أ.د. محمد يوسف الشطي
ذكرت وزارة العدل الكويتية أن عدد حلات الطلاق بلغت 3906 حالات خلال النصف الأول من عام 2023م، هذه الإحصائية تعطينا مؤشراً بأن هناك أسباباً كثيرة وراء ارتفاع حالات الطلاق في الكويت، منها الضعف الإيماني، وضعف الشخصية أمام وسائل التواصل الاجتماعي كالاحتفالات بالطلاق، واستقلال المرأة بحصولها على وظيفة تستغني به عن قوامة الرجل، واستفادة المرأة من قوانين الدولة في النفقات المقررة للمرأة المطلقة.
ويرجع السبب الرئيس الجهل بحقوق الزوجين وضعف التعامل معها، وعدم الالتفات إلى عظم العقد بين الزوجين؛ فوقع التساهل، والتفريط في الوفاء بعظم أهمية عقد النكاح، قال الله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1)، وبين الله تعالى أنه من أغلظ العقود فقال تعالى عنه: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء: 21).
ويمكن أن نجمل حقوق الزوجين، فبها يعتصم الزوجان للحفاظ على العلاقة القدسية لضمان استقرار الحياة الأسرية وتحقيق السعادة بينهما، ومنها ما يلي:
أولاً: حقوق الزوج على الزوجة:
1- ينبغي أن تعلم الزوجة بأن حق الزوج من أعظم الحقوق، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه، لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: 228)، قال الجصاص: أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقاً، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه.
2- الاستمتاع بالزوجة: فعلى الزوجة تسليمها نفسها له وتمكينه من الاستمتاع بها؛ لأن الزوج يستحق بالعقد تسليم العوض عما أصدقها وهو الاستمتاع بها، كما تستحق المرأة العوض وهو الصداق، ومتى ما طلب الرجل زوجته وجب عليها طاعته في ذلك ما لم يمنعها منه مانع شرعي، أو مانع في نفسها كمرض ونحوه، وقد رتب الشارع الثواب الجزيل على طاعة الزوج في المعروف، كما رتب الإثم العظيم على مخالفة أمر الزوج ما دام يأمر بالمعروف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» (متفق عليه).
ووجوب طاعته مقيد بألا يكون في معصية؛ فلا يجوز للمرأة أن تطيعه فيما لا يحل، مثل أن يطلب منها الوطء في زمان الحيض أو غير محل الحرث، فإن إتيان الرجل زوجته في دبرها من المحرمات، ومن كبائر الذنوب التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعلها، فقال فيما رواه أبو داود: «ملعون من أتى امرأة في دبرها»، وهو حرام.
3- من حق الزوج التأديب عند النشوز والخروج على طاعته، لقول الله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء: 34).
4- ومن حق الزوج على زوجته عدم الإذن بالدخول لمن يكره الزوج دخوله، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه»، والحديث محمول على ما إذا كانت لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها إذا كان من محارمها.
5- ومن حق الزوج على زوجته عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج.
6- ومن حق الزوج أن تحفظه في نفسها وماله.
7- ومن حق الزوج على زوجته السفر بها والانتقال من بلد إلى بلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم.
ثانياً: حقوق الزوجة على زوجها:
1- من حق الزوجة على الزوج المهر؛ لقول الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء: 4)، ولا يحل للزوج أن يأخذ شيئاً من مهرها إلا برضاها وطيب نفسها؛ لقول الله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) (البقرة: 229).
2- ومن حقها عليه النفقة؛ لقول الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) (الطلاق: 7)، قال ابن هبيرة: اتفقوا على وجوب نفقة الرجل على من تلزمه نفقته كالزوجة والولد الصغير والأب.
3- ومن حق الزوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها؛ وذلك بأن يطأها، ومنها الجماع، وأدنى ذلك أن يطأها مرة كل طهر إن استطاع، ومنها إشباع رغبتها بالمداعبة والتقبيل ونحوها، بالإضافة إلى المؤانسة والتبسم في الوجه، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه يجب على الزوج أن يطأ زوجته، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للزوج أن يعزل عن زوجته الحرة بلا إذن منها.
4- ومن حقها عليه القسم بالعدل إذا كان له أكثر من زوجة، فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» (رواه أبو داود، وقال: يعني القلب).
5- أن يعاشرها بالمعروف والمعاشرة بالمعروف: يندرج تحتها أمور، منها: الكسوة والنفقة والمعاملة الحسنة، وأمور الفراش ونحو ذلك، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19):
– أن يصبر على أذاها ويتحمل منها ما يصدر عنها من أخطاء، ويحتسب الأجر عند الله على صبره، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا يفرك (أي: لا يكره) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (رواه أحمد وهو صحيح).
– أن يذكر هذه المرأة بخير ويثني عليها عند أهله وأهلها: فلا يحرجها بكلمة سيئة ليحط من قيمتها بها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي وهو صحيح).
– ومن الواجب على الزوج تجاه زوجته ألا يكلفها ما لا تطيقه، فإن كلفها ما لا تطيق فلا يلزمها طاعته في ذلك، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
– أن يعلم الزوج أن هذه المرأة أمانة عنده فليتق الله فيها، وليعلمها أمور دينها ويبصرها بالواجبات التي عليها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته» (متفق عليه).
ثالثاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين:
1- المعاشرة بالمعروف والمعاملة الحسنة، فيجب على كل واحد منهما معاشرة الآخر بالمعروف، فقد أخرج أحمد، والترمذي، والنسائي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً».
2- الاستمتاع: بأن يستمتع كل منهما بالآخر، وعليهما أن يتزينا لبعضهما.
3- الإرث: فيرث الزوج زوجته عند وفاتها كما ترث الزوجة زوجها عند وفاته، لقول الله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (النساء: 12).
4- حفظ الأسرار وستر العيوب والصبر على الزلات، والتغافل عن الأخطاء مع تقويمها وتهذيبها بين الزوجين بالحكمة والكلمة الطيبة واتباع تعاليم ديننا الحنيف.
5- ينبغي أن يعلم كل من الزوجين أن الحياة الزوجية لا تخلو من بعض المنغصات، فالصبر وغض الطرف وتحمل كل منهما الآخر مما يعين على استمرار الحياة الزوجية، وأخيراً فإن الله تعالى يقول: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة: 237).
_______________________
المأذون الشرعي بوزارة العدل.