطلقتها «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، للقضية الفلسطينية روحها من جديد، وجددت الأمل بإمكانية تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر.
وفي ظل تصدر القضية الفلسطينية قضايا العالم وأولويات الشعوب الحرة، نضع بين أيدي القراء واحداً من الكتب القيمة التي تنير درب التحرير لمؤلفه الشهيد د. إبراهيم المقادمة، أحد أبرز منظري ومفكري «حماس»، الذي اغتاله الاحتلال «الإسرائيلي» في 8 مارس 2003م من خلال استهداف سيارته بعدة صواريخ أدت إلى استشهاده وثلاثة من مرافقيه.
الكتاب بعنوان «معالم الطريق إلى تحرير فلسطين»، وهو بمثابة منهاج متكامل لتحرير فلسطين واستعادة جميع الحقوق المسلوبة، ورسالة إلى الجيل الجديد من أبناء الحركة الإسلامية علها تكون خطوة على طريق الوعي لدورهم المنتظر لإعادة سيرة الأسلاف العظام.
طُبع الكتاب بدون تاريخ نشر أو حتى مكان طبع، ولكن الدلائل تشير إلى أنه طبع في تسعينيات القرن الماضي، يتضمن 283 صفحة، ومقسم إلى 8 أبواب.
طبيعة الصراع
يستعرض الكاتب في الباب الأول لمحة تاريخية للفرق المشاركة في الصراع ومعرفة طبيعة كل فريق على حدة ودوافعه وصفاته ودوره فيه، فيبدأ باليهودية العالمية وتنظيمها الحركي المتمثل بالمنظمة الصهيونية، ثم ينتقل إلى الصليبية العالمية على اختلاف توجهاتها ويخص بالذكر بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي تساند الدولة اليهودية بالمال والسلاح والدعم السياسي وهم لا يقلون خطراً عن اليهود، فهم الذين وفروا الحماية لهم حتى أقاموا دولتهم، ثم الشيوعية العالمية ممثلة بالاتحاد السوفييتي، وينتهي بالمسلمين بمن فيهم أهل فلسطين ويعول عليهم في تحويل مسار القضية من الهزائم المتلاحقة إلى النصر الحاسم بإذن الله.
وتناول الباب الثاني طبيعة الصراع، فيرى الكاتب أن الصراع مع اليهود هو صراع حضاري بكل معنى الكلمة وبكل ما تحمله الحضارة من معانٍ روحية وثقافية واجتماعية واقتصادية وعسكرية وسياسية، ويستدل على ذلك بالنصوص الشرعية والحقائق التاريخية.
والباب الثالث بعنوان «الفعل ورد الفعل»، حيث بين أن اليهود بدؤوا في مؤتمرهم الصهيوني الأول وهم في مرحلة نمو من الوعي والإدراك لتحقيق ما يريدون والعمل وفق مخطط ثلاثي مدروس بخطوات مبرمجة وضعه مؤسسهم ثيودور هرتزل في كتابه «الدولة اليهودية» ويتمثل في:
1- الحصول على دعم الدول العظمى لإقامة الدولة اليهودية في ظلها وتحت حمايتها، أو بمعنى آخر الضمانات الدولية.
2- الاستعمار الزراعي لفلسطين عن طريق تجنيد اليهود في شتى أنحاء العالم وإعدادهم ثقافياً وروحياً لتحمل مسؤولياتهم في بناء الدولة.
3- بناء الصندوق القومي اليهودي «الكيرن هايسود» لجميع الأموال اللازمة لهذا المشروع.
وفي الوقت نفسه الذي بدأ فيه اليهود عملهم المنظم بقيادة واحدة للمنظمة الصهيونية، ظل المسلمون يتخبطون وكانوا دائماً يتحركون وفق رد الفعل، وظل الصراع على الزعامة قائماً، ولم تجتمع كلمتهم إلا بعد فوات الأوان.
وفي الباب الرابع الذي جاء بعنوان «القضية الفلسطينية والحلول الترويضية المطروحة»، ويذكر العديد من الأمثلة على ذلك، ويخلص إلى نتيجة مهمة، حيث يقول: «لقد أثبتت التجارب أن كل الادعاءات التي يدعيها الانهزاميون من أن القبول بالمبادرات السلمية يحرج «إسرائيل» أمام المجتمع الدولة، هي ادعاءات عقيمة، فـ«إسرائيل» حين تملك القوة لا تقيم وزناً للمجتمع الدولي ولا احتراماً»، ولهذا يرى أن الحل الوحيد لا يكون إلا بالجهاد الذي ينتهي بالنصر أو الشهادة.
أما الباب الخامس فيستعرض الكاتب من خلاله 3 تجارب جهادية للشعب الفلسطيني، الأولى تجربة الشيخ عز الدين القسام، والثانية ثورة فلسطين عام 1936م، وحرب 1948م.
والباب السادس تناول موضوع «الدول العربية والقضية الفلسطينية»، خلص إلى أن لقضية فلسطين بعدها الإسلامي الكبير، فلا يمكن أن يقتصر الأمر على الشعب الفلسطيني في مواجهة القوى الصليبية والصهيونية المعادية، بل لا بد أن يواجه المسلمون أجمعون هذا التحدي.
واستعرض الباب السابع مسيرة المقاومة الفلسطينية وتاريخها منذ قيام دولة الاحتلال ومراحلها، وأبرز سماتها، مع بيان نقاط الضعف والخلل فيها.
الحركة الإسلامية والقضية الفلسطينية
أما الباب الثامن والأخير فتناول آفاق المستقبل للحركة الإسلامية، وكيف سيكون دورها في تحرير فلسطين، مشيراً إلى أن الحركة الإسلامية ليس لديها خيار في أن تجاهد أو لا تجاهد من أجل فلسطين، وطالما أنها حركة إسلامية فتخليص فلسطين من أهم واجباتها.
وبحث الكتاب واجبات الحركة الإسلامية في مجالين:
الأول: دور الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة (فلسطين).
الثاني: دور الحركة الإسلامية خارج الأرض المحتلة (العالم الإسلامي).
وذكر الكاتب أن الحركة الإسلامية هي المرشحة الوحيدة للقيام بدور التحرير لاعتبارات عدة، أبرزها:
1- الوحيدة التي تملك عقيدة تستطيع من خلال بعثها وإحيائها في النفوس أن تواجه كل تحديات المرحلة، وتستطيع تخطي كل حواجز اليأس والتخاذل والتقاعس والأنانية، وأن تبعث روحاً جديدة في هذه الأمة.
2- القادرة على ترجمة نظرياتها ومقولاتها إلى أعمال حين تخلص نفوس أصحابها لفكرتهم وعقيدتهم وينصهرون تماماً مع مبادئهم ويتخلص أصحابها من كل منافع وقتية أو دنيوية عاجلة ينظرون إليها، يتخلصون من كل روابط الأرض وينطلقون إلى ما عند الله من جنات النعيم.
3- الوحيدة القادرة على التخطيط لمواجهة التحديات الجسام الملقاة على عاتق الأمة، معتمدة على الله تعالى ثم على إمكانياتها الذاتية بعيداً عن التبعية لهذه الجهة أو تلك، بما تملك من إمكانيات عقلية وعمق جماهيري في كل أنحاء العالم الإسلامي، وهذا يجعلها في مأمن من الوقوع في المطبات التي وقعت فيها الحركات السابقة حين خذلها الذين اعتمدت عليهم وثبت خطأ نظرية هذا الاعتماد.
وفصل الحديث عن واجبات الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة، حيث لخص دورها بثلاثة أمور، هي:
1- بث الروح الإسلامية في الشعب الفلسطيني.
2- تكوين الفرد تكويناً جيداً عبر التربية المستمرة.
3- ممارسة العمل المسلح.
وختم كتابه بإستراتيجية ينبغي للحركة الإسلامية القيام بها لتحرير فلسطين، ومنها:
1- التعبئة الإسلامية الشاملة في جميع مجالات الحياة، وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي.
2- الوحدة الإسلامية كضرورة لمواجهة التحدي العالمي، وهذا يتطلب القضاء على كل أسباب الفرقة من الخلافات المذهبية والنزعات الإقليمية وصهر الجميع في بوتقة الإسلام.
3- استغلال طاقات العالم الإسلامي الهائلة سواء البشرية، وهذا التفوق البشري نستطيع أن نعوض به الفارق التكنولوجي، والطاقات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها العالم الإسلامي من بترول ومعادن وتكامل اقتصادي يلغي كل أسباب التبعية.
4- بعث روح الجهاد في الأمة ليصبح شغلها الشاغل، ومقاومة كل أسباب الوهن والضعف.
3- توعية المسلمين في شتى أنحاء العالم وربطهم بالقضية الفلسطينية وجعلهم يحسون أن هذه القضية هي قضيتهم.
4- التذكير أن التفريط بشبر واحد من أرض فلسطين هو خيانة لله ولرسوله، وأن الاعتراف بالدولة اليهودية جريمة لا تغتفر.
للاطلاع على الكتاب وتحميله من هنا.