انطلقت عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، وفي أعقابها شنَّ الكيان الصهيوني حرباً دموية على قطاع غزة، ما زالت مستعرة إلى يومنا هذا، ورغم تباين آراء المحللين حول موعد انتهائها، فإنهم متفقون على أن ارتداداتها وانعكاساتها في العالم عموماً، وفي منطقتنا العربية والإسلامية خاصة، ستبقى مستمرة لفترة طويلة، فما سيكون بعدها سيختلف تماماً عما كان قبلها، فقد أعادت «طوفان الأقصى» قضية فلسطين في صدارة المشهد، ورسخت مكانتها العالمية كقضية تحرر وطني تحظى بدعم إنساني كبير على امتداد البسيطة.
لقد أحيت «طوفان الأقصى»، في عالمنا الإسلامي، تنمية الجانب المعرفي بأصل القضية الفلسطينية وأبعادها، خاصة في نفوس الأطفال والشباب، حيث شهدت تراجعاً في المناهج التعليمية المدرسية والجامعية في العالم العربي والإسلامي، فنشأ جيل جديد يكاد لا يسمع شيئاً عن فلسطين إلا من خلال بعض الخطباء والدعاة أو من أهلهم، كلما نشبت حرب جديدة بين الاحتلال الصهيوني المجرم ومجاهدي الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلا أن «طوفان الأقصى» كانت شيئاً آخر، فهي حرب طويلة شكلت بداية مرحلة جديدة في صراعنا مع الصهاينة المحتلين، ومن ورائهم قوى الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ويمكن تسمية هذه المرحلة الجديدة بمرحلة حروب التحرير، حيث تميزت هذه الحرب بمبادرة الجانب الفلسطيني في الهجوم دفاعاً عن مقدسات الأمة المهددة في بيت المقدس.
لقد نقلت عملية «طوفان الأقصى» شباب الأمة نقلة بعيدة، نقلتهم من اللامبالاة والسلبية إلى الانتماء لقيم الأمة والفاعلية في الحراك من أجلها، ومن القُطرية الضيقة إلى العالمية الشاملة، ومن متابعة التافهين إلى الاقتداء بالمجاهدين.
لقد تسببت هذه العملية المباركة في رفع نهم الشباب للمعرفة والاطلاع عن حقيقة عدو الأمة الحقيقي المتمثل بالاحتلال وداعميه، وعززت ثقافة مقاومة التطبيع مع هذا العدو ومقاطعة منتجاته ومنتجات داعميه، وأحسب أن الفرصة الآن سانحة لإعادة النظر في مناهجنا التعليمية والتربوية، ومواءمتها مع متطلبات المرحلة القادمة «التحرر والتحرير»، وعلى المختصين بوضع المناهج البدء فوراً بتشكيل لجان عمل تقدم التوصيات وتقترح البدائل المناسبة لتعزيز الثقافة الفلسطينية في مناهج مدارسنا وجامعاتنا، وبيان أهمية الوحدة الإسلامية وأسباب النهوض الحضاري للأمة الإسلامية، ومعرفة عدونا وسبل مواجهته.
وإذا قصرت بعض الجهات الحكومية في هذا المجال، فلتقدّم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة المهتمة بالفكر والثقافة اقتراحات عملية تبني عليها الجهات الحكومية، فإن أبت فلتقم مؤسسات المجتمع المدني بإكمال عملها وتقدمه لمختلف الجهات التعليمية الخاصة، والأندية الشبابية والاجتماعية، ومراكز التدريب المختلفة؛ لعمل مناهج موازية للمناهج الحكومية في القطاع الأهلي يكمل بعضها بعضاً.
وأحسب أن عملية «طوفان الأقصى» هيأت الأرضية المناسبة لنشر المعارف المقدسية ودراسات الوحدة الإسلامية للنهوض بالأمة؛ لاسترجاع مجدها وتعزيز مكانتها الرائدة التي كانت عليها كأمة حضارية ذات قيم إنسانية وأخلاقية رفيعة، شعارها إخراج العباد من الظلمات إلى النور، ومن الجور إلى العدل، فهي رحمة للعالمين.
إن أهمية مراجعة مناهجنا التعليمية يكمن في محورين:
الأول: تنقية المناهج من التشويه والتزييف؛ ويتحقق ذلك بتعديل المناهج لتنقيتها من كل شائبة، فإن لم نستطع ذلك بالطرق الرسمية، فلا أقل من التوعية بخطورة هذه التشوّهات في المناهج ومداومة الحديث عن ذلك في وسائل الإعلام المختلفة، ونرجو أن تستجيب معظم الجهات الحكومية المختصة إلى ذلك، خاصة أن الشعوب الآن تتلقى ثقافتها ومعارفها من طرق مختلفة.
الثاني: إعداد مناهج متكاملة تعزز الرواية العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية وتدحض الرواية الصهيونية؛ وهذا الدور ينبغي أن يكون تشاركياً بين المؤسسات الرسمية والشعبية في الدول، على الصعيد القُطري والقومي والإسلامي، فلكل جهة دور في الإعداد والتنفيذ، لتتكامل الأدوار لتنشئة جيل جديد يحمل هموم أمته، وقادر على الانبعاث والنهوض لاستكمال عملية «طوفان الأقصى» لتصبح عملية طوفان الأمة من أجل المسجد الأقصى والنهوض.. فهل نحن فاعلون؟!